نقلت صحيفة الوطن السورية خبراً عن توصية مجلس الشعب لاستحداث محافظات سورية جديدة في ريف حلب الشمالي وفي شرقي الحسكة وبادية حمص، ضمن غلافٍ شكلي يدّعي حرص نظام بشار الأسد على القيام بالمشاريع التنموية والاستثمارية للحد من البطالة في تلك المناطق. الحقيقة وكما تدل المؤشرات غير ذلك تماماً، فالتقسيم الإداري الجديد طائفيٌ بامتياز، يهدف على المدى القصير إلى فصل الريف والبادية عن المدينة والتغيير في ديموغرافية المدن والمناطق الرئيسية على أساسٍ طائفي لمرحلة ما بعد الثورة السورية.
إستحداث محافظة منبج على سبيل المثال، والتي تقع في ريف حلب الشمالي ذات الأغلبية السنية، فإن من شأنه فصل الريف الشرقي عن محافظة حلب، والتأثير المباشر على النسب المكونة لسكان محافظة حلب مما يخدم عدم سيطرة الأغلبية السنّية فيها في مرحلة الانتقال الديموقراطي ما بعد سقوط النظام. كذلك الأمر بالنسبة لمحافظة القامشلي المستحدثة ذات الأغلبية الكردية المنفصلة عن الحسكة وسكانها من العرب المسلمين. وأخيراً فإن استحداث محافظة البادية والتي تضم مدينة تدمر وبادية سوريا الشرقية والتي كانت تتبع سابقاً لمحافظة حمص، يؤدي إلى فصل سكان البادية من المسلمين السنيين عن مدينة حمص المحاطة بريف ذات أغلبية مسيحية وعلوية من الناحية الغربية للمدينة، حيث يتركّز الدمار الناجم عن القصف اليومي في مدينة حمص ضمن المناطق ذات الأغلبية السنيّة، ما شأنه إحداث تغييرٍ ديموغرافي مباشر يمتد تأثيره حتى بعد إعادة إعمار المناطق المتضررة.
ولعل أهم ما يمكن استنتاجه من تلك التقسيمات الإدارية على أساسٍ طائفي هو انفصال الحكومة التي تفتك بشعبها كل يوم عن معاناته اليومية. فبينما يسعى المواطن السوري في مختلف المناطق لتأمين ربطة خبز لطعامه وأسطوانة غاز لتدفئته، تنشغل الحكومة في التخطيط بعيد المدى لزيادة التقسيم والتفرقة بين مختلف المناطق السورية على أسس طائفية. لتخرج بعدها الأغلبية السنيّة في البلاد منهكةً ومحمّلة بهمومٍ اجتماعية ناتجةٍ عن استشهاد أعدادٍ كبيرة من معيلي ألأسر الميّتمة، والإعاقات الناجمة عن إصابات الحرب، بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية في تلك المناطق.
إن مستقبل الوعي السوري يجب أن يرقى لحجم المعاناة التي تحيط بجزئه السنّي الأكبر، والّذي كان ومازال حاضناً لجميع مكوناته ومتآخياً معها على مر التاريخ. لستُ أخشى من التقسيم المناطقي الجديد، كخشيتي من تجاهل بعض مكونات الثورة السورية المباركة من تلك المعاناة والكوارث الإجتماعية الهادفة لإعادة تهميش الأغلبية الحاضنة للوطن تحت غطاء الديموقراطية المتسلّقة على أعتاب الكوارث الديموغرافية، مما لا يحقق العدالة المرجوة من الديمقراطية التي نسعى لتطبيقها. إنّ الثورة السورية المباركة كانت ومازالت ضد الظلم الّذي لا ترضاه الشرائع السماوية، ونصراً للحريّات وحقوق الإنسان. ضحّى من أجلها الشعب السوري بأغلى ما يملك، فأريقت الدماء، وتيتم الأطفال، وترمّلت النساء، ودُمّرت البيوت والبنى التحتية، وسوف تستمر تلك الثورة ما دام الظلم واقعاً في بلادنا الحبيبة، ولو كان يلبس عباءة الإصلاح والديموقراطية. ويبقى الرّهان الأكبر على وعي المواطنين السوريين من أبناء الثورة، الحريصين على وحدة وتآخي المجتمع والرّافضين لتقسيمه، حرصهم على إحقاق العدل والمساواة الإجتماعية لمجتمعٍ مصاب، يتوجب على الجميع مراقبة تماثله للشفاء تحت العناية المركّزة.