تكرر في الآونة الأخيرة تداول العديد من التساؤلات والاستفتاءات حول الخيار المسلح أو الضربات العسكرية أو الحظر الجوي وغيرها من العناوين التي باتت تروج مؤخراً مما اقتضى التطرق لموضوع الخيارات المتاحة للثورة السورية التي غفل بعض من ناقشها وروج لرأيه بشأنها عن حقيقة أنه وللأسف فإن جميع الآراء المتداولة لا نملك القرار بشأنها … والقرار الحقيقي إنما يتخذ من الدول المتسلقة على الثورة والتي ساهمت وتساهم في إنهاك شعبنا السوري الثائر العظيم مادياً ومعنوياً تارةً بدعم النظام في الخفاء والتستر عليه ومماطلة إدانته واعطاءه المهلة تلو الأخرى مؤكدةً بذلك على حقيقة وصايتها عليه وتارة أخرى باختراق صفوف المعارضة الضعيفة والتي لم تمارس السياسة منذ أربعين عاماً فتساهم تلك الدول بإضعاف الضعيف وتيئيس الشعب السوري ليسلم بالحل الذي سيرسمه له الغرب بلسانٍ عربيٍ معارض.
لذلك فإن على شعبنا السوري أن يكون واعياً وأكثر حرصاً من ذي قبل على المطالبات “النوعية” التي تضمن استقلالاً أكثر عن الغرب وعدم الإنجرار وراء المطالب الشكلية مثل انشغال الشعب بمحاكمة رموز النظام واعتبار زوالهم استقلالاً .. يجب أن لا ننسى أن أسياد هذا النظام وأولياء نعمته كانو ومازالو العدو الصهيوني والدول الغربية … يجب علينا أن لا نغفل عن حقيقة الممانعة الكاذبة التي يروج لها النظام وإلا فسنكون سطحيين إن شككنا ولو للحظة أن النظام لا يأتمر بأمر إسرائيل وأن عمالته لروسيا وأمريكا في الوقت ذاته ليست إلا تقسيمات ومفاوضات تلعب فيها اسرائيل الكلمة الفصل بينهم جميعاً … وعلينا أن لا ننسى أيضاً أن استقلالنا الحقيقي لن يتم إلا بالاستقلال عن هؤلاء جميعاً.
إن معركتنا الحقيقية تدور معهم .. هم جميعهم الصامتون بل والداعمون في الخفاء للنظام المجرم والذي استبسل أمامه شعبنا الأبي طوال ثورته المباركة فأحرجهم جميعاً وأصابهم باليأس من إمكانية احتوائه وهم الآن ربما يحيكون ترتيباً لإسقاطٍ شكلي لنظامهم العميل ويراهنون على قبول الشعب المنهك بحلولهم. و أياً كانت تلك الحلول فيجب علينا ان نأكل الطعم و نخـ… على الصنارة وأن نستمر في نضالنا أياً كان ذلك الطعم .. ضربةً عسكرية.. أم خياراً مسلحاً.. أم مسرحية انشقاقٍ عسكريٍ وهميٍ لتبديل واجهات النظام .. كل ذلك وللأسف ليس لنا في اختياره دور ولكن وبالمقابل لا أقول أن علينا أن نُسلم به أو أن نرفضه فقبولنا أو رفضنا لن يغير شيئاً.. إن ما علينا التركيز عليه أن لا نتسرع بالقبول المطلق بالحل أياً كان والاحتفال الأعمى بالنصر… ليكن استقلالنا الأول درساً كافياً لنا لنتابع ونتدخل في كل شاردةٍ وواردةٍ في وطننا القديم المتجدد لأننا إن لم نتدخل بكل شاردةٍ وواردةٍ فسوف يتدخل غيرنا ويعتبر المفروض علينا من المسلمات
الشهور الستة الأولى من عمر ثورة الخامس عشر من آذار كانت بمثابة تدريبٍ عملي وإعادة تأهيلٍ للشعب السوري – في الداخل السوري – ليسترد كرامته المسلوبة وليتعلم كيف يثور في وجه الطاغية وأزلامه ويضحي بما لديه من نفس ومال وولد. أما على الصعيد السياسي فإنه لمن المبكر جداً أن يتكون لدينا نضج سياسي يؤهلنا لتشكيل المجالس والاتفاق على آليات العمل… رغم أنني لا أمتهن السياسة ولكن بتقييمي الشخصي كمتابع فإن قلة قليلةً جداً من رموز المعارضة يمكن أن نطلق عليهم “سياسيين حقيقيين” وهذا سبب جوهري لعدم أهلية المجالس الوطنية التي يسعى البعض – ويلحقه البعض الآخر مثلما يلحق الموضة – لتأسيسها سعيه ليكون اسمه على قائمة التاريخ الذي قد لا يبصر النور.
ولعل جاهزية الشعب السوري في الداخل ونضجه “الثوري” يمكنه من تشكيل مجلس قيادة الثورة يضم ممثلين من كل المدن والمناطق، من قادة العمل الميداني الذين يساهمون في تنظيم المظاهرات وتشكبل لجان الدعم والإغاثة لأهالي الشهداء والمعتقلين أو ما نسميهم بـ المتضررين من الثورة. مثل هذا المجلس إن أبصر النور – ولعل ذلك يكون قريباً – يضمن التنسيق بين مختلف المناطق ويساعد في التواصل بين الداخل والخارج لإيصال الدعم بالدرجة الكافية للشعب السوري على الأرض وهو مصدر حقيقي لتبقى جذوة الثورة السورية مشتعلة حتى تحقيق النصر أو ما أحب أن أسميه وأتداوله كمبادرةٍ مع بعض الأصدقاء من النشطاء بـ الإستقلال الثاني لسوريا انطلاقاً من ضرورة تسمية الأشياء بمسمياتها .. منذ الآن فصاعداً
والشهيد حبيب الله…
———————————–
بقلم: وائل دندشي