أبو الوليد الحمصي
—————————————
«حقّاً إنّ شعبنا العربي السوري من أفضل شعوب الأرض قاطبةً والشعوب والأمم لا تُعرفُ إلاّ عند الشدائد، وقد أثبت شعبنا جدارته بالحياة والمجد»..
بهذه الكلمات الوردية أبدأ.. وحقاً أني حرت من أين أبدأ، فاخترت اقتباس كلام للشخص المعني بهذه المقالة وهو العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع السوري الأسبق، وقد جاءت في إحدى فقرات كتابه الشهير «مرآة حياتي»، لكن تكملة الجملة تنسف كل ما هو جيد فيها، فاستكمال الاقتباس هو على النحو التالي: «… جدارته بالحياة والمجد، حين تعلّق بالرئيس الأسد وترك المغريات الأخرى كافة التي طرحها الطرف الآخر ومن جملتها الانفتاح الاقتصادي، أجل لقد جاء الانفتاح الاقتصادي ولكن في عهد الرئيس الأسد جاء لمصلحة الشعب كلّه، ولو تمّ في عهد سواه لكان نصيب القطط السمان هو نصيب الأسد ونصيب الشعب كلّ الفُتات الذي لا يُسمن ولا يُغني عن جوع».
هذا الهراء من وزير الدفاع و- زير النساء غيض من فيض كلام التحبب والتعبّد «للأب القائد» و»الرمز المفدّى» الذي رحل ولم يلتحق به طلاس إلى الآن بكل أسف.
وما استدعى كلامنا حول هذا الخرِف الآن، هو انشقاق ابنه الثاني مناف طلاس (أياً كانت رتبته العسكرية) وقد دار جدال حولها، وهو عموماً لن يعجز في إيجاد أي رتبة، إذ يوجد على بدلة أبيه العسكرية الكثير منها حتى أصبح كلوحة تشكيلية متنقلة بصعوبة نظراً لثقلها، علماً أن رتبة «عماد أول» استحدثت في الجيش السوري خصيصاً لطلاس!، والابن هو الصديق المقرّب «للابن القائد» انشق عن النظام مؤخراً، وقد أثار هذا الحدث ومازال الكثير من التكهنات وأسال حبر الصحافة بتوقعات وحكايات أقرب للفوازير بحكم اقتراب شهر رمضان المبارك!
ومن يقرأ تاريخ الشخصية السنية القوية في الجيش السوري وهي إحدى شخصيات نادرة استمرّت في موقع القوة بعد عملية التطهير العلوية للجيش منذ أواخر الستينيات، يعلم تماماً أن انشقاق الابن لا يمكن أن يكون حدثاً عابراً أو خطوة بلا ثمن، خاصة أن الإخلاص لحكم العائلة واضح في كلام الأب عن ابنه وعلاقاته الوطيدة مع أبناء الأسد في أكثر من موضع في كتابه المثير للغثيان.
وطلاس الأب هو من «الحرس القديم» في النظام السوري فعلاً لا قولاً فقط، إذ إنه من أوائل المنتسبين لحزب البعث عام 1947 ومن قادة حركات الانقلاب الداخلية في الجيش وأحد أبرز المتآمرين فيما يسمى «الحركة التصحيحية»، كما أنه كان لاعباً أساسياً في معركة الشقيقين حافظ ورفعت على الحكم عامي 1983 و1984 ما جعل موقعه ثابتاً لدى الأسد حتى مماته، واستمر ذلك مع قدوم الابن إلى أن تقاعد عام 2004.
وعُرف عن «أبو فراس» ولعه الشديد بالنساء، حتى أنه رأى في كتابه المذكور آنفاً أن «جسد إمرأة عارية» هو أجمل شي في الكون، كما كانت له «مرابع خاصة» في فنادق دمشقية وغير دمشقية للسمر وأصبح مضرباً للمثل في ذلك.
ويناهز عمر طلاس 80 عاماً، وهو بعيد عن التصريحات والظهور الإعلامي منذ فترة طويلة، ولم يسمع له أي موقف رسمي من الثورة السورية، وكل ما نقل عنه لا يعدو كونه «فبركات» من الإعلام الموالي والمعارض، وكان آخرها المقابلة المزعومة على إذاعة فرنسا الثانية والتي قيل أنه دعم فيها الأسد رافضاً انشقاق ابنه.
وبالعودة إلى مناف وانشقاقه، والكلام عن شقيقه الأكبر فراس المستقر في دبي منذ مدة حيث يدير أعماله التجارية الضخمة، فإن الآمال المعقودة عليهم يجب أن لا تكون ذات سقف عالٍ، فالإجماع الداخلي والخارجي يتحدَّث عن صفقة وتسوية معهم كونهم «عائلة سنية» من المرجّح أن تلقى قبولاً لدى الشارع الثائر إضافة لعلاقاتهم وخبرتهم بالنظام، إلا أن أياً منهم لم يدلٍ بتصريح واحد ذا شفافية أو مصداقية، لعلهم بانتظار اكتمال البنود!!
واختم هذه النظرة السريعة عن العائلة الرستناوية التي لم تفزع لمسقط رأسها منذ مطلع الثورة، بجملة أخرى مؤذية اقتبسها من كتاب طلاس الأب يتحدَّث فيها عن الأسد الأب إبان إحدى ليالي الاستنفار الأمني خشية من أخيه الجزار الأصغر رفعت، إذ يقول: «لم يترك سريّة أو كتيبة أو لواء أو فرقة في القوات المسلحة إلاّ وذكرها وطلب استنفارها وعندما كنت أقول له: لقد تمّ الأمر سيدّي، وبعد خمس دقائق يرنّ جرس الهاتف والمتكلم كان بالطبع الرئيس الأسد الذي كان يذكّرني بوحدة جديدة وكنت أقول له لقد تمّ استنفارها،وقلت له مازحاً: «بقي رب العالمين لم نستنفره بعد»!, فقال ضاحكاً: لأنّه معنا»!!