تعلّمنا في مدرسة الماضي . مدرسة السلطة ، أو مدرسة المعارضة ، والفرق بينهما ليس كبيراً . فقط مدرسة السلطة بيدها مقاليد الأمور ، وتستطيع أن تبرهنَ على دقّتها بمعرفةِ الأحداث . أن تسجن ذلك المعارض لأنّه خالف نظام قطيع حزبه ، أم ذلك لأنّ فكره انحرف عن فكر أمينه العام . لذا كان السجن للأفراد في أغلب الأحيان وليس لكلّ التّيار.
المعارضة هي المعارضة . لازالت تحملُ أفكارها. تريدُ خلاص الشعب السوري بطريقتها . بل زادت المعارضات إلى أن أصبح الاشتراكيون عدة أحزاب. بعضهم موالي وبعضهم معارض ، وكذلك الأحزاب الشيوعية ، والقومية. إضافة إلى الخلاف بين الحزب الشيوعي اللبناني والسوري والعراقي ، وإلى آخر ما هناك من قربٍ أو بعدٍ عن الهدف .
لم تقمِ الثورةُ في سورية ضد الاستبداد من قبلِ السلطة فقط . بل ضد ذلك المنطق الهش الذي سقط مع سقوط أوّل طفلٍ في درعا . كما أنّ مهاترات الأحزاب كشفت ألاعيبها . عرفنا أن حافظ أسد كان يتبرع للحزب الشيوعي العراقي ” من ماله الذي ورثه عن أبيه طبعاً ”
أجمل مافي الثورة السوريّة أنّها جمعتِ الصفوف حولها . ثمّ بعثرتها في المعارضة التي لم تتّفق ولن تتفّق أبداً . فقد مارست الاستبداد زمناً وفي جميع أحزابها . كما في حزب البعث تماماً . تخوين ، وقتلٌ مدني .حيث يصبح من يتّهم بالخيانة في حكم الميت . مع أنّه ليس هناك قضايا للخيانة . كلّ القضايا مباعة في ساحة مكشوفةٍ للجميع . سواء في الأحزاب العربية أو أحزاب القوميات الأخرى .
أجمل ما في هذه الثورة أيضاً . أنّها جعلت روح الاستفزاز عالية . حيث ارتفع سقف المطالب عند الجميع . الجميع يدعو أتباعه من أجل الوحدة من أجل مطالب محقّة لقوميته ، أو طائفته ، أو منطقته وهو يعلمُ تماماً أن عمله ليس له هدف سوى تسويق شرعيته والحصول على السلطة في المكان الذي يمارس فيه دوره على الأرض، والسلطة ليست دائماً أن تحكم . بل زعامة وتبرعات ، وعزّ وأنخاب . أي أنّ الأحزاب والهيئات التي تشكلت عن الأحزاب الثقليدية . لم تتغيّر . الانتخابات الحزبية فيها تماماً مثل البعث. تكون اللعبة فيها عن طريق المؤامرات .
هل الشبابُ الثائر على الأرض هو معارضة ؟
بالطبع لا . فهو يثورُ ضدّ كلّ تلك الأشياء من أي مكانٍ أتت . لكنّه يحتاج لكلّ صوت من أجلِ الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام ، لذا يرحبّ بالجميع ، وإذا كان أغلبُ الشباب على الأرض بعمر ما دون الثلاثين أي أنّه لا زال معافى من أمراض السلطة والسياسة ، وأجمل مافي شعاراته أنه لايخجلُ من الشعاراتِ الدينية .ولا العلمانية أو القومية . يقولها على مسمع الجميع .
ومن طلبَ أن لا يكون التظاهر من الجامع لأنّه علماني. عليه أن يطلب من السلطة أن لا تزكي نار النزعة الطائفية .
يمكنُ للسلطة أن تصبح بأجمعها سنيّة إن كان هذا يبقيها على سدة رقاب الشعب . أصبح حافظ سنياً ، إن كان ذلك ينقذ بشّار لن يتردّد . لقد سرت إليه حمى الثورة ، وهم الآن في مجلس الشعب يقسمون وأيديهم على المصاحف . شلّت أيديهم !
الشبابُ على الأرض بدؤوا ينشئون تجمعاتهم ضمن الوحدة لإسقاط النظام ، والحرية الفكرية . أي أنه ستكون بينهم تيّاراتٌ دينية ، ويسارية ، وجميع التّيارات بصيغة جديدة ، لكنّها موحدة على هدف واحد ، وعلى المعارضة التقليدية فرطَ حبّات العقد ، والتوجه إلى التيارات الشبابية ليدخلوا مدارسها . أي أنّنا يمكنُ أن نسمع أن أعضاء هيئة التنسيق بعضهم انضمّ إلى هيئة الصحابة ، والآخر إلى التيار العلماني ، كما يمكن للمجلس الوطني أن ينضم بعض أعضاءه إلى صفحة حمزة الخطيب ، أو إلى الشهيد جوان قطنا ويكونون تحتَ إمرة وقيادة شباب الشارع . لو فعلوا هذا . لنجحت الثورة بأسرع مما نتوقّع . لكنهم لن يفعلوا . لأنّهم مصابون بتضخّم الأنا . ربما أقل من السلطة . لكنّهم الوجه الآخر لها.