ناديـــا حنّـــا
هما طفلان لم يولدا يوماً… ولم يكبرا… عرفهما كل السوريون ولعبوا معهما… عشقتهما فتاةُ من الساحل، وصبي من المدينة… غنى معهما طفل من الجبل وآخر من السهل… وصادقتهما بنت من القرية… لم يعرف أحد من أين أتيا… فلا أحد يكترث… هما سوريان… وهذا يكفي..
هما طفلان من ورق… توقف بهما الزمن… فلم يدخل باسم اتحاد شبيبة الثورة… ولم تكن رباب جزءاً من اتحاد الطلبة… لم يقم باسم بالتدريب الجامعي وخدمة العلم… ولم تقف رباب على طوابير التوظيف بحثاً عن فرصة عمل….
ومنذ أشهر قليلة فائتة… دخلا المنزل وهما يرددان ما حفظاه اليوم… “بابا بابا يومك طابا”… لكن بابا لم يجب… بل استقبلتهما دمعة حزينة على وجه أم… “اليوم اتوا… أخذوه.. بابا يحبكم”… نظر باسم لرباب التي غمرت رأسها بين يديها… “بابا يعمل حتى نكبر.. نبني نحن الوطن الأكبر”… نظرت إليه رباب… “هل سنكبر يوماً؟.. هل سنبني الوطن الأكبر؟.. هل سيرجع بابا؟؟
وفي الشهر الماضي، كان الجيران يقفون على شرفاتهم… يشاهدون أم باسم ورباب وهي تسحب من منزلها…. رأتهما فابتسمت لتنسيهما وقع الخوف… صرخت رباب.. “بسمة ماما سر وجودي”… فرماها الغرباء على الأرض… ليهرع باسم نحوها… ولم يعرفوه… صار يبكي ويصرخ.. وأمه تبتعد…لم يتذكروه… “أنا عصفور ملء الداري… قبلة ماما ضوء نهاري… أهوى ماما.. أفدي ماما”… وبقي يبكي مع رباب عند باب البيت… لم يسمعهما أحد… لم يعرفهما أحد سوى ذلك النجار العجوز القاطن في آخر الحي… منصور الذي كان يصنع بيوت العصافير قبل ان يمتهن صناعة التوابيت…
لم يخبرهما أحد لم كان عليهما أن يرددا “وحدة حرية اشتراكية” كل صباح…في الوقت الذي اختطفوا فيه والدهما حين قال “حرية”… لم يخبرهما أحد أن الأصوات التي تصيح في الاصطفاف الصباحي عليها أن تخبو في طريق العودة للمدرسة… منذ أسابيع فقط كانت تعلمهما معلمة الصف “ألف باء تاء ثاء… هيا نقرأ يا هيفاء”… لتعلوا أصوات الأطفال وهم يقولون “ألف أبني… باء بلدي… بيدي بيدي أبني بلدي” وتتسابق الأصوات لتصرخ “ثاء ثورة تحيا الثورة.. أعرف دربي درب الثورة”….
في ذلك اليوم تحديداً ضاع باسم ورباب…بعدما كتبا آخر أغنياتهما على جدار المدرسة…” أرسم ماما.. أرسم بابا بالألوان… أرسم علمي فوق القمم.. أنا فنان… أنا صياد اللون الساحر… أرض بلادي كنز مناظر… دعني أرسم لون النجم… دعني أرسم لون الكرم… أكتب شعراً بالألوان.. أحيا حراً أحيا أحراً..أنا فنان”…
ومنذ ذلك اليوم… لم يعد هناك باسم ورباب.. يومها قفز الأرنب…خاف الأرنب…ولم يجد طفلاً في القرية يلعب….
الحرية لباسم ورباب… لكل أطفالنا… لكل أحلامنا… الحرية لمستقبلنا… لمئة باسم استشهدوا… ولعشراتٍ من رباب… عاشت سوريا حرة
4 تعليقات
بالرغم من أني صرت حس مؤخراً أنو باسم و رباب هنن سبب طفولتنا المعذبة بهالبلد بس و الله سامحتون بعد هالقصة الحلوة …عن جد كتير ممتازة
من أروع ما قرأت مؤخراً
راااااااائعة
رووووووعة ..حسبنا الله ونعم الوكيل على هالحالة