نورس مجيد
———————
مقدمة:
“كذلك الطغاة … كلما موّناهم وخدمناهم زادوا جرأة واستقووا .. فإن أمسكنا عن تموينهم ورجعنا عن طاعتهم صاروا، بلا حرب ولا ضرب، عرايا مكسورين لا شبيه لهم بشيء إلا أن يكون فرعاً عدمت جذوره الماء والغذاء فجف وذوى” أتين دي لابويسيه –العبودية المختارة، عام 1577.
يعرف العصيان المدني بأنه وسيلة صراع فعالة ضد الظلم، تستخدم قوة رفض الطاعة والالتزام بعدم التعاون على مستوى شعبي لتعرية المستبد وإجباره على التراجع عن ظلمه.
هذه الوسيلة كانت وماتزال رديفاً للتغيير الاجتماعي والسياسي في كل دول العالم، فقد نجحت في الإطاحة بحكومات مستبدة، وأعاقت تقدم جيوش جرارة، وحققت الاستقلال لبلدان، وغيرت قوانين كانت تنتهك حقوق الإنسان، البعض منها حقق نجاحات خاطفة وسريعة، وبعضها الآخر بدأ ببطء وتصاعدت وتيرته مع الزمن. منها ما نجح في تحقيق أهدافه دون إراقة للدماء، ومنها ما اضطر لبذل تضحيات بشرية ولكنها لا تقارن إطلاقاً بضحايا النزاعات المسلحة.
لمحة تاريخية:
لا يرتبط تاريخ العصيان المدني بثقافة بعينها، فقد طبقته مختلف الشعوب والثقافات والأديان منذ مراحل مبكرة جداً في التاريخ وصولاً إلى تاريخنا الحديث.
شهد القرن المنصرم نجاحات كبيرة لأساليب المقاومة المدنية التي تزايدت فعاليتها وتواترها بشكل تدريجي مع الزمن، لكن أهم تطور تمثل في تحول ما كان في السابق خطاباً أخلاقياً، إلى إستراتيجية نضال متكاملة، اعتبرها البعض أداة لها كل مقومات السلاح الذي يمكن للشعوب استخدامها في مقارعة الظلم المفرط للحكومات.
نجحت أساليب المقاومة المدنية في روسيا (1905)، وألمانيا (1923)، والهند (1930)، والدنمارك (1944)، السلفادور (1944)، الولايات المتحدة (1955)، إيران (1977-1979)، بولندة (1980)، الأرجنتين (1982)، التشيلي (1983)، الفلبين (1986)، جنوب أفريقيا (1983)، التشيك وإستونيا ولاتفيا ولتوانيا (1988-1989)، صربيا (1999-2000)، مدغشقر (2002) وأوكرانيا (2004) ، ونيبال (2006)، بالإضافة إلى العشرات من الثورات والنزاعات الأخرى في التاريخ القديم والحديث.
حقائق وأرقام أثبتتها عدد من الإحصاءات والدراسات الحديثة:
- لم يسبق لثورة سلمية في التاريخ التزمت العصيان المدني وشارك فيها أكثر من 12 بالمئة من المواطنين أن خسرت مواجهتها مع أي نظام.
- معدلات نجاح ثورات المقاومة المدنية في التاريخ بلغت 52 بالمئة، وهي ضعفي نسبة نجاح الثورات المسلحة التي بلغت 28 بالمئة فقط.
- في مواجهة الأنظمة الشديدة الإجرامية والقمع لم تتجاوز نسبة نجاح الثورات المسلحة 20 بالمئة، بينما نجحت الثورات التي التزمت أساليب العصيان المدني في مواجهة هذا القمع بمعدل 46 بالمئة.
- شكل النظام ودرجة القمع التي يمارسها غير مرتبط بنجاح المقاومة المدنية، وأن العامل الأساسي هو قدرة الجماهير على التنظيم والتكيف وتغيير التكتيكات المستخدمة.
- فرص تقديم تنازلات من قبل النظام أعلى بـ 12 مرة في المقاومة المدنية منها في المقاومة المسلّحة.
- هناك ارتباط وثيق جداً بين الأسلوب الذي تتبعه الشعوب في النضال وشكل النظام الذي يلي الثورة. فخلال العقود الثلاثة الماضية، من بين 67 ثورة سلمية حققت خمسون ثورة انتقالاً إلى الديمقراطية، ومن بين 20 ثورة مسلحة، أربع ثورات فقط حققت هذه النتيجة والبقية كلها تعثّرت. أكدت دراسة أوسع شملت 323 ثورة، أن احتمالية الانتقال إلى الديمقراطية بعد الثورات المسلحة يكاد ينخفض إلى 4 بالمئة فقط.
- متوسط عمر الثورات التي انتهجت أساليب العصيان المدني في التاريخ هو ثلاث سنوات، بينما يبلغ متوسط عمر الثورات المسلحة تسع سنوات.
الثورة السورية والمقاومة المدنية
- أوصلت المقاومة المدنية القضية السورية إلى كل بيت في العالم وأدانت النظام في كل المحافل الدولية وحققت نسب من المشاركة الشعبية ربما لا تضاهيها أي ثورة في التاريخ، نجحت في الاستمرار إلى اليوم على الرغم من كل القمع والقتل، كل هذا تم تحقيقه دون وجود إدارة سياسية موحدة، ودون تنظيم يذكر.
- النظام السوري كان مستعداً منذ البداية لقمع التظاهرات الشعبية وتبدو قدرته عالية على قمع المقاومة المسلحة، لكنه غير مستعد إطلاقاً للتعامل مع أساليب العصيان المدني.
- مهما بدا النظام متماسكاً إلا أنه يعتمد بشكل يومي على مؤسسات الدولة التي توفر لأجهزته القمعية الموارد المالية واللوجستية والإعلامية، والتي تعتمد في استمراريتها على أفراد جزء كبير منهم موالون للثورة بشكل غير معلن ولكنهم لم يجدوا الفرصة بعد أو الإطار الذي يسمح لهم بالمشاركة من موقع عملهم.
- مازالت عوائد مؤسسات الدولة من مالية وخدمات وطاقة ومياه وغيرها، وموارد المعامل الكبرى، والشركات الموالية، تصب في خزينة الدولة وجزء كبير منها يرصد لتمويل المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية التي يستخدمها النظام في قمع شعبه.
- سمحت نشاطات العصيان المدني حتى اليوم بمشاركة شريحة كبيرة ومتنوعة من الجماهير في سوريا بنسب متفاوتة من الخطورة وفقاً لقدرة الشخص وإمكاناته، هذه الشريحة شملت النساء والرجال والأطفال والمسنين من مختلف الأعمار والانتماءات.
- أفرزت الإضرابات الأولى في الثورة السورية أشكالاً رائعة من التكافل الاجتماعي من شأنها أن تمهد الطريق، في حال تم تطويرها، لبناء مجتمع مدني يعزز الاستقرار والسلم الأهلي بعد سقوط النظام.
ملاحظات هامة جداً
- الإضرابات وأساليب العصيان المدني تعتبر عملاً تراكمياً، ولا يجب أن ننتظر منها بأي حال إسقاط النظام مباشرة، فهي يسعى لزيادة الانتشار بشكل أفقي وصولاً إلى غاية تقويض دعامات للنظام وفك ارتباطه بكبار التجار الموالين، تمهيداً لإسقاطه.
- تضع هذه الإستراتيجية في اعتبارها المصاعب التي يواجهها العمال السوريون الذي يعملون باليومية، وتقترح حلاً مستداماً لهذه العقبة يمهد الطريق أمام اكتفاء ذاتي بعيداً عن مؤسسات النظام والشركات الموالية له.
- النتائج السلبية لنشاطات العصيان المدني محدودة جداً، ومن خلال هذه الخطة يمكن الحؤول دون وقوع أضرار مادية أو التعويض عنها في حال حدوثها (citation needed).
- تشير التجارب السابقة إلى دعم جميع القوى السياسية للإضرابات بغض النظر عن خلافاتها وتوجهاتها وهو ما قد يسهم في توحيد هذه الأطياف تحت شعار يقبله الجميع وهو دعم المقاومة المدنية.
- ستضع الإضرابات أعباء مركبة على أجهزة الدولة والاقتصاد والعملة السورية، لذلك سيحاول النظام في البداية قمعها بشكل مفرط، وهو ما يجب الاستعداد له مسبقاً، وهو ما سيؤكد بدوره على قوة هذه الأداة وأثرها.
أهداف عامة
- توسيع الشريحة المشاركة في الثورة ووضع إطار تنظيمي لعملها.
- ضم النخب الموالية للنظام من ممثلين وسياسيين ووزراء وسفراء وحزبيين وعسكريين، وتأمين انشقاقهم عن النظام وحمايتهم وعائلاتهم.
- وضع إستراتيجية فعالة لحماية المنشقين العسكريين والاستفادة من قدراتهم في دعم نشاطات العصيان المدني.
- الإشراف على إطلاق حملات مقاطعة واسعة للتجار والمنتجات والشركات والمؤسسات الموالية للنظام.
- تشكيل لجان وجمعيات لدعم الثورة (لجان إعلامية، ولجان حقوقية للترافع عن آلاف الناشطين القابعين في السجون، ولجان متخصصة في توثيق جرائم النظام ومتابعتها، لجان لأطباء الثورة تشرف على توزيع الكادر الطبي على المناطق بحسب الحاجة وتأمين احتياجاتهم، ولجان بحوث تشرف على البحث والتحليل والتخطيط لإستراتيجية الثورة، ولجان تدرس العقبات التي تواجه مسألة توحيد قوى المعارضة وتضع الحلول لها .. الخ).
تعليق واحد
تنبيه: إستراتيجية العصيان – لمحة تاريخية, أهداف مبدئية « مختارات من الثورة السورية