تحكي قصص الأطفال عن ساحرة شريرة ألقت على الأميرة الجميلة تعويذة جعلتها تنام في قصر منيف بعد أن وخزت إصبعنا بمغزل..نامت تلك الأمير لسنوات طويلة.. لست أدري كم سنة.. عشرين.. ثلاثين.. أربعين؟
لست أريد أن أحكي قصة الأميرة النائمة في قصرها البعيد، فالكل يعرفها عن ظهر قلب وهي على كل حال أسخف من أن نسمعها مجدداً.. ولكني قرأت اليوم مقالاً كتبه صديق لي يتحدث عن تحول عشرين مليون من الشعب السوري إلى محللين سياسيين. شيء بين سطور المقال ذكرني بقصة الأميرة النائمة التي استيقظت بعد نوم طويل.
سمعت مرة عن وسائل التعذيب في مصر أيام الملكية. يوضع الرجل في زنزانة ضيقة لا يستطيع التحرك داخلها.. يأتي إليه طعامه وشرابه ومرحاضه.. لا يتحرك أبداً.. ويترك هناك عشرين سنة.. حتى إذا خرج، تكسرت أطرافه المتيبسة لساعته ومات في مكانه! فكرت، إن هذا هو ما أصاب عقولنا.
مرت علينا سنوات تعلمنا خلالها أن نخفض صوتنا عندما نتناول موضوعاً سياسياً.. مر فترة طويـــــــــــلة من الرعب كنا دائماً نتلفت حولنا لنرى إذا ما كانت “الأرض مسكونة” قبل أن نفتح فمنا ونتحدث عن الفساد والقمع والكبت. كنا جميعاً نسخاً من أولئك الذين بث التلفزيون السوري صورهم وهم يقولون إن الأمور كلها بخير وإنهم لا يطلبون من الله إلا أن يبقي لهم رئيسهم “فوق رأسهم”.. مر دهر احتفظنا لأنفسنا بأكثر من نصف آرائنا.. أحنينا هاماتنا.. نكسنا رؤوسنا وابتلعنا ألسنتنا
اليوم، وبعد أربعين سنة من حبس أفكارنا في زنزاناتها، لم تكن تملك تلك الأفكار المسكينة إلا أن “تتكسر” لدى إطلاقها فجأة! دفعة واحدة اقتحم الفارس الشجاع مخدع الأميرة.. نظر إليها.. بهره جمالها.. اقترب منها.. وقبلها.. قبلة الحياة! اسيقظت الجميلة النائمة على قبلة الفارس الوسيم الذي لم تكن تنتظره.. استيقظت عقولنا على صوت الهتافات بالحرية التي لم نكن ننتظرها.. بعض العقول نومها ثقيل، فراحت تتململ في سريرها الناعم رافضة الاستيقاظ من نومها الذيذ، ربما لأنها تعودت على الـ”تنبلة” الطويلة.. وربما لأن تلك الرؤوس، ولطول سباتها، بدأت تعتقد أن النوم هو الأسلم وأن العقل السليم في الجسم السليم.. النائم
بعض العقول قفزت من سريرها، استلت أفكارها واقتحمت ميدان المعركة.. وأظن هؤلاء هم من تحدث صديقي عنهم في مقاله.. هؤلاء هم الذين تحولوا بغمضة عين إلى محللين سياسيين.. وهؤلاء، بين “منحبك” و”ما منحبك”، هم من يقود اليوم المعركة الطاحنة التي تدور رحاها في ساحات الحوار
بعض العقول لم تستوعب بعد أنها حصلت على قبلة الفارس الشجاع. وهؤلاء مساكين، فلقد قضوا العمر كله ينتظرون قبلة الفارس، وعندما تم لهم ما أرادوا كل عمرهم، لم يصدقوا ما يحدث.. خافوا من الغد المجهول.. ارتجفت أوصالهم وفضلوا أن يعتقدوا أن كائنات فضائية غريبة الشكل، برتقالية اللون تآمرت بليل على الوطن واستهدفت أمنه واستقراره من بين كل بلاد العالم
تيبس الأفكار على مدى أربعين سنة ومحاصرتها بأسوار المحرمات والمحظورات، سبب مباشر لما نحس به اليوم من صراعات بين الفريقين. نحن لم نتحدث ولا مرة عن مشاكلنا بهذا الوضوح قبل الآن.. بل إن بعض الأفكار لم نجرؤ حتى على التفكير بها، بما في ذلك الكلمات التي أكتبها الآن. كل ما يجري حولنا ولا نفهمه، ناتج مباشرة أو بشكل غير مباشر عن لعنة الساحرة الشريرة لأفكارنا النائمة.. أليس هناك بعض من يحقد على طائفة بعينها لمجرد أن النظام لدينا ينتمي إليها؟ ألا يقوم كل طرف بتخوين الطرف الآخر وكأننا اعداء أزليون؟ كم صداقة دمرت تلك اللعنة؟ كم قلباً كسرت؟ كم ضحكة رسمت.. وكم دمعة ذرفت؟
لا تحكي لنا قصة الأميرة النائمة كيف استطاعت تلك الأميرة أن تستيقظ من فراشها مباشرة بعد قبلة الأمير.. ولكننا اليون نعيش هذه الحالة بكل حيثياتها.. وهذه فرصتنا لنتمطى قليلاً قبل أن نهاجم بعضنا حتى لا نتكسر جميعاً.. وهذه فرصتنا لنسمع بعضنا، فلقد أصبنا بما يكفي بالصمم.. لست أدعو إلى تغيير المواقف فلقد فات وقت التغيير، ولكن نستطيع أن نسمع ونقيم.. نوافق ونعترض.. نفكر، طالما هنالك وقت للتفكير.. فالشعب إذا أراد الحياة فلن تقف في وجهه لعنة ولا ساحرة، وإرادتان لا تقهران، إرادة الله وإرادة الشعب، ولا أناغلطان؟
أقول لصديقتي التي كسرت لعنة الساحرة قلبها ألا تحزني.. وإذا حزنتِ فلا تظلمي.. إذا فقدت أحداً فقد ربحت الشعب كله.. لا تصدقي حرفاً مما يقولون، فتلك فقط قصة خرافية ضحكوا بها علينا طويلاً.. لا تعويذة ولا ساحرة ولا أمير سخيف.. ما يجري اليوم على الأرض حقيقي وأنت ترينه بعينيكِ.. وليست هذه قصة الجميلة والوحش، فقصة الجميلة والوحش قصة حقيقية.. وسوف أعود يوماً للحديث عنها إذا وعدتني أن تكوني قوية.
.
وصلة قصيرة http://wp.me/p1zAl3-cm