لماذا يدين المجتمع الدولي قتل السوريين ولا يدين قتل الفلسطينيين؟ سؤال يطرحه أنصار نظرية المؤامرة والممانعة، وهي نظرية متشعبة متمحورة مفادها أن مؤامرةً عالميةً تحاك ضد القلعة الأخيرة للصمود والتصدي في وجه الاستعمار الغربي للمنطقة. لا تحدد هذه النظرية موقفها من مصر اليوم؛ فهم يصرحون أن النظام المصري البائد كان حليفاً للغرب على القضية، ويقولون أن الشعب المصري ثار ضد السياسة الخارجية للنظام -فقط لا غير- لكنهم في الوقت ذاته يرون أن تلك الثورة لم تجلب إلا الخراب لمصر التي كانت قبل تلك “الحادثة” أم الدنيا والانبطاح في الوقت نفسه.
ما يدفعني لكتابة ما تقرأ/ين هو ما نراه على التلفزيون السوري من تنديد واستنكار وردح ولطم على مقتل مجموعة من الشباب الفلسطينيين على حدود الجولان المحتل بأيدي “الغدر” الصهيوني. هذه الكلمة لفتت نظري بسبب كلام شاهدي عيان عما جرى في حماة وعلى حدود الجولان المحتل. شاب من حماة ممن عملوا على إسعاف المصابين في مجزرة الجمعة الفائتة قال والأسى باد على صوته أن عشرات الألوف من المتظاهرين في حماة تعرضوا لزخ من الرصاص (وقد بينت الفيدهات المنشورة لاحقاً صدق روايته) دون أي سابق إنذار من قبل قوات الأمن السورية وفي شوارع حماة ما تسبب بمقتل ما يزيد عن 70 متظاهراً سورياً أعزل وجرح المئات، في حين أن شاباً فلسطينياً صرح للتلفزيون السوري، الذي كان غائباً عن المجزرتين، أن قوات حرس الحدود الإسرائيلية أنذرت المتقدمين إلى الحدود بالرصاص الخلبي ثم بالقنابل الصوتية ثم بقنابل الغاز المسيل للدموع ثم بالرصاص الحي، ما تسبب بمقتل 23 شاباً فلسطينياً أعزل وجرح العشرات.
ومع أن التلفزيون السوري كان على علم بمخطط “إرسال” الشبان الفلسطينيين إلى الحدود إلا أنه لم يفلح بالتقاط أي صورة ذات أهمية لما جرى على الحدود، فما هو سبب هذا الفشل لهذا الإعلام الرديف للنظام؟ مع أنه احتكر الساحة في سوريا بطرد جميع الصحفيين الأجانب من سوريا أو اعتقالهم، ومنع المراسلين المحليين للمحطات المستقلة من العمل على الأراضي السورية. هل السبب وراء هذا التقصير أو التقاعس الإعلامي هو انشغال مراسلي التلفزيون السوري الرسمي بتغطية ما يجري على أرض الوطن فتركوا الحدود أسوة بالجيش السوري؟ أم أنهم مشغولون بالعمل في غرف الأدلجة الوطنية بالرد على ما تبثه المحطات المندرجة في زمرة “التحريضية” وفقاً لدليل نظرية المؤامرة؟ أم أنه ببساطة الفشل الذي اعتدناه من أي مؤسسة حكومية بعيداً عن أي نظرية أو تحليل؟
وأبعد من ذلك؛ لماذا أرسل النظام السوري شباناً فلسطينيين ليُقتلوا على أيدي قوات “الغدر” الصهيونية؟ هل بات الدم الفلسطيني رخيصاً لدرجة أن النظام السوري قدمه اليوم كما من عدة أسابيع مادةً للاستهلاك الإعلامي الرخيص؟ يريدون أن يقولوا على شاشات التلفزة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تفعل مثلما يفعل النظام السوري، فلم هذه الحملة على دولة الممانعة ولم الكيل بمكيالين والتعامي عن جريمة الاحتلال؟ المجتمع الدولي يندد ويدين قتل المدنيين على أيدي القوات السورية ولا يفعل المثل إذا تم القتل على أيدي القوات الإسرائيلية. تساؤل قد يبدو مشروعاً لبيان أن المجتمع الدولي لا يتحرك وفقاً للضحية ولكن وفقاً للجلاد. وقد أثبت النظام السوري ذلك وبالدليل المفحم، فقد قُتل هؤلاء البشر على أيدٍ سورية وإسرائيلية وإن كان القتل في الحالتين على الأراضي السورية. هذا ما يعلنه التلفزيون السوري: لقد ارتكبنا جرائم بحق الشعب السوري لا يرتكبها عادة إلا قوات احتلال عنصري، ناهيك عن الذين قتلهم فلسطينيو النظام السوري من الفلسطينيي المحتجين يوم تشييع الشهداء في مخيم اليرموك.
بالرغم من استنكاري لمخطط توجه الشبان الفلسطينيين إلى حدود الجولان أول مرة ومعرفتي أنه خطة من النظام السوري لتشتيت الإعلام عما يجري على أرض سوريا النازفة، إلا أنني تأثرت عندما رأيتهم تخطوا الحدود وقطعوا الخطوة الأولى مسيرة العودة، لكن أن يعودوا ليواجهوا الرصاص مرة أخرى، خاصةً بعد الاستنفار الأمني الإسرائيلي على الحدود، فقد كان ذلك تصرفاً خطأً يلام عليه مرتكبوه وتلام عليه الضحية، وللأسف فقد تكشف أنهم كانوا من الشباب في المرحلة الثانوية الذي اندفعوا بحماسة لما رأوه في المسيرة الأولى، وأن من دفعهم إلى المسير لم يكن بينهم هذه المرة. فتسبب هذا بردِّ الفعل العنيف الذي شهدناه في مخيم اليرموك وشارع الثلاثين ضد من اشتهر بين الفلسطينيين بعمالته للنظام السوري وتلطخ يديه بدماء الفلسطينيين، وللأسف فقد كانت إسرائيل محقة هذه المرة بتوجيه اللوم على ما جرى إلى الحكومة السورية التي دبرتهذه المذبحة.
يتوجه الكثيرون في انتقاد الإدانات الدولية إلى قول أن أمريكا وإسرائيل سبق وارتكبوا المجازر بحق الفلسطينيين فلا يحق لهما اليوم التدخل في إدانة سفك دماء السوريين، وأن ماضيهما الدموي لا يؤهلهما للدفاع عن حقوق الإنسان في أي مكان. ألم يسمع هؤلاء بالمجازر التي ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه ضد الفلسطينيين في لبنان؟ ألا يجرد ذلك النظام السوري من أي حق في امتطاء القضية الفلسطينية، أو المجزرة التي ارتكبها بقوات حزب الله عند دخوله لبنان إبان الحرب الأهلية ألا تجرده من الحق في دعم المقاومة؟
لقد انقلبت المفاهيم اليوم لحد غير معقول، فكما أصبح النظام السوري يرسل الجيش للحرب داخل المدن ويرسل المدنيين العزل ليذبحوا على الجبهة، وترى نبٍّيحة النظام في الإعلام ينكرون على الغرب تنديده بجرائم النظام السوري لأنه لا يندد بجرائم الاحتلال الإسرائيلي متناسين أن الله غفر لعاهرة من بني إسرائيل في كلب أطعمته، وهم يتهمون الغرب بعدم المصداقية متناسين قول المسيح من لم يكن منكم ذا خطيئة فليرمها بحجر. أنهم ببساطة يقولون: دعوا نظام الأسد يذبح السوريين لأن جحا أولى بلحم ثوره، ويستنكرون على الضحايا صرخات الاستغاثة لأنها استقواء بالخارج.
.