كان لونه أبيض شاحباً لأنه لم ير الشمس أبداً.. وكلما رآه الأطفال في الشارع غنوا بصوت واحد “قفز الأرنب.. خاف الأرنب.. كنت قريباً منه ألعب..” لكنه لم يردّعليهم يوماً، أو كأنه لا يسمعهم، كل ما يشغله البحث عن ما يسدّ رمقه من الجزر.
مرة وضع يده على بطنه وصرخ، فأتى من الشارع رجال أخذوه في سيارة واستضافوه لديهم وأكرموه ثم قالوا له “إذا كنت تريد الصّراخ فلا مانع لدينا” وجعلوه يصرخ حتى أنهك تماماً، وعاد، عاد صامتاً تماماً.. يسمع ويسمع ثم يسمع حتى أصبحت أذناه طويلتان وكبيرتان وأصبح “كلّه آذان صاغية”.. وقالوا له في الجرائد والتلفاز والمذياع بأنّ حالة الكسوف القائمة منذ أربعين سنة ضوئية ستستمر – بإذن الله – حتى يبقى فراء الأرانب أبيض نقياً وموحياً بالأمن والسّلام. ولذلك قاموا بوضع ستائر سوداء على كلّ النوافذ خوفاً على العيون من الأشعة فوق البنفسجية، وعلى الجلد من الاحمرار.
المخزون الوطني من الجزر كان ضئيلاً والدولة في حالة حرب مع دولة الذئاب وإذاً ليس أمامه سوى أن ينصاع لسياسة التقشف ويأكل جزرة كل أسبوع وهو يحمد الله لأنه لم يترك سوى اثنين من أسنانه يستمران بالنمو ليقضم بهما لأن حال البلاد لا يتحمل نمو الأسنان الأخرى على الجانبين الأيمن أو الأيسر..
كان، ويوماً بعد يوم، يستيقظ في وقت محّدد ويعمل ما يجب عمله ويسمع ما يجب سماعه ولا يرى إلا ظلالاً بصمت كامل وبشكل أتوماتيكي..
“يبدو كدمية! إنه ليس أرنباً حقيقياً أبداً “قال أحد الأطفال محرّضاً على تفحّصه أكثر.. فركض وراءه طفل آخر وقفز مادّاً يده ليتلمس بها ظهره، فنظر إليه مرتعباً وأخرج ورقة وقلماً وكتب “ماذا تريد؟”
“أريد أن أعرف إن كانوا (يقرنونك) بمفتاح في ظهرك”..
فكتب بيد مرتجفة “لا إنهم يتحكمون بي بأجهزة التحكم”.
فسأله الطفل بعد شرود “وهل يشحنونك بالكهرباء؟”
دهش وكتب بأحرف كبيرة “الكهرباء؟…آه!…الكهرباء!..”
وضحك ضحكاً هستيرياً، ضحك حتى استلقى على ظهره. ثم وضع يده على قلبه وحشرج ثم..
رفع الطفل يد الأرنب فانزلقت من بين يديه الصغيرتين، فتركه وعاد إلى أصدقائه لا مبالياً “ربما هذه أوّل مرّة يضحك فيها، قلبه ليس مصمماً لتحمل ضحكة واحدة (وطني أكيد)…
————————-
هنادي زحلوط
09/05/2006
*المناضلة هنادي من مواليد الساحل السوري، خريجة كلية الزراعة في جامعة تشرين، صحفية وكاتبة لقصص قصيرة وباحثة اجتماعية في قضايا المراة والطفل، تكتب القصص منذ خمس سنوات وحصلت عل المركز الثالث بالقصة في المهرجان الادبي المركزي ولها مجموعة قصصية بعنوان “نهاية رجل شفاف” ورواية لم تنشر بعد “أشجار الربيع القادمة”.. وهي عضو في اتحاد كتاب الانترنت العرب وعضو ملتقى الفينيق الأدبي وتنشر في عدة مواقع منها “الراي” و”القصة السورية” ومنتدى نساء سوريا و”ثرى”. وكانت عضواً في فريق عمل مرصد نساء سوريا.. ناشطة في مجال حقوق المرأة وضد جرائم الشرف ولها العديد من المقالات السياسية والاجتماعية..
هنادي زحلوط تتعرض للتعذيب في سجون النظام الاستبدادي… لذا وجب التنويه !
تعليق واحد
الحرية لهنادي وسلمت يداها وفكرها ومدادها على هذا الإبداع