ترجمة مقال الخيارات المتاحة للجنود السوريين المنشقين
بقلم جين شارب
تاريخ 1 ديسمبر 2011
الانتفاضات الجماهيرية التي تحدث ضد الحكومات القمعية تضع جنود النظام في وضع صعب للغاية. فعندما يؤمر الجنود بقمع الجماهير الثائرة، فإنهم يستطيعون إطاعة هذه الأوامر والقيام بأعمال عسكرية قمعية ضد المتظاهرين السلميين ما يؤدي إلى إصابة وقتل الكثيرين، كما حدث ويحدث في سوريا منذ أشهر. عندها يصبح هؤلاء الجنود أدوات للقمع ويخونون إخوانهم في الوطن الساعين لتحقيق الحرية.
لكن العديد من الجنود السوريين ممن يمتلكون حساً عميقاً بالشرف العسكري، ومحبة كبيرة لبلادهم، أو بسبب تأثير الدين عليهم، أصبحوا يقررون اليوم أنهم لم يعودوا قادرين على القيام بذلك. لا شك أن عصيان الجندي يتطلب شجاعة كبيرة، فقد كان الإعدام مصير الكثير من الجنود السوريين المنشقين. ومع ذلك، مازال الكثيرون يرفضون قتل إخوانهم الثوار المسالمين الذين ينشدون الحرية فقط.
وفي بعض الأحيان، ينجح بعض الجنود الشجعان بالانشقاق وتجنب الإعدام. لكن ما الذي يجب عليهم القيام به لخدمة غاية الحرية المنشودة؟
قام بعض الجنود المنشقين بتحويل أسلحتهم ضد زملائهم الجنود السابقين، معتبرين أن هذا العمل هو أفضل ما يمكنهم القيام به لمواجهة النظام القمعي. ولكن، قد يكون هذا التصرف خاطئاً.
فعندما يختار المنشقون استخدام قدراتهم العسكرية المحدودة بهذه الطريقة، فإن النظام القمعي لن يتردد في توظيف ما تبقى من قواه العسكرية الضخمة لقمع المنشقين. وسرعان ما سيكتشف المنشقون أن قدراتهم العسكرية محدودة وأنها لا تضاهي القدرة العسكرية الكبيرة التي يمتلكها النظام القمعي.
تماماً كما حدث في ليبيا، عندها يتوقع أن يتم طلب تدخل عسكري خارجي لمساعدة المنشقين.
والمساعدات العسكرية الأجنبية قد تأتي وقد لا تأتي. فإن هي أتت، يصبح التحكم بمصير النزاع بيد قوى أجنبية. والقوى الأجنبية تخدم المصالح الأجنبية فقط، وقد يستمر الصراع العسكري مع ذلك لبعض الوقت. مما سيوقع خسائر جسيمة بين المدنيين وتدمير واسع النطاق للبنى التحتية، كما حدث في ليبيا.
وعلى فرض تم تحقيق انتصار عسكري ضد النظام، فإن القوى التي مارست التدخل الأجنبي تكون في وضع يمكنها من ممارسة سيطرة كبيرة على البلاد. وهذا ما ينبغي تجنبه.
وحيث أن مثل هذا التحول إلى النزاع العسكري لم يحدث بعد، والنظام القمعي يقابل بحركة نضال لاعنفية قوية، فإن هذا النظام يواجه سقوطاً محتملا. وهو يعتمد في بقائه على استمرار ولاء جنوده للقيام بعمليات القمع، وهو ما يخاطر بالكثير بغية تحقيقه.
وعلى الرغم من أن طاعة الجنود نادرا ما تكون مسألة هامة في الصراع العسكري البحت (الجنود في ساحة الحرب يطيعون عادة أوامر إطلاق النار)، إلا إن النضال اللاعنفي، كما في سوريا، هو أمر مختلف. فقد أمرت قوات النظام منذ شهور بقتل المتظاهرين السلميين حصراً. وقد رفض عدد كبير من الجنود بالفعل القيام بذلك، وتم تنفيذ عقوبة الإعدام بالبعض.
لكن ولاء العديد من جنود الأسد المتبقيين ليس مضموناً.
إن ما يحدث في سوريا يشبه ما حدث في ليبيا قبل قيام التدخل العسكري الأجنبي بتغيير مسار ما كان من الممكن أن يكون بداية حركة نضال لاعنفية قوية.
نحن لا نعرف حقيقة ما حدث في ليبيا، ولكن لدينا بعض الأفكار. فمع وصول النظام إلى وضع حرج تزداد خشيته من احتمالية تمرد القوات وعدم استجابتها لأوامر مواصلة قتل المتظاهرين السلميين مع مرور الوقت. كيف يستطيع النظام منع ذلك؟ وربما كان تفكير بعض المسؤولين المهمين في النظام الليبي على النحو التالي:
إذا ظلت احتجاجات الناس سلمية، كما حدث في تونس ومصر، فسوف يصبح من الصعب الاعتماد على قوات النظام بأعداد كبيرة لقمعهم. الجيش هو آخر وأهم مصدر من مصادر القوة المتبقية لهذا النظام الهش، وربما هذا ما جعلهم يخشون انهيار النظام الليبي. ومن المعروف أن القذافي وابنه سيف الاسلام توقعا حدوث حرب أهلية. وبعد بضعة أيام أصبح ذلك ممكنا. كيف حدث هذا؟ ربما هم من أراد حدوث ذلك.
فمن المحتمل، أن الخوف من انشقاقات جماعية لقوات النظام أدى به إلى المخاطرة. ولثقته التامة أنه يستطيع هزيمة التمرد العسكري، حاول النظام خلق الحرب الاهلية التي يحتاجها لضمان ولاء الجيش.
ولكن، كيف فعل هذا؟
إحدى الوسائل هي ربما إعطاء الثوار خياراً لا يمكن لبعضهم رفضه. ماذا لو كان الى جانبهم فرقة عسكرية كاملة مع عتادها؟ عندها سيتحلل خيار النضال السلمي الذي تم تبنيه في البداية لصالح “الواقعية المفروضة”. ويمكن لكل هذا أن يحدث بمساعدة ضابط برتبة عالية وافق أن يصبح عميلاً عالي المستوى.
هذا الضابط انشق بالفعل مع بعض الجنود والاسلحة، وسرعات ما تحولت حركة المقاومة إلى صراع عسكري. وقتل في وقت لاحق هذا الضابط في أحد معسكرات الثوار. والشيء الوحيد الذي منع الجيش الليبي النظامي من هزيمة القوة العسكرية للثوار هو التدخل العسكري الأجنبي الغير متوقع.
وفي سوريا، الجنود الذين يخدمون الآن في نظام الأسد هم المصدر الرئيسي للقوة المتبقية للنظام. ولهذا فإن انتصار الثورة يعتمد أساسا على تحييد هؤلاء الجنود كوسائل يمكن الاعتماد عليها لممارسة القمع.
مرة أخرى، إذا اطلق النار على الجنود فهم دائما سيردون بإطلاق النار. ولهذا فإن الجنود السوريين المنشقين الذين يستخدمون أسلحتهم لقتل جنود النظام لا يضعفون النظام. ومما يزيد من مأساوية الأمر أنهم في الواقع ومن دون قصد يساعدون نظام الأسد على الإبقاء على ولاء جيشه لضمان القمع. ويمكن عندها لجيش النظام الموثوق أن يقمع الجنود المنشقين الأضعف منه مما سيبقي نظام الأسد لفترة أطول.
إن دعوة الجنود المنشقين إلى عدم قتل جنود الأسد ليست نصيحة أخلاقية بقدر ما هي استراتيجية متجذرة عميقاً في التجارب التاريخية السابقة.
لقد حدثت حالة مماثلة في الثورة الروسية الأولى. ففي أواخر عام 1905، عندما كانت روسيا كلها في قبضة إضرابات عامة واسعة النطاق ضد الاستبداد القيصري. وكان بعض من قوات القيصر قد انشق بالفعل وقوات الجيش الموالية للقيصر كانت على وشك عصيان أوامر اخماد الثورة بالقمع الشديد.
لكن ولتعليم الثوار ضرورة استخدام العنف، حرض اللينينيون الثوار في موسكو على التحول من الاضراب العام اللاعنفي إلى القيام بهجمات عنيفة على قوات جيش القيصر. عندها بدأت قوات القصير الكبيرة بإطاعة أوامر اطلاق النار وبذلك أصبحت القوات مرة أخرى موثوق بها للقيام بعملية القمع.
واستعاد نظام القيصر القوة مجدداً، بعد أن كان قد تفكك بفعل العصيان المدني واسع النطاق، ونجا لمدة اثني عشر عاما، حتى تم تدميره بفعل ثورة لاعنفية في فبراير عام 1917. (لمزيد من التفاصيل ، راجع Waging Nonviolent Struggle, ، ص. 82-88 والمراجع.)
إن لدى الجنود السوريين المنشقين الآن الخيار. فبدلا من اطلاق النار على قوات النظام، كما فعل البعض، يجب أن يكونوا مخلصين للنضال السلمي من أجل الحرية. كما يمكنهم أن يساعدوا جنود النظام الآخرين على الانشقاق أيضا من نظام الأسد.
وبالتالي، يستطيعون سحب دعامة جيش القمع من نظام الأسد. وهذه العملية يمكنها أن تنهي القمع والنظام معاً