نعم أقولها وكلي ثقة بأن فلسطين تقترب أكثر فأكثر كلما أسقطت الشعوب الحرة تلك “المقاومة” الضالة.
فانظر معي تاريخ “مقاومتنا الباسلة” التي ربّتنا على أن نرى مكاسبها الضئيلة (في ظل التخاذل العربي الرسمي) على أنها انتصارات تاريخية ليس لشيءٍ إلا لأننا، وببساطة، نعرف سقفها.
سأكتفي بالبدء عند حقبة “القائد التاريخي” جمال عبد الناصر الذي طالما نادى بـ “إزالة آثار العدوان”. ولعل أهون المصائب التي جلبها علينا عبد الناصر كانت عجزه هو عن تحقيق مناه. في حين أن الطامة الكبرى كانت أن الكاريزما التي تمتع بها عبد الناصر حولت الشعوب العربية إلى جموع تائهة لا تعلم من أهدافها إلا ما حدده ” القائد الملهم”. فكان أن قيد ذلك المصطلح نضال الأمة عبر العقود الماضية بقيد استرجاع الأراضي المحتلة عام 1967 وكأن ما حدث عام 1948 لم يكن عدواناً يجب إزالة آثاره. ذلك ناهيك عن دور عبد الناصر في إفساد الوحدة العربية بين سوريا ومصر التي طال سوريا أثناءها ما طالها من ظلم الأشقاء الوحدويين.
وعلى التوازي مع كل ذلك غسل حكام العرب أيديهم من القضية الفلسطينية (القضية العربية المركزية) ودفعوا باتجاه إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بدعوى الحاجة إلى ممثل شرعي للفلسطينيين يدعمه كل العرب ويتولى هو النضال السياسي والعسكري في سبيل استرجاع فلسطين. وبالفعل مضت منظمة التحرير في هذا المنحى لبضع سنين قبل أن تجد نفسها وحيدة في الساحة بلا دعم يذكر إلا باتجاه التطبيع مع العدو فذهبت إلى “إدراك ما يمكن إدراكه” من خلال مفاوضات سرية مع العدو بدأت في أوسلو عام 1991 وانتهت بتوقيع اتفاق السلام في واشنطن عام 1993 والذي اعترفت بموجبه “المقاومة” بالمحتل كسلطة شرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 وقيدت نفسها بقيود عبد الناصر واكتفت بالتطلع إلى “إزالة آثار عدوان الـ 1967″ .
وها هي الثورة السورية المباركة تأتي اليوم لتُسقط آخر أوراق التوت عن أحدث صور “المقاومة” وتكشف عورات “المقاومين”، فركائز “قلعة الصمود والتصدي” (وفي رواية جبهة الصمود والتحدي) تنهار على أول خطوط الجبهة. والنظام “الممانع” يُعمل آلته العسكرية لأول مرة بعد ثلاثة استخدامات فاشلة كان آخرها منذ 38 عاماً. لكن “حماة الديار” يتجهون اليوم داخلاً. يقتلون، بمساعدة إخوتهم من “شبيحة الديار” أكثر من 2000 من شعبهم ويعتقلون عشرات الآلاف ويهجرون أمثالهم إلى مخيمات لجوء في تركيا ولبنان. فعساهم اليوم يحققون نصراً يتيماً، حتى وإن كان متأخراً.
وليس بعيداً عن ذلك نجد “المقاومة الإسلامية في لبنان” (لا أنكر بطبيعة الحال إنجازها في تموز 2006) تتنكر للشعب السوري الذي يقتل يومياً على يد “حليفها” الذي تصر على دعمه بينما تخوّن الشعب المنتفض لإسقاطه وهي التي لطالما كانت تقول أن عمقها العربي إنما هو الشعوب العربية وليس الأنظمة. ويخرج علينا “سماحة السيد” ويقول لنا بكل سذاجة “طيب… مين؟؟؟ وينو الشعب السوري؟؟؟ خلونا نعرف… لنوقف معه”. فهل عمي منك البصر يا “سيد حسن” فلم تعد ترَ الحشود التي تخرج كل يوم إلى الشوراع أم عميت منك البصيرة فتــاهَ تدبيرُك ولم تعد تعلم عند من تكمن مصلحتك الحقيقية؟
ولا شك هنا أن “حزب الله” هو الخاسر الأكبر بغض النظر عن مآل الثورة وصورة انتهائها في سوريا، فهو قد خسر من الآن شيئاً عظيماً من العمق الشعبي الذي كان يراهن عليه.
أما حركات “المقاومة الفلسطينية” فيبدو أنها اعتبرت عدم رضوخها لضغوط النظام للانضمام صراحة إلى صفه في مواجهة شعبه (كما فعل “حزب الله”) بمثابة الوقفة البطولية. ونسوا أن ذلك ليس إلا أقل ما يجب فعله. أين منظمة التحرير الفلسطينية؟ أين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)؟ أين الجبهة الشعبية –القيادة العامة؟ أين الجبهة الديمقراطية؟ أين الجهاد الإسلامي؟ أين أنتم ما من نصبتم أنفسكم آلهة للدفاع عن شعبكم؟ أين أنتم مما يحدث في مخيم الرمل في اللاذقية؟ وأشنع من ذلك الغياب هو التشبيح الذي مارسته (حماس) في غزة يوم السادس عشر من آب (أغسطس) حين فرق عناصر من “أمن حماس” بالقوة مظاهرة تنادى لها بعض شرائح الشباب الفلسطيني لنصرة الشعب السوري على غرار ما حصل في القدس ورام الله وحتى في الناصرة وحيفا وعاثوا في الجموع اعتقالاً.
أحارُ فعلاً في فهم التركيبة الفكرية والنفسية لـ “مقاومتنا”. من أين لكم “صكوك المقاومة” تلك التي توزعونها على من يستحقها بنظركم (أو من يواليكم بنظري)؟ لا أستطيع حقاً أن أفهم من طريقة معالجتكم لواقعنا إلا أنكم تؤمنون إيماناً راسخاً بأنكم المصطَفَيْن الأخيار المفوضون بأمر هذه الأمة وأن ما سواكم ما هم إلا سُذّجٌ أو خونةٌ أو عملاء.
وإني حين أرفض هذا النوع من “المقاومة” لا أدعو بالطبع إلى نبذ فكر المقاومة ولا أنادي بتحول الشعوب العربية إلى نسخ من الأنظمة الفاسدة على الطريقة الأخرى ممن يأخذون خططهم التنموية وصورة مواقفهم الدولية وجداول مناطق التدخل المتاحة والأخرى المحظورة من السفارات الأجنبية القابعة على أراضيها. ولكنني أرى أن ربيعنا العربي لا يجب أن يقف عند مرحلة قلب النظم المستبدة فحسب، بل يجب أن يتعدى ذلك إلى الثورة على “المقاومة” المستبدة أيضاً. فآخر ما نحتاج إليه اليوم هو “مقاومة” تُنَصّبُ نفسها وصية على أحلامنا ونوايانا وتطلعاتنا. نريد لربيعنا العربي أن يُفرِزَ مقاومة حقيقية لا ترتبط إلا بإرادة شعوبها ولا يحدد أهدافها إلا آمال شبابها ولا تكون أدواتها إلا إراداتنا الصلبة وعزيمتنا التي ما زالت تقربنا من فلسطين يوماً بعد آخر.
وكل ثورة وأنتم إلى فلسطين أقرب
ملاحظة: عزيزي القارئ قد تختلف معي في تناولي لنماذج المقاومة أعلاه من حيث ظروف وإنجازات وارتباطات كل منها وبالطبع في تقييم نجاحات بعضها، ولكني كلي أمل أنك تتفق معي بأن كل فئات المقاومة التي ذكرتها في نصي اتفقت في قرارة نفس كل منها على أنها المخولة الوحيدة بالمقاومة وعاملت كل من لا يتفق معها بالإقصاء دائماً وبالتخوين أحياناً. بمعنى آخر، إن حركات المقاومة في عالمنا العربي لم تسلم من داء تأليه الذات والشمولية الذي يثور عليه شبابنا اليوم، ومن هنا فإن علينا أن ننقل لتلك الحركات ذات الرسالة التي نوجهها إلى الأنظمة المستبدة.
By: NationalityZero
5 تعليقات
بل أختلف معك في النماذج وفي النتيجة…..تمام الاختلاف
أولا
أتيت بموقف (ولا موقف) المقاومة من سوريا وكلام غريب بلا أمثلة عن “تأليه” و”صكوك غفران” و”الشمولية” ومعاملتهم الآخرين بالتخوين..كل هذا بلا أدلة ولا قرائن…أشعر أنني أمام بروبوغاندا لنظام عربي رسمي
من أين لك بهذا؟؟؟ وكيف وصلت لهذه النتيجة؟؟ ….لا أريد أن أضيع وقتك ووقت القراء بأمثلة تخالف كلامك تماما…فمن السهل أن يتبين القارئ خطأ هذا الكلام
ثانيا
أنت حكمت عن الناس بناء على موقفهم (ولا موقفهم) من الثورة السورية…فنسفت ليس فقط من أيد النظام بل حتى من بقي ساكتا
يبدو أن عقيدة بن لادن عن انقسام العالم إلى فسطاطين، وعبارة جورج بوش “إما معنا وإما مع الإرهاب”….أثرت فيك عميقا
فحتى من صمت….تريد أنت بشخطة قلم (إسقاطه)…متناسيا كم الشهداء الهائل الذي قدمه هؤلاء من دمائهم ودماء أبنائهم
ثالثا والأهم…أنك كما يتضح ككل الطغاة العرب تخول نفسك ناطقا عن الشعوب وتقول (الشعب يريد….) وهذا في موضوع لم يتكلم به الشعب إطلاقا….
يبدو أن أنظمتنا القمعية ذات أثر أعمق مما نظن في فكرنا
لست مع العصمة، ولست ضد الانتقاد….ولكن بإنصاف وموضوعية…وأن نحترم تاريخ الناس ومصداقيتهم التي بنيت بالدم الحقيقي والنضال الجدي (ليس نضال الأنظمة الخطابي)….
قليل من الإنصاف فقط لا أكثر
مع الاحترام لكم
ملاحظة: أتمنى ألا نكثر من استخدام شعار “الشعب يريد”..أخشى أن يصبح مبتذلا لسوء الاستخدام
عزيزي رائد
تحية لك بداية
أما بعد فأنا أقدر وجهة نظرك كل التقدير ولكني اسمح لي أن أوضح بعض النقاط فيما يلي
أنا لم أقصد من كتابة المقالة إلى مراجعة وتقييم أداء حركات المقاومة ولو أردت ذلك لكتبت عدة كتب وليس مقالة بهذا الحجم فقط ولأجل ذلك لم أورد كافة الأمثلة التي أملكها عن تأليه الذات وصكوك المقاومة (ولم أقل صكوك الغفران)… فلك في غزة اليوم أكبر الأمثلة في منع حماس لحركة الجهاد الإسلامي لأي من محاولات إطلاق صواريخ على المغتصبات الإسرائيلية من غزة إلا بالتزامن مع تحرك مماثل من قبل حماس، وهذا ما دأبت حماس على انتقاده عندما كانت فتح هي المتحكمة بزمام الأمور في الأراضي الفلسطينية. فكما كانت فتح (أو سلطة فتح) تعتقل مقاومي حماس، هاهي حماس اليوم تعتقل مقاومي الجهاد… ويمكنك التحقق من هذا عن طريق أي إنسان محايد يقطن غزة
فماذا تسمي ذلك؟ ألا ينم ذلك عن تأليه للذات واعتبار أن “رأينا هو الصحيح فقط” وأليس ذلك منحاً لصكوك المقاومة؟؟؟ وانتبه هنا أنني لا أنتقد مقاومة حماس وغيرها من حيث هي مقاومة صرفة وإنما أنتقد نزعتها للسيطرة على أسلوب عمل حركات المقاومة الأخرى
أما عن حكمي على الناس من خلال موقفهم من الثورة… فنعم… ألا يستحق برأيك موقف حزب الله من الثورة السورية وقفة جادة لمراجعة سياسة الحزب ومدى التزامه بمبادئه وتطويعها لمصالحه؟
وعن من صمت (وهم الفصائل الفلسطينية) أفبعد الذي حصل في مخيم الرمل صمت مقبول؟ حتى وإن قبلت ذلك أيمكنك أن تقبل هجوم عناصر أمن حماس على مظاهرة في غزة لتفريقها واعتقال عشرة من المشاكرين فيها فقط لأنهم أعلنوا تضامنهم مع الضحايا السوريين؟ أليس هذا وصاية على المقاومة واستبداداً كمثل استبداد الأنظمة العربية البائدة التي نراها تتهاوى يوماً بعد يوماً… ما فرق ذلك عن التشبيح الذي يتعرض له المتظاهرون في سورية… بالله عليك قل لي.
أما عن فسطاطي بن لادن و عبارة جورج بوش، فأحب أن أطمئنك تماماً بأن ذلك النوع من الفكر لم يؤثر في أبداً، بل ولم يدغدغ مشاعري البتة. بل على العكس، إن ذلك الفكر هو ما أنا بصدد محاربته ومناهضته ولذلك فقط لا أقبل من حركات المقاومة أن تقسم العالم هي على ذوقها وتضع كل منها إذا ما استحكمت بالسلطة نفسها وصية على قلوب ونوايا وعقول العباد فترسم لهم هي وفقط هي طريقهم إلى التحرير والجنة
وأتفق معك أيضاً على أن التاريخ يجب أن يحترم وأن التضحيات يجب أن تكون دوماً مكان تقدير، ولكن في نفس الوقت يجب علينا أن نتجنب الوقوع في فخ الإنجازات المخدرة والاستسلام للتاريخ والتضحيات… فكل ابن آدم خطاء ومن حقنا جميعاً أن نراجع سياسات بعضنا حتى لا يستبد أحدنا بالآخر. ولعل ذلك من أهم واجباتنا أن نبقي عيننا على حركات المقاومة حتى لا تستبد فيكون مصيرها مصير تلك الأنظمة التي تتهاوى يوماً بعد يوم.
وأخيراً أتفق معاً في ضرورة تجنب استخدام مصطلح “الشعب يريد” للحرص على عدم إساءة الاستخدام وفقدان المعنى وإنما قصدت من وراء استخدامي هذا إلى إسقاط استبداد المقاومة وما هذه في النهاية إلى مشاركة أدبية الوصول إليها محدود فليست نشرة في مجلة حزبية أو جريدة يومية… ومع ذلك أعدك أنني سأغير اسم على المقالة على مدونتي إلى “الشعب يريد إسقاط استبداد المقاومة” حتى يكون المعنى أوضح ويمنع أي التباس
شكراً لك جزيلاً على مرورك الطيب وأتمنى تشريفي على مدونتي الخاصة التي يمكنك الوصول إليها من خلال الرابط في أسفل المقالة. واعذرني على الإطالة
مع فائق احترامي
لست ناصرياً و لا ألتحق بأي فرد أو بأي مجموعة كانت على سطح هذه الكرة الأرضية. لكن لا بد لي من نقض الكلام عن جمال عبد الناصر. عبد الناصر لم يكن القائد الملهم. الناس آمنت بعبد الناصر لأنه تكلم باسمهم و مثلهم، بحماسهم و بصفته رجلاً وطنياً عربياً يألم كغيره من أبناء العروبة. و لأن عبد الناصر كان شامخاً أمام جبروت المستعمرين، فهو بصفته رئيساً عربياً و رمزاً منح العربي إحساساً بالعزة . لكنها كسرت بهزيمة 1967. بعد الهزيمة و السعي نحو “إزالة آثار العدوان” بدأت مصر أولاً باللاءات في القمة العربية في الخرطوم ثم أتبعت ذلك بمساع جبارة لأعادة بناء القوة العسكرية استعداداً للحرب المقبلة (تلك التي لم يعش عبدالناصر ليشهدها و جعلها السادات مطية لبدء الحوار مع الكيان الصيوني) و بدأت بمعارك استنزاف مع العدو الصهيوني في 1968. عبدالناصر كان يعتبر أن أمن مصر يبدأ من جبال طوروس لا من حدود سيناء و كان له يد طولى في اليمن و في مساندة ثوار الجزائر. عبدالناصر كان مخلصاً لكنه أخطأ في أنه أراد أن يحقق الانجاز بنفسه لا أن يكون حجراً مؤسساً لجدار الممانعة. على إن تجربته لا تعاد و فيها أخطاء كثيرة، لهذا لست ناصرياً لأني أحترم الرجل و ووطنيته لكني لا أؤمن بطريقته. أما بشأن إفساد الوحدة فإن إخفاق إدارة الحكم في مصر و الإقليم الجنوبي هو نفسه إخفاق إدارة الحكم في سورية و الإقليم الشمالي. غير أن أبناء سورية استشعروا بالظلم لأنهم اعتبروا أن في استحواذ المصريين على المناصب استخفاف بهم و بأحقيتهم في السلطة في الإقليم الشمالي. ربما لو آمن الناس حقاً بالوحدة لسعوا إلى الإصلاح من داخل الدولة لا بالانفصال، و لربما كان حالنا أفضل الآن – من يدري؟
أما حزب الله فهو حزب مقاوم و إنجازه لم يكن في تموز 2006 بل في بناء الردع مع العدو الصهيوني على مدى ثلاثين عاماً. فالصهاينة باتوا يصدقون كلام السيد حسن نصرالله أكثر من كلام قادتهم في شأن قدرات الحزب و تهديداته. حزب الله لا يستطيع أن يلحق الهزيمة بالكيان الصيهوني الغاصب، و لا يفترض به ذلك، فهو حزب مقاوم و ليس كتلة دولية. لكن حزب الله قادر على أن يصيب الكيان الصهيوني بجراح عميقة و مؤلمة تلجمه و تحجمه و تكون من أسباب انهياره. لماذا أيد السيد حسن نصرالله السلطة في سورية؟ لأنه إنسان و كل إنسان خطّاء. فالمال و السلاح يأتيانه من إيران إن فقدهما فإنه يتأثر سلباً. و سورية بارتباطها بإيران هي بوابة المال و السلاح لحزب الله. كما إنها أمنت له غطاء سياسياً داعماً بامتياز على مدى أعوام، و هذا مما يذكر للسلطة التي تحكم سورية. كل إنسان يخشى التغيير، و أؤلئك الذين يلعبون بأوتار مختلفة مضادة و متعارضة و يوازنونها جميعاً يخشون التغيير الذي قد لا تنفع معه إعادة الحسابات. هذا موقع حزب الله. حزب الله يحتاج سورية لضمان بقائه لأنها بوابته إلى إيران. لكن ليس كل من في سورية يريد العلاقة المتميزة التي كونتها السلطة الحاكمة في سورية مع إيران. أكثر الناس في سورية مع المقاومة و لكنهم ليسوا بالضرورة مع إيران، و قد لا يهتمون كثيراً بحزب الله. و هنا يكمن خطأ حزب الله و أمينه السيد حسن نصرالله لأنه رأى أن عصفوراً في اليد أحسن من عشرة على الشجرة. و لهذا أنا لا ألومه. لكن الحقيقة إنه لربما طارت العصافير العشرة عن الشجرة بعد أن أخافتها أصوات المدافع، و بات الاحتمال كبيراً أن عصفور اليد سيقع على الأرض بلا حراك. أملي بعد نصر الثورة في سورية أن لا يحمّل حزب الله عبء استبداد آل الأسد في سورية و أن تبقى سورية حاضنة لحزب الله و مقاوميه لأننا سنحتاج لأزمان طويلة حتى نعيد ترميم ما بناه حزب الله و ما أعده للأعداء من قوة و من رباط الخيل إن لم نغفر للحزب المقاوم زلته.
أما حركات المقاومة الفلسطينية، هؤلاء المطاردون في الأرض أينما حلوا و ارتحلوا. فقليل مد إليهم يد العون. حتى حافظ الأسد قتّلهم في تل الزعتر – دعيّ المقاومة ذاك. ليس من بلد يحتويهم و لا من ناس يعاملونهم معاملة كريمة. لا جناح عليهم إن ارتأوا الصمت ريثما تتوضح الأمور. لنرحم الناس و لنشعر بألامهم و لنعفُ عمن أساء الحكم في صحة المواقف سواء لخوف اعتراه أو لسوء تقدير.
علينا حقاً أن لا ننسى أن السلطة في سورية كانت سنداً للفصائل المقاومة، لا لخير في السلطة و رجالاتها و لكن بسبب المكون الجغرافي السياسي لسورية وبسبب وضع الصراع القائم في المنطقة. و بالتالي فإن انهيارها سيخلق حالة من الفوضى ريثما تستقر الأمور و تتوضح المواقع و التجاذبات من جدبد. كل سلطة أياً كانت تريد استقرار المنطقة التي تسيطر عليها مستبدة كانت هذه السلطة أم عادلة. الاختلاف في طريقة التعامل فقط: فهذا يضرب الناس ليخيفهم و يقمعهم و الآخر يحاورهم و يتشاور معهم للوصول إلى حل سواء. بيوتنا أمثلة أوضح لوضع الاستبداد العام. فالاستبداد يبدأ من البيت، و المفاهيم الاجتماعية التي تفرض على الجميع الطاعة بغير مساءلة. لا يظنن أحد أنه برحيل بشار الأسد و زمرته سنعيش في النعيم. بل ستبدأ المصادمات حينها لأن كل طائفة و كل حزب و كل أقليم و كل مجموعة و بل و كل فرد يحسب إنه هو الأعلم و الأفقه و الأحسن و الأعدل و الأكثر تقى و الأكثر إيماناً. و هذا أمر طبيعي. علينا أن نجتاز مرحلة الخطر حتى نصح. فحالنا سيكون حال من تجرى له عملية خطيرة لانتزاع ورم سرطاني يهدد حياته. إن أهمله مات حتماً و إن قصد استئصاله عاش في حيرة من أمره هل ينجو أم لا. و بعد الاستئصال يبقى في العناية المشددة أياماً ثم يبقى أشهراً و هو يتعافى. سنكون في العناية المشددة بعد الاستئصال. و سنحتاج لسنوات طويلة لنشفى من ورم أخذ ينمو فينا أربعين عاماً تسنده علل نهشت في تركيبتنا الاجتماعية و الدينية و السياسية 800 عاماً و يزيد.
أخي العزيز حنظلة الدمشقي
اسمح لي ابتداءً أن أعبر عن فائق تقديري لطرحك ولأكثر ما يغمرني سعادة هو هذا النقاش المحترم الذي لا نشغل بالنا حين نخوضه بمن يسبنا لأشخاصنا ويسفه فكرنا لمجرد أننا نعارضه
أخي العزيز… أنا لا أختلف معك بتاتاً حول ما ذكرت بشأن عبد الناصر وأتفق معك في كثير مما قلت حول حزب الله والمقاومة الفلسطينية إلا فكرتي من وراء المقال هي كما أسلفت فيه أنني أنتقد استبداد المقاومة فحسب، لا مواقفها الوطنية وتضحياتها وإنجازاتها، ولا أرمي بطبيعة الحال لأن أحارب تلك الحركات من خلال مقالتي بل على العكس تماماً، فإني من منطلق حرصي على الفكر المقاوم واحترامي لمكانة المقاومة أسعى إلى تسليط الضوء على بعض سقطاتها لأني لا أريد لها أن تدمر نفسها على امتداد العقد القادم من الزمن. فإن هي بقيت على سياساتها المتبعة اليوم فلا أراها إلا خارج سياق حركات التحرر الشعبية وعاجزة عن اللحاق بمسيرة الشعوب بعد بضع من السنين.
أعلم أن القائمين على حركات المقاومة بشر وكلنا خطاؤون … ولكن هذا لا يعني أن نغض البصر عندما يحدث الخطأ. أنا أؤمن أن من واجبنا إيصال أفكارنا إلى قادة حركات المقاومة وأن نقول عن الخطأ خطأ حتى وإن تعارض ذلك مع توجهاتهم.
وعلى ذلك فإنه من واجبي أن أنتقد حسن نصر الله عندما يقع في خطأ الموالاة الأعمى للنظام حتى إذا سقط النظام خسر حزب الله قاعدته الشعبية وخسرنا نحن مقاومته واحتجنا كما تفضلت أنت إلى عشرات السنين لنرمم ما بناه الحزب. كما أن من واجبي أن أنتقد حماس على اعتقال بعض المتظاهرين الذين خرجوا نصرة لسورية في غزة (وأنا فلسطيني وأعلم ما عاناه الفلسطينيون وحركات مقاومتهم عبر تاريخ لجوءهم)، لأنها بذلك إنما تضع نفسها موضع أداة استبداد رخيصة وهو الأمر الكفيل بإهدار كل ما بنته خلال السنين الماضية من مصداقية وسمعة طيبة.
أسأل الله أن تمر عملية الاستئصال التي نمر فيها بسلام وأن يعافينا ويشفينا من الأورام العديدة التي طالت كافة جوانب حياتنا. ولكن لنعلم أن هذا سيتطلب منا الكثير من العمل وأداء العديد من الواجبات لعل من أهمها الحرص على تصحيح مسار حركات المقاومة حتى لا تستبد هي الأخرى فيكون مصيرها مصير المستبدين الآخرين
مع كامل احترامي
شكرا لتعليقك اللبق والذكي
تعليقك على حنظلة الدمشقي وفر علي الكثير من الكلام وربما لا أ×تلف معه كثيرا….ولا سيما عند مقارنته مع المقال الأساي الذي اختلف معه إلى حد الاصطدام ربما
عموما …أحترم وجهة نظرك…..وأرفض تماما شعار (الشعب يريد إسقاط المقاومة)
وما زلت أرى في خطابات وكتابات الكثير ممن يؤدون الثورة السورية خطاب “الولاء والبراء” واعتبرا العالم قد انقسم بين خير وشر اعتمادا على الموقف من الثورة السورية….وهذا ما لا اقبله…فالناس ستبقى تخطئ وتصيب….ورفض كل من يخطئ يودي بنا لرجم البشر جميعا
ختاما..أتفق معك أن في المقاومات عموما أخطاء كثيرة (أتحفظ على كونك عممت أخطاء بعض أطياف المقاومة على بقيتها)…وهي بحاجة لممارسة النقد الذاتي على أعمق المستويات وبشفافية مع قواعدها وجمهورها..وإلا فأخشى أن يتحقق الشعار الذي اخترته عنوانا لمقالتك
مع الشكر مجددا