هذه الزاوية مخصصة لمقالات مشتركة بين القائمين على كبريت و المجموعات التالية :
اسمه جهاد، فنان تشكيلي بلحية كثة، يجلس في مطار امستردام بانتظار الطائرة التي تقله إلى ميلانو. يتعرف على إيطالي نصف مخمور في قاعة الانتظار، يتحدثان عن الفن والنساء وأنواع النبيذ الفاخر
يطلبان من المضيفة أن يجلسا بجوار بعضهما البعض في الطائرة غير المكتظة ليتابعا متعةالحديث التي تجعل زمن الرحلة أقصر … يملآ الطائرة ضوضاء وصخب.
تبدأ الطائرة بالتحرك.
– أنطونيو .. اسمي أنطونيو –
جهاد محمد : يرد الفنان.
يضحك طوني .. ويمازح المضيفة.. هذا جهاد ” جهادست” تبتسم المضيفة ابتسامة صفراء تدخل قمرة القيادة، بضع دقائق تتوقف الطائرة عن الإقلاع. صمت مريب، تنفتح الأبواب، كتيبة كاملة من قوات مكافحة الإرهاب، تطوق الاثنين. ينزل جهاد مغفورا بالكلابشات المطاطية، ست ساعات من التحقيق ليكتشفوا أنه إسمه العاثر وليس شيء آخر
طبعا لن يصل إلى ميلانو تلك الليلة
……..
خلال عشر سنوات بعد تفجيرات 11 أيلول حقنت كلمة جهاد بكل أنواع البؤس والدم وربطت صورة المجاهد بقطع الرقاب والتفجيرات والاقصاء ورجم النساء وكل صور الشرور الحديثة.
لم يبق إجرام ولا ابن حرام إلا وربط بالجهاد والإرهاب.استبسلت ماكينات إعلامية عملاقة غربية وعربية لتحويل كلمة جهاد من قيمة أخلاقية عليا في الثقافة الإسلامية إلى رديف الشر المطلق. فأضحى المجاهد شيطان قبيح يتقطر بالقيح. وصورت المجاهد شخص يعيش من أجل الحور العين، ولاتهمه الحياة الفانية وطريقه إلى الجنة يقوم على قتل الأعداء والكفار والخارجين عن الملة….
دخلت كلمة جهاد ومجاهدين كأسوأ كلمة يمكن ان تطلق على إنسان أو منظمة أو هيئة أو حزب أو ثورة فيتم فورا سحب أي تعاطف كوني معها ويصبح سحقها واجب إنساني.
من هذه الفكرة بالذات عملت الأنظمة الفاسدة القمعية وخاصة العربية على أخذ تفويض كوني لقمع المجاهدين أو مشاريع المجاهدين واستغلتها واسبغتها على كل خصومها وما الموافقة على استقبال السفاح علي عبدالله صالح سوى لأنه أدى دوره المرسوم له في سحق “المجاهدين”. فها هي أعتى قوى الديمقراطية في العالم تستقبل مجرم حرب لتداوي جراحه وترد إليه الدين نظير خدماته.
ويكفي أن تلصق ثورة صفة “المجاهدين” حتى تخرس كل أصوات العالم عن الإجرام. استراتجية استخدمها الهارب زين العابدين والمخلوع مبارك بشكل متأخر والمبخوش القذافي وابنه دون أن يقنعا بها أحد والفاقد للشرعية بشار الاسد منذ اليوم الأول للثورة وهو يبث ويبخ رباعية الرعب السلفية والإرهاب والقاعدة والمجاهدين دون أن يجد فعلا أحد يصدقه بشكل جدي
كلمة جهاد في الغرب لا يعادلها كلمة بالسوء سوى قاتل ومغتصب الأطفال. أحيانا يجد مغتصب الأطفال تعاطفا ما، لكن المجاهد سحبت منه بشريته وتحول إلى مستذئب ينبغي قتله لدى أمم الارض مع تفويض كوني لسلخه حيا وحرقه كما تحرق الساحرات في عهد محاكم التفتيش..
ويكفي أن تتفوه بكلمة مجاهد على متن أحد الطائرات ولو من باب المزاح لتحضر لك المضيفة، ثلاثين مدججا من فرقة مكافحة الإرهاب، وتخرج من سلم الطائرة مشيعا باللعنات.
من هنا. يفرك أي نظام بائد اليوم يديه ويهلل طربا حين يصبح طلاب الحرية في شوارع المدن والبلدات المنتفضة يتظاهرون تحت وقع هذه الكلمة ومن وحيها او يتخذوها عنوانا وشعارا سيتردد في ستين وسيلة إعلامية مصورة وأكثر من ألف وخمسمائة مطبوعة عربية وعالمية.
من يختار اليوم تسميات جهادية أو من وحي فقه الجهاد، هو بالضبط يلغّم الثورة. وبتسمية واحدة يخسر ألاف الشباب ما بنوه من جهد وتعب وحملات لتقديم الثورة بصورتها الأنبل. ثورة شعب واحد ثار لكرامته الوطنية ضد نظام مُفَتّت يدوس كل القيم الوطنية و الانسانية. ثورة تتماثل مع كل أخلاقيات الجهاد السامية لخلع نظام قاتل مجرم دون أن تتخذ منه عنوانا خاصة أن المعركة الإعلامية اليوم لا تقل أهمية عن ثورة الشارع. فالثورات تعرف من عناوينها.