خرجت كلمة الشهيد أبو الفرات ، قبيل رحيله بقليل، العقيد المرحوم يوسف الجادري:
أنا حزين جداً .. لأن هذا العتاد عتادنا وهذه الدبابات دباباتنا والذين يموتون إخوتنا وكل هذا بسبب تمسك الأسد السفاح بالكرسي
خرجت من أحشاء الثورة السورية، نقية، صافيةً، مدوية، رفعتها الزبداني لافتةً في مظاهراتها المميزة .. وتلقفها السوريون في كل مكان كنسمة عذبة في حرّ شديد.
لقد صدح بما يعتمل في نفوس قوم عاشوا بوئام دهوراً مع بعض، واستقبلوا من كل الشعوب بدءً بالقوقاز وصولاً لدول الجوار. شعب مدرّب على فنون الحياة وابتكاراتها، لا يمكن أن ينكسر فيما يواجهه في ثورته المجيدة اليوم، سواء داخلياً عن طريق ماكينة الإجرام الفظيعة التي تسلطها عصابة الحكم على المدنيين العزل، أم من خلال الألاعيب الدولية في اسطوانة “حماية الأقليات” المشروخة وغيرها من الأسطوانات البغيضة التي تحاول التشويش على الثورة السورية.
الآن إضافة إلى الصمود الأسطوري الذي أثبته السوريون في كفاحهم الدامي من أجل حريتهم، والحفاظ على سلمهم الأهلي أمام المحاولات العاتية لتمزيقه، وأمام اجتيازه لآلاف الأفخاخ التي وضعت له من خلال المجازر الروعة التي ارتكبت في أكثر المناطق حساسية في سوريا، والتي تكفي مجزرة واحدة منها لإشعال أوار أشنع الحروب الأهلية والتي لم، ولن تحدث … يمكننا القول أن ما يزيد من تعزيز السلم الأهلي السوري هي مجموعة من الأشياء التي أذكر منها
– التعاون بأقصى جهد ممكن في أعمال الإغاثة الانسانية، أمام حملة محاولة تجويع الشعب السوري وحجب الحاجات الأساسية عنه في أحلك ظروف البرد القارس، من أحل عقابه جماعياً والمحاولة عبثاً تركيعه.
ومن خلال متابعة هذا الأمر بدأت تظهر نتائج الجهود التي يبذلها جميع السوريين على قدم وساق، بعد أن بدأت تظهر نتائج الترتيبات المؤسسية لذلك من إنشاء روابط، إلى خلق شبكات عمل وتنسيق، ويبدو ذلك من وصول شحنات الإغاثة في الآونة الأخيرة بشكل أكثف من ذي قبل.
– الدور الذي يقوم به المغتربون السوريون الذين لم يكتووا بنيران الحقد المسلّط على رقبة الناس في داخل سورية من قبل همجية النظام، لهذا نجد الكثير من تنسيقيات المغتربين التي تتكاثف جهودها لإحلال السلم الأهلي من خلال التعاون فيما بينها بطرق عديدة، والذي ينعكس على الداخل السوري بدون أدنى شك.
– ميل السوريين في الآونة الأخيرة إلى مبادرات تنادي بالحفاظ على بعض الأماكن الآمنة في داخل سوريا على الأقل لتكون ملاذ للنزوح الداخلي المؤقت، من جهة لتجنب اللؤم الذي تتعامل فيه حكومات الدول الأخرى مع السوريين، ومن جهة أخرى للإصرار على المواجهة الذاتية لتحديات هذه المرحلة الأشد صعوبة ودموية في تاريخ سوريا، والتي لن يخرجها منها إلا أهلها وفقط أهلها، وهم يتحملون هذه المسؤولية التاريخية بنبلٍ عزّ نظيره.
– السوريون أثبتوا في هذه الأيام العصيبة أنهم من أكثر الشعوب قدرة على النقد الذاتي، إذ لم يخرج صوت نشاز، ينعق بما يؤذي السلم الأهلي إلا وتناولته الأقلام والألسن بشكل لاذع.
– يبقى أن نقول في هذا السياق، أن الـتأثيرات الإقليمية وخصوصاً إيران، التي تلهث بوحشية لتمزيق السلم الأهلي السوري من أجل أجندات أقل ما يقال عنها أنها استعمارية، هي واحدة من أصعب التحديات، والتي لولاها لما صمد النظام كل هذا الوقت، رغم شدة بشاعته ورعبه. ولهذا فإن الكيانات السياسية التي خرجت من رحم الثورة مثل المجلس الوطني السوري والإئتلاف الوطني السوري – رغم كل الانتقادات الموجهة لجهة الضعف الأداء المؤسساتي- إلا أنها تبقى صمام أمان لا يمكن الإقتراب منه في هذه العاصفة الهوجاء التي نواجهها، إنها كيانات ولدت من رحم الثورة السورية العظيمة، وحتى إن لم تكن تعمل – خصوصاً في هذه الظروف المأساوية – بأفضل حالاتها، إلا أنها همزة الوصل إلى المرحلة المقبلة، عندما، ستحل نفسها بنفسها، عندما يخرج الشعب السوري منتصراً بدون أي منية من أحد عليه، ليبدأ في رحلته الجديدة نحو مستقبل جميل.
مانيا الخطيب
هلسنكي