A Alh
—————–
في نهاية هذه السلسلة من المقالات التي كرسناها لأهم موضوع سيواجه الدولة السورية القادمة، والتي بدأت ملامحها بالتشكل، كما بدأت بناها الأساسية بالتمايز، حيث البناء السياسي الانتقالي يستند إلى المجلس الوطني، في حين أن التركيبة العسكرية القادمة ستنمو من قبل عناصر الجيش الحر.
يمكننا الحديث الآن عن أحقية و مشروعية البديل الذي هو الجيش الحر للتركيبة العسكرية الحالية:
– إن وطنية عناصر الجيش الحر لا يمكن الشك أو المزايدة عليها مكن قبل أي طرفٍ كان، فقد أردفوا نحورهم للموت، و ذلك عندما تحركت انتماءاتهم الوطنية الصادقة، إنهم بانشقاقهم عن الجيش الحالي يعلمون أنه قد صدرت بحقهم أحكام بالإعدام، ولكنهم ارتضوا الموت في سبيل الدفاع عن الحق و الحقيقة.
– إن ما ذكرناه في المقالات السابقة عن الضرر الحاصل، من بقاء التركيبة الحالية للجيش السوري هو شئ لا يقبل النزاع أو الجدال بشأنه .
– إن القضاء على التركيبة الحالية للجيش السوري، هي المعادل و المكافئ الموضوعي لتعبير إسقاط النظام، فلا يمكن إسقاط النظام دون التخلص من هذه الفئات الفاسدة المفسدة و التي نشرت الخراب في طول البلاد و عرضها.
– إن الجيش الحر و عبر وجوده الفعلي على الأرض، هو الذي يكرس زوال سيطرة الجيش الحالي على الرقعة السورية، و مع امتداد سيطرته الفعلية فانه يضمن الحرية والسلم في المناطق التي تخضع لسيطرته، حيث يجد كل الدعم من قبل الأهالي في حين يتخذ الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الموقف المعادي، كما لو أنه جيش للاحتلال وهذا الموقف هو ما يمكن تسميته بالحس الشعبي الصافي السليم.
– إن من منن الله على الثورة السورية، هو في إطالة أمدها حيث أن هذا الوقت الطويل هو الذي شكل العدسة التي ركزت على البناء الحقيقي لدولة الطغيان، فحصلت الخلخلة البطيئة في البنية العسكرية ، مما سمح بمعرفة معادن الرجال الحقيقية، وأدى لنشوء الجيش الحر ثم توسعه و اشتداد عوده، و تحوله إلى جهة فاعلة حقيقية ضامنة لحرية و حياة السوريين، كما سمح للأفراد العسكريين الذين يرغبون بالتخلص من نير القوات الأسدية بعرفة المكان الطبيعي لممارسة دورهم كحماة للوطن.
– إن ازدياد عدد أفراد الجيش الحر، ومواجهتهم المتكررة لكتائب الأسد رغم سلاحهم القليل يشكل النواة الصلبة للجيش القادم، حيث عاش أفراد هذا الجيش مع الشعب، فصاروا كتلة واحدة يحمي كليهما الآخر، مما يجعل مقولة أن الجيش القادم هو الذي سيقوم بحماية الشعب مقولة حقيقية نعيشها اليوم على الأرض.
– إن الهدف الحقيقي الذي تشكل الجيش الحر بسببه هو الدفاع عن المواطنين، سيتحول إلى العقيدة القتالية لدى الجيش السوري المستقبلي، عوضاً عن العقيدة الحالية للجيش القائم اليوم و المتمثلة بتدمير الشعب السوري حفاظاً على منافع و مصالح أعداد قليلة للغاية.
– إن الجيش السوري الحالي بتركيبته الحالية، يعتبر المدافع الرئيسي عن الحدود الشمالية لإسرائيل، في حين أن الجيش الحر كبنية قادمة للجيش المستقبلي، سيعتبر الخصم الكبير لإسرائيل، و من هنا نفهم لماذا هذا الإحجام التام عن أي مساندة أو دعم لهذا الجيش، انه التعبير عن التخوف الدولي عن قيام قوة عسكرية قد تشكل تهديداً لأمن إسرائيل، ومن هذا المنطلق يصبح لزاماً الحديث عن أن الوقوف الحقيقي في وجه إسرائيل هو عبر الدعم لهذا الجيش.
– إن غياب أي جهة دولية داعمة أو ممولة للجيش الحر، يكسبه الصدق الكامل أمام شعبه، انه من الشعب و بالشعب و إلى الشعب ، حيث لا منة لأحد على هذا الجيش فلا داعم له إلا الأهالي، ولا إمداد بالسلاح إلا من الجيش القائم نفسه عبر العناصر الشريفة فيه، انه يملك قراره بنفسه فلا تأثير لأي جهةٍ خارجية على حرية قراره التي لا يحكمها إلا الموقف الوطني السليم.
– إن موقف المجلس الوطني السوري السابق من الجيش الحر يمكن تفهمه، فالخلفية التاريخية للتدخل العسكري في الشأن السياسي السوري على مدى التاريخ الحديث يشكل أسوأ البراهين على سوء حكم العسكر، عبر تحويل المسيرة السياسية السورية من نظام ديمقراطي تعددي إلى حكم شمولي توليتاري، ولكن الخلفيات التي رافقت نشوء الجيش الحر و طبيعة الظروف القائمة اليوم هي الضامن لأي نظام ديمقراطي مستقبلاً .
– إن استمرار التعامل المتعالي الحالي للمجلس الوطني مع الجيش الحر، يشكل ضربة للدعم الشعبي الذي يحظى به المجلس الوطني نفسه، إن انزياح التأييد الشعبي نحو الجيش الحر بسبب الإدراك الفعلي للشعب السوري أن من يشاركه معاناته على الأرض هم أفراد الجيش الحر، قد يشكل تهديداً متنامياً لشرعية المجلس الوطني، فيتوجب على المجلس الوطني التبني الكامل للجيش الحر و بمواقف لا تحتمل الشك و التأويل، و عوضاً عن إنشاء مكتب ارتباط، يجب ضم أعضاء المجلس العسكري إلى المجلس الوطني، كما يجب ضم رئيس المجلس العسكري إلى القيادة التنفيذية، في المجلس الوطني، و هذه القرارات لا تحتمل التأجيل و النقاش، لقد أصبحت مطلباً ملحاً للجماهير على الأرض، و إن التخلص من المواقف الأنانية و الطموحات الشخصية التي قد ترى في قادة الجيش الحر تهديداً لمستقبل قد يحلم به بعض أفراد المجلس الوطني، هو ضربة في الصميم للإيثار الثوري الذي عاشه و يعيشه الشعب و الجيش الحر و قد يؤثر على مصداقية المجلس الوطني.
إن الشرح الوافي و الطويل الذي عرضناه سابقاً، يوصل في الحقيقة للتفاؤل، فالتحديات الكبيرة تخلق الانتصارات الكبيرة، كما أن طول الزمن لا يدعو للتشاؤم بقدر ما يدعونا اليوم لنرى الجوانب الايجابية من خلق الجيل السوري القادم المستعد لتقديم كل ما يلزم لتحقيق حريته اليوم، وهو الضامن للحفاظ عليها مستقبلاً.
في الختام نرجو أن تكون هذه المقاربة معبرة عن جزء مما قد يشكل إضافة لأفكار الثورة، وعسى أن تلقى القبول و النقد الذي يغني الفكرة، والله من وراء القصد.
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
تمت