أسطورة اسمها دير الزور

.

كان رامي ومحمد جالسين سوياً أمام التلفاز، على الرغم من تباعدهما السياسي ولكنهما قررا ألا يسمحا للسياسة أن تفرق بينهما، كانت قناة الدنيا هي التي يشاهدونها بناءً على رغبة رامي، وكان بانتظار القناة أن تفضح زيف بعض الفيديوهات التي تبث على الإنترنت.

ظهر صوت المذيع الذي يقول أنه لا يريد أن يقلل من قدر أحد أو أن يتعدى على أحد ولكنه فقط يريد كشف الحقيقة، ظهر الفيديو وفيه ألوفٌ مؤلفة من البشر يهتفون، ويبدأ المذيع بالكلام…

“هذا الفيديو الذي عرضته الكثير من القنوات التي تريد بث الفتنة داخل البلاد، يقولون فيه أنه صور في مدينة تُدعى دير الزور..”

شدت هذه العبارة انتباه محمد، شعر أن كلمة “تُدعى” لم توضع في التعليق صدفة أو عن طريق الخطأ، ركز نظره على التلفاز و”شنك” أذنيه ليعلم ما هي الخدعة التي سيكشفها المذيع الآن، ولكن لم يكن يتوقع أنه سيسمع هذا.

“جميعنا نعلم أن المدن الرئيسية في سورية والتي هي مراكز المحافظات هي دمشق وحلب وحماة وحمص واللاذقية وطرطوس وإدلب والحسكة والرقة ودرعا والسويداء والقنيطرة وأنطاكية المحتلة من العدو التركي، وبما أن ريف دمشق ودمشق لهما نفس المركز وهو مدينة دمشق، فنحن نعلم أن في سورية يوجد أربعة عشر محافظة، وجميعنا يعلم أن ما من مدينة في سورية اسمها دير الزور”

فتح محمد عينيه وفمه على أقصى درجة يستطيعها، ولو كان لديه فتحات أخرى في جسمه يتحكم بانفتاحها وانغلاقها لفعل، دير الزور ليس حقيقية؟؟! هل هم جادون؟ لا بد أن صديقه رامي سيتوقف عن مشاهدة قناة الدنيا الآن..

“يا أخي فظيعين…”

“عنجد مو معقول، شو شايفين البشر حمير؟”

“شلون يعني؟”

“لك شو شلون يعني؟ هلق طلع معن ما في مدينة إسمها دير الزور؟ إيه شو هيي أوربا ليمحوها من الخريطة؟”

“شو بك ليش مستغرب؟”

“لك شلون شو بني؟ عميقولوا ما في دير الزور وإنتِ بتقلي فظيعين؟”

“أخي سؤال… إنتِ رايح على دير الزور وشايفها بعيونك من قبل؟”

“بصراحة… لأ”

“طيب في شي مرة مرقت من جنبها وشفت لافتة مكتوب عليها دير الزور؟”

“لأ.. الجزيرة كلها مو رايحلها من قبل”

“معناتا ليش كتير متأكد أنو في دير الزور؟”

“لك يا أخي بعرف عالم من دير الزور، بعرفلي فوق العشرين بني آدم من هونيك”

“إيه شو يعني، هدول معارضين مو هيك؟”

“أنو أغلبن…”

“شفت شلون… مالن مصلحة يخبروك أنو ما في دير الزور”

“طيب وكان يطلع أخبار عنها من قبل الاحتجاجات.. شو هدول الصحفيين كمان مندسين؟”

“لأ مو بالضرورة.. بس انشالله مفكر المؤامرة مبلشة مبارح؟ قطر وتركيا صرلن سنين عميخططولها، ومن وقتها بلشوا يدحشوا عالم يقولوا أنو في مدينة إسمها دير الزور، مشان يقولوا بعدين أنو فيها مظاهرات وبس تروح العالم لتشوف إذا هي مظاهرات ولا تخريب ما يلاقوها… ويقولوا العالم أنو النظام كذاب ومخبي المدينة وما عميطلعلن ياها”

“رامي! من كل عقلك عمتحكي؟”

“إيه شو بك ليش مستغرب.. أصلاً شوف شلون كل شي بلاوي بيلزقوها بالحكومة بتطلع من دير الزور، شي بيقلولك أنو ندفنت نفايات نووية، وين؟ بدير الزور، وشي بيقلولك أنو في مفاعل نووي سوري، وين؟ بدير الزور، وشي بيقلولك أنو في مظاهرات، وين؟ بدير الزور.. ولسى أبصر وين بدها توصل هالمسخرة”

“طيب والكتب تبع المدرسة، مو محطوط فيها دير الزور؟”

“مبلى مزبوط.. بس الكتب تبعيت المدارس وين طابعينا يا شاطر؟”

“الجديدة بمطابع بلبنان على حد علمي..”

“ولبنان مين فيها؟”

“زينة دكاش؟”

“لأ يا فهمان.. فيها سعد الحريري وفيها سمير جعجع، ولله ما ببعرفك غشيم بالسياسة هيك”

 “إيه ولله… غشيم كتير بالسياسة أنا عفكرة، وبالجغرافيا كمان”

ومنذ ذلك اليوم والناس في سورية يدعون لخير قناة الدنيا ليلاً نهاراً لأنها كشفت للشعب السوري والعربي عن المؤامرة التي كانت تسعى لتعبئة رؤوسهم بأسطورة اسمها دير الزور.

.
. 

التوقيع: باولو الشامي