يوسف أبو خضور
بعد أن أنهى أحدهم كتابة شئٍ ما على صفحته الفيسبوكية، حاول أن يكتب عبارة “الثورة بخير” و لكن الجملة كانت تختفي تلقائياً في اللحظة التي يضغط فيها على حرف الراء، ظنّ أن المشكلة في جهازه و لكنه لم يجد مشكلة في إستخدام أيّ حرف أخر بدل الراء، لم يهتم كثيراً و نشر جملته من دون أن يتبعها بعبارة الثورة بخير و شعر بشئ غريب.. و مضى.
و في بلد أخر كتب أحدهم عبارة على صفحته و أرجع كرسيه قليلاً كما إعتاد بعد كتابة جمله الذكية كي يتابع سيل الفقاعات من أسفل الشاشة و من أعلاها من “مثيل علق فلان على حالتك و أعجب فلان بحالتك و شارك فلان حالتك على صفحته”، كانت متعة لا مثيل لها لم يكن مستعد لتبديلها بأيّ متعة أخرى، و قد باتت تأخذ من وقته و من نومه الكثير، كانت هذه الفقاعات الخلابة أوكسجينه اليومي، كان يواجه الحياة بسر هذه الفقاعات، لذلك عندما مضت خمس دقائق و لم تظهر أي فقاعة كان قد استولى عليه رعب كبير و أخذت ركبه تقصف بعد أن تأكد من أن لا خطأ هناك و أن الأمور كما هي في كل يوم، كاد الدم أن ينفر من وجهه و أحس بعقله على وشك الإنفجار، ما الذي يحدث؟
هل هناك خطأ ما في العبارة؟
هو يعلم أنّ العلّة ليست هنا لأنه يضمن الكثير من الإعجابات قبل القراءة حتى، أحسّ بأن هناك حدثٌ جلل، و كأن الزمن غير الزمن، و كأن صفحته عادت لسيرتها الأولى، باتت تشبه سوقاً فارغاً مهجوراً، أو قلعة قديمة لا يقصدها السيّاح..
في ذلك الصباح تم تسجيل آلاف الحوادث من هذا النوع، تغيب الكثيرون عن أعمالهم، و فرغت المقاهي من زبائنها السوريين، و تم طرد المئات منهم من نزلاء الفنادق و الشقق المفروشة في بلادٍ كثيرة، حتى أن أحدهم استيقظ فجأة على أثر فكرة خطرت له تصلح لرثاء شهيدٍ ما، و عندما فتح جهازه ليبحث عن اسم أول شهيد يصادفه كي يُضمّنه الرثاء و يضع صورته لزيادة التأثير، لم يجد شيئاً، لم يستطع قراءة شئ، كانت الكلمات كلها بلا معنى، خليط غير متناسق من الأحرف، و صور بلا ملامح، خلطة عجيبة من الألوان، تشبه لوحات الفن الفاشل و الشائع..
من الواضح أن شيئاً ما حدث، أنّ الزمن قد تغير، و أنّ تلك القيمة التي حصل عليها السوريون قد تلاشت، و قد سرت حالة من الضياع و التخبط و اللافهم بين الناس، ملايين الإتصالات جرت في تلك الساعة لفهم ما يجري، لكن الأمور لم تتوضح إلا عندما أعلنت إحدى القنوات الإعلامية أنها بصدد عرض فيديو خطير يخص الثورة السورية، و تظهر فيه إحدى الجماعات التي لم تعرف عن نفسها تعلن أنها قد اختطفت الثورة السورية و لن تعيدها لأهلها حتى يتم تنفيذ جميع مطالبها..
لا شك أن الخبر كان كالصاعقة على رأس كل من سمعه، و انتشر الفيديو المسجل كالنار في الهشيم و قطعت جميع القنوات برامجها المعتادة لتعرضه، و تتناوله بالبحث و التدقيق و التحليل، و لكن لم تمر ساعة حتى تلقت القنوات الفضائية و مواقع الانترنت عشرات الفيديوهات الشبيهة و لكن هذه المرة كان لكل جماعة اسمها و إنتماءها و مطالبها المختلفة، و بقي الفيديو الأول الطاهر و الأصدق و لقي جماعة من المؤيدين له الذين تبنوه فوراً و أخذوا يدافعون عن مصداقيته بشراسة، كان يوماً صعباً على الجميع بلا شك، عُقدت فيه المؤتمرات الصحفية و توالت التصريحات من مختلف الدول و على جميع المستويات، دعوات لضبط النفس و التريث و الحوار مع الخاطفين أُطلقت فوراً، مقابل دعوات للتصعيد و مهاجمة الخاطفين و استرداد الثورة منهم مهما كان الثمن، أعلن النظام عبر مؤيديه و صفحاتهم النصر و بأنها”خلصت” و ظهر إعلاميوه على القنوات بوجوه حمراء متوردة من الفرح و الشماتة بأعدائهم، و أُعلن عن تشكيل جوقة من الشباب و الشابات الجميلات لتصحيح مسار الأحداث و كان أمامهم بعض الكبار يشيرون لهم بعصا تشبه عصا المايسترو في الفرق الموسيقية، و كانوا يوجهون الجوقة و الإبتسامة تملأ وجوههم، و كان الشباب و الشابات يبكون بحرقة على الثورة المخطوفة و يذّكرون الجميع بأنهم حذروا من هذا المصير منذ اليوم الأول، و صاروا يستشهدون بمقولات الأساتذة الكبار و مقولاتهم السابقة، لكن هذه الأقوال سرت على لسان الجميع بعد دقائق فالجميع قد حذر من هذا المصير، الإسلاميون قالوا إنهم يوجهون الإتهام لدعاة العلمانية لأنهم شعروا بأن الثورة ستنتصر بجهود الشباب المسلم السنّي و بأن دولة الإسلام كانت على وشك رؤية النور، و ساق العلمانيون نفس الكلام عن الإسلاميين دون تغيير حرف منه، و قالت تركيا إنها لن تسمح بهذا الإنتهاك الخطير و بحثت قطر عن الخاطفين للتوسط لديهم و قالت أمريكا إن أيام خاطفي الثورة السورية باتت معدودة، و طالبت مع أوروبا بحماية الأقليات و زودت المعارضة التي عاود نجمها للسطوع بأجهزة الإتصال لتسريع عملية إسترداد الثورة السورية، و عاود نجوم الفيسبوك لكتابة الحِكم و استخلاص العبر و زال الرعب عن معظمهم، و عادت الفقاعات لتزيين الصفحات و اطمأن الجمهور المتابع أنه مهما طال زمن الخطف لا بد أنّ هناك من يعمل بجد لإسترجاع الثورة و كشف حقيقة الخاطفين، و عادت الأمور لمجاريها و أُضيفت كلمة المخطوفة بعد الثورة السورية، و أصبح التعامل مع الثورة السورية المخطوفة أكثر تعقيداً، و لكن المعارضة أبدت موقفاً أسطورياً في هذا الأمرو تصدت لكل من يحاول حذف كلمة المخطوفة في أيّ سياق كان، حتى لو على قصاصة ورق، و انسحب الأكراد من جميع المؤتمرات و تصدى اللاطائفيون بإصرار لكل من يحاول إضفاء طابع طائفي على عملية الخطف ودافعوا عن الخاطفين الذين لم يعلنوا عن طائفتهم و كانت مطالبهم محقة، و ظهر أذكياء جدد يناسبون هذه المرحلة و حللوا و ناقشوا و استنبطوا و ضاقت عليهم صفحاتهم فهجروها لصفحات أكبر و أوسع، و زاد تمجيد الضحالة و عبادتها، و استمرت ثقافة القطيع و الراعي المخادع بالإنتشار، و إستمر “السائرون نياماً” بالحياة، و استمر التحالف بين الشهرة و الكذب و الجهل..
وحدها الثورة السورية و كعادتها تحالفت مع خاطفيها و بدأت مرحلة جديدة..
3 تعليقات
تنبيه: أخبار العرب الآن - مدونات: حقيقة علاقة البرادعي بتهاني
تنبيه: Daily BrainStorm News|برين ستورم | مدونات: علاقة البرادعي بتهاني والثورة المخطوفة
تنبيه: طرح الآفكار | مدونات: علاقة البرادعي بتهاني والثورة المخطوفة