د. خولة حسن الحديد
الشاعر محمد وليد المصري .ابن مدينة القصير و العاصي العصي استشهد إثر القصف على المدينة .. و أول ما سمعت نبأ استشهاده وردت في ذاكرتي مقولة له من إحدى حواراته التي أحتفظ بها إذا يقول : “كيف غادر الندى قبل الصباح ؟ .. من أين تأتي رداءة الغناء .. ؟ فأصرخ .. صليبي على الراحتين .. و حلمي منارة .. أنا و الحسين .. قتيلان في كل بيت و حارة .. ”
لم يكن يعرف محمد إن في بلاده كل تلك القسوة و الوحشية . لم يخطر ببالله و لا يتحمل قلبه المحب الذي كتب للأطفال و أمهات فلسطين و للآلام العراق .. لا يتحمل أن يصدق أن في بلاده كل تلك اللإنسانية … رحل محمد المصري و هو يحاول أن يدافع بكلماته عن جوهر الوجود الإنساني . رحل بيد مسوخ لا يعرفون لهذا الكلام أي معنى ..
في إحدى حواراته يقول :
أنا شاعر … ولدت في القصير حمص 1952 بدأ الشعر معي ……أمي ….أبي ….. بلدي … و صفصاف العاصي الذي امتدت أصابعه إلى غّرة الكلمات .. فعبقت الكلمة في رائحة الأرض .. مضمخة بالميجنا .. و الأوف و الشروقي … نشرت أولى قصائدي في جريدة العروبة .. أذكر عنوانها «العبور إلى جزيرة بثينة» عام 1971 و بدأت التجربة تحث خطاها….. و عن نهر العاصي يقول :
العاصي … قصيدة عتيقة تعرف أين عسكر نبوخذ نصر و تخبئ أسرار معركة قادش بين المصريين و الحثيين .. بين يديها .. لاذقية لبنان .. قادش حالياً .. و طواحين الماء .. و جسر القنطرة .. .
قيل «القصير» فقلت الشعر موردها .. و نبعة السحر طلّت من شبابيكي… غنت على نورج الداروس حنطتها أمّ الرغيف تسامي في المداميك… و وشوشي السمك البني في دعة صفو النقاوة سرّ من أساميك .. في البنجكية آيات معنقدة قالت لقادش ما أحلى روابيك .. نعم أم الرغيف و البنجكية .. طاحونتا ماء على النهر … و النهر صديق أبدي للقصيدة …
أحاول أن أدخل إلى نسيج القصيدة عبر تركيبية ذاتية بقصد بناء هياكل قصيدة تعبر جسر اليأس من بوابة التحدي رافضة تدمير العالم .. محاولة الدفاع عن جوهر الوجود الإنساني فالشعر كشف و فيض و ارتفاع إلى سماوات النغم أو رسم على ورق المجرة يفتتح قباب المرجان للأحلام و يروي ما سيأتي من حليب الغيم .. فهو قيثارة الراعي و صفصاف المساء و رجع الهزار و شهقة المبغوت .. و هو ما وراء الكلام أو ميتافيزيقا الكلام … و الأسطورة عالم مفتوح .. و عودة إلى المعطيات الأولى .. التي تؤسس القصيدة عليها .. و بلادي عالم رحب و تاريخ عميق .. و سر من أسرار الأسطورة .. و الصوفيات المفتوحة
كتبت للعراق .. و لفلسطين … و لبلادي … و الأسى وفير …أرى بغداد تنوي صلاة الغائب .. على سجادة النخل .. و الأسئلة كثيرة .. من يخدع النخل ؟ .. كيف غادر الندى قبل الصباح ؟ .. من أين تأتي رداءة الغناء .. ؟ فأصرخ .. صليبي على الراحتين .. و حلمي منارة .. أنا و الحسين .. قتيلان في كل بيت و حارة .. و أخيراً … أقول : على الجسر كان الوداع ، و بغداد في الرحلة الألف ، تنوي صلاة الدماء ، و تقرأ يونس ، و الحوت و الفاتحة … باسم «سومر» ، تجتاز محنتها الجائحة تستريح على النهر ، ما أشبه اليوم بالبارحة.
٭رحم الله الشاعر و صبّر أهله و محبيه ..
مؤلفاته:
1- سلمون- شعر- اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1986.
2- تناسخ- شعر- مكتبة الحياة- بيروت 1990.
3- عزف الدم- شعر- 1994- اتحاد الكتاب العرب.