باولو الشامي
———————-
الاحتياطي، أو احتياطي العملة الصعبة، الأمر الذي يذكر كثيراً على لسان من يراهنون على انهيار النظام اقتصادياً قبل انهياره سياسياً أو عسكرياً، بالفعل هذا الرهان منطقي إلى حد معين، والانهيار الاقتصادي بالفعل يعني حتماً انهياراً عسكرياً وسياسياً، وعلى الأغلب الانهيار السياسي والعسكري سيستبق الانهيار الاقتصادي في حال ظهور حتمية حصوله.
الاحتياطي من حيث المبدأ هو مبلغ من النقود تحتفظ فيه البنوك المركزي – وبالتالي الحكومات – ويكون المبلغ بالعملة الأجنبية وليس العملة المحلية، غالباً يكون من الدولار أو اليورو، وفي كثير من الحالات من العملتين سوياً، ولا يدخل هذا المبلغ في الموازنات السنوية، وبالتالي لا يتم احتسابه أو أخذه في عين الاعتبار عندما تقوم الحكومات بتقدير نفقاتها السنوية بشكلٍ دوري في الحالات الطبيعية.
يستخدم الاحتياطي لهدفين أساسيين، أولهما هو حماية سعر صرف العملة المحلية، حيث تقوم عندما تمر اقتصاد البلاد بأزمة ما تتسبب بشكل أو بآخر بانخفاض سعر صرف العملة بطرق كميات كبيرة من العملة الصعبة التي تملكها لتزيد الطلب على العملة المحلية وتزيد عرض العملة الصعبة وبالتالي الحفاظ على سعر العملة مستقراً أو تخفف من سرعة انخفاضه، هذه المهمة لم يكن يقوم بها المركزي السوري باعتبار أن سعر تصريف العملة في سوريا ليس قائماً على العرض والطلب وإنما على النشرة التي يصدرها المصرف المركزي والتي غالباً تكون قريبة من السعر العادل للعملات الأجنبية، ولكن مع اندلاع الثورة وتزايد العقوبات الاقتصادية على النظام بات من الصعب الحفاظ على سعر العملة من خلال إصدار القرار بأن سعر الدولار هو 50 ليرة مثلاً، وباتت السوق السوداء تتسع واضطر المركزي للتدخل على الطريقة التقليدية وطرح مليارات الدولارات في السوق السورية على مدى عدة أشهر للحفاظ على مستويات مقبولة لسعر الدولار مقابل الليرة السورية، وبالفعل نجح بإعادة الدولار إلى ما دون المئة ليرة سورية.
المهمة الثانية للاحتياطي هي الإنفاق في حالات الطوارئ، في حال استحقاق ديون على الحكومة غير قابلة للسداد من الموازنة السنوية، أو في حال وقوع الكوارث والتي لا يكون هناك ميزانية كافية مخصصة لها، في الحالة السورية كانت الحالة الطارئة هي تمويل القمع، ففي بداية الثورة كان التمويل ضمن المستطاع، وكان يكفي استخدام عناصر الأمن ضمن نطاق عملهم المعتاد دون دفع الكثير من التكاليف الإضافية، ولكن اليوم مع اتساع رقعة المظاهرات خارج قدرة النظام على القمع، وظهور الجيش الحر وإضافة العمليات العسكرية التي لا تبدو كما لو أنها ستنتهي وتكاليفها إلى الموازنة الدائمة للنظام فإن ذلك يضيف عبءاً جديداً مالياً على النظام.
فالتكاليف تشمل المحروقات التي يستخدمها لتشغيل مركباته وكذلك تأمين هذه المحروقات للشعب مع تزايد صعوبة تأمينها عليه بسبب العقوبات الاقتصادية وخصوصاً الأوربية، وأجور العناصر الأمنية التي قام بتوظيفها مؤخراً وتزايد عدد من يدفع لهم رواتباً، ومن ثم هناك الشبيحة واتحاد الطلبة الذين يتكفل بدفع أجور دورية للكثيرين منهم وإطعامهم عند تواجدهم في أماكن معينة لمدة طويلة.
بالنسبة لاحتياطي سوريا من النقد الأجنبي فنحن متأكدون أنه كان يبلغ قبل انطلاق الثورة حوالي 17 مليار دولار أمريكي، ولكن بالنسبة لانخفاض هذا الاحتياطي فإن الأرقام تتضارب، ولكن واضح من التسريبات التي تتوالى كل يوم أن الوضع ليس على ما يرام بالنسبة للاحتياطي الأجنبي الذي يملكه النظام، ويمكن التأكد أنه على الأقل قد أنفق أكثر من نصف هذا الاحتياطي الكثير منها في عمليات التدخل التي كان يقوم بها المركزي للحفاظ على سعر صرف دون الـ100 للدولار الأمريكي، كما باتت أزمة النظام المالية واضحة بعد تكشف حصول النظام على مساعدات مالية من إيران بشكلٍ مؤكد، ومن روسيا ولكن دون التأكد من كون هذه المساعدات الروسية هي نقدية أم على شكل صفقات سلاح مؤجلة الدفع.
ولكن في الوقت نفسه علينا أن نكون حذرين من المراهنة على هذا الخيار، أي انتهاء أو انخفاض الاحتياطي الأجنبي، ذلك أن دخول سوريا مرحلة إعادة البناء دون مدخرات مالية كافية وملائمة سيجعل المهمة أكثر صعوبة، وسيجعل الإملاءات الخارجية المرتبطة بمساعدات مالية دورية أو لمرة واحدة قادرة على النفاذ بسهولة إلى البلاد.
تعليق واحد
تنبيه: الرهان على احتياطي النقد الأجنبي هل يسقط اقتصاد النظام قبل عسكره؟ « مختارات من الثورة السورية