أغمض عينيك.. عامٌ واحدٌ للوراء.. بضعة أنفاسٍ للخلف هنا.. أَتَذْكُر..!؟
تَلَمَّس أطرافَ لسانك… أَتَذْكُر طعم الخوف!؟
ذاك المرارُ الذي يسكن وسط الحروفِ التي تمضَغُها عنوةً فتزدادُ غربةُ ذاتِك عن ذاتِها…
تحسس صوتك… وسطَ الهمسةِ الأولى والثانية.. حيثُ تغيب الأسماء في رحيل الأزمنة.. أَتَذْكُر الصمت !؟
مرآتك… قف أمامها… تأمل عينيك.. أهو موتٌ سبق الموت… أم حياة كانت في توقٍ للسماء !؟ أتذكر وجهك !؟
حيُّك وجيرانك… جدران المدن..
وطريق المدرسة المعبَّد بصيحات الآخرين , وعهود من انتظرناهم ولم يأتوا.. ومن طوبناهم أبداً خلف أبد… أَتَذْكُر !؟
طفلك الذي كان يحاول التقاط أحلامه قبل أن يسرقها الكبار …
أسئلتُه الخجولة التي كانت تجعل جسدك يرتجف… أتذكر غصتك حين تعجز عن حفظ أحلامه.!؟
أغلق قبضتك على قلمك… دعه ليبوح… نقطةً تلو أخرى… سطراً يعانق الآخر… وكلماتٌ لا تجد مكانها على دفاترك… لكنها تجد موتها الأخير مع كل الأفكار التي أغلقت عليها الباب كي لا يسرق عمرك سجانٌ برائحة
الكراهية.. أتذكر الخوف !؟
واليوم!؟………
وطعم الحرية يدخل الحرية روحك… وصوتك الذي ينشد وسط الألوف رغم اقتلاع الحناجر
ابتسامتكَ الممتزجة بألم الغياب… ذاكرتك التي يسكنها آلاف الشهداء وعشرات آلاف الذين لا تعرف أين أخذهم عنك الطريق… فيدخل العشقُ قلبك… عشقٌ طوباويٌّ لأناسٍ ربما لم تعرفهم يوماً.. لكنك تعرفهم أكثر من أيِّ أحد..
حيك الذي لم يكن ليتجاوز عادةً يومية.. جيرانك الذين لم تكن تعرف عنهم سوى تلك الأسماء المكتوبة عند جرس الباب.. وكم مرة اليوم اختبأت في دارهم…
أولئك الغرباء الذين كنت تخبر الجميع أنهم لا يشبهونك… فَرَثَوك وبكوك… صرخوا من أجلك وأجل أطفالك “حرية”…
طفلك الذي صار ينتظر انتهاء دوام المدرسة… لا ليلعب الكرة مع أصحابه… بل ليخرج في مظاهرةٍ من أجلك… من أجله… فيدهن كل الجدران وصولاً للمنزل كعاشقٍ يكتب اسم حبيبته… هو لا يخاف… أتخاف أنت!؟
حروفك التي صارت تكتب شعراً لوطن كنت تتمناه… فصرت تبنيه…لسوريا …
حروفك التي استطاعت أن تجمع نفسها لتقول لا … أستطفئها !؟
أمك التي غنت للشهيد وشيعته تحت الرصاص فرحاً..
أبوك الذي يتمسك بالحياة كي لا يسرقه الموت بعدما عرف الشباب لأول مرة في حياته
فمن قال لك أننا لم ننتصر!؟؟..
———————————————–
ليلى السمان– افتتاحية جريدة سوريتنا العدد الثاني- 2 تشرين الأول 2011