أحمد أبازيد
لم يكن خطاب اليوم ترفاً من بشار الأسد , ولا خطاباً لمجرّد الخطاب , كان الكلام فيه محسوباً , و كلّ ما حول الكلام من الجمهور المدرّب بدقّة على ما سيهتف به , و من الخلفيّة التي وراءه .
بعد الخطاب الاوّل في مجلس الشعب و حجم التهكّم ممّا حصل فيه من هتافات و تمجيد للأسد , توقّف هذا التهريج ليسوّق الأسد نفسه كرئيس تجنّباً لتهكّم الإعلام من تصنيمه المسرحيّ , اليوم كان الافتتاح بهتاف : بالروح بالدم نفديك يا بشار , بهزّة يد جماعيّة موحّدة و متقنة تلا ذلك هتافات أسقطت حتى سوريا منها : الله بشار و جيشنا المغوار , وراء الأسد لوحةٌ من صور قتلى الجيش و أمامه “شعبه” الذي يؤلّهه , و بينهما يقدّم خطابه ثابتاً و واثقاً للعالم , خطاب من ليس لديه سوى الحرب و استكمال الإبادة .
كان هناك مخاطبان لا ثالث لهما , من تبقّى من مؤيّديه قائلاً لهم إنّها معركة الوجود , فرصة الحياة الأخيرة , إمّا معه و إمّا سيفنون جميعاً , و سيمضي بها مخلصاً حتى النهاية .
و المخاطب الآخر هو الجمهور الغربي , الذي يجب أن يؤكّد له أنّه الرئيس الذي يحارب الإسلاميين المتطرّفين و القاعدة , القاعدة التي سرد تاريخها و أكّد تضرّر الغرب منها , هذا الخطاب الذي تعتمد عليه معظم وسائل الإعلام الغربية في مقاربتها للمسألة السورية , الجهاديون و ليس الثوّار و لا المعارضة المسلّحة هو المصطلح الأكثر استخداماً , وهو الأكثر تأثيراً في كسب هذا الجمهور السخيف , الذي سيصدّق فيما بعد أنّ المجاهدين هم الذين يقصفون الأفران و يقطعون الكهرباء , الكلام الذي يعدّ نكتة ظاهرة الكذب حتى لدى مؤيّديه .
و لم يكن طرح المبادرة , موجّهاً لأحد , و لا حتى لمعارض مثل هيثم مناع , كان لمجرّد ملء فراغ عناوين الصحف العالمية , عن مكان الأسد بين المبادرات الدولية التي طُرحت , و كانت خاتمة طبيعية لمسلسل المبادرات الذي أنهاه الابراهيمي قبل أسبوع في موسكو .
تكلّم الأسد عن تحسّن الأوضاع في حمص و درعا , في الوقت الذي عادت فيه المعارك في تلك المدينتين لذروتها , مع اقتحام دير بعلبة و الهجمة على الريف في حمص , و مع الهجمة العنيفة على طفس و بصرى الحرير في درعا , ولم يكن ذلك إلّا سخرية ممن يظنّون أنّ هناك أملاً أو أنّ الكلام موجّه لهم .
و ما يجعل الأسد يتكلّم بهذه الثقة , ليس انتصارات عسكريّة حقّقها بينما آخر معاقله العسكرية في الشمال محاصرة و على وشك السقوط بأيدي الثوار , و إنّما اطمئنانه إلى تخوّف المجتمع الدولي من هزيمته و انتصار الثوّار , واستغلاله لدوره ككابح و محارب لهذه الجماعات , طبعاً بعد يوم واحد من تصريح نتنياهو عن أنّ سبب بناء الجدار العازل على حدود الجولان هو أنّ الجيش العربي السوري منشغل الآن و قد تتسلّل الجماعات الإرهابية , و بعد وضوح الكذبة الدولية عن دعم الائتلاف بشكل مفضوح يظهر بجلاء طبيعة أهداف هذه الدول و ألاعيبها التي لا تبالي و لا في آخر بنودها بالدم السوريّ المسفوح , و يرينا أنّ النظام حتى الآن ما زال يفهم المجتمع الدولي أكثر من المعارضة .
باختصار : الخطاب إعلان تصعيد في حرب الإبادة .. تصعيد إلى النهاية , و اتكاء على تواطؤ المجتمع الدولي , و تحذير – مضطر لأن أقول إنّه طائفي- للمدافعين عنه بكونهم في حرب وجوديّة لا أقلّ , و رسالة لنا أنّ علينا أن نكون حذرين و يقظين و متوقّعين للأسوأ … و الأهمّ من ذلك أن نكون متوحّدين ضدّ هذا الأسوأ !
https://www.facebook.com/abazed89