أحمد الشامي
انقشع غبار الانتخابات اﻹسرائيلية المسبقة منذ أسبوعين وظهرت نتائجها التي تجلت في التجديد “لبيبي” نتنياهو العنصري المتطرف على رأس حكومة الدولة العبرية. ٳعادة انتخاب رئيس وزراء ٳسرائيل المزمن لم تكن مفاجأة، ففي دول “محور الشر” الانتخابات لاتعدو كونها “شكليات” تعيد ٳلى الحكم ذات النخبة المتسلطة. هذا ما جرى مع “أحمدي نجاد” ومع “بوتين” وقبلهما “المالكي” و”نتنياهو” ليس استثناء.
“أحمدي نجاد” مضطر للرحيل في الانتخابات اﻹيرانية في حزيران المقبل ويريد أن يحل محله متشدد آخر مؤقتاً. السيد “نجاد” يتمنى السير على سنة “الرفيق بوتين” الذي قبل بترك الرئاسة نظرياً واستعان “بمحلل” لكي لا يضطر ٳلى “ٳعادة تفصيل” الدستور الروسي على مقاسه. الرئيس الوريث لا يستحي من تغيير دستوره مرتين في العام طالما أنه باق في الحكم ٳلى يوم الدين ويخطط لكي يرثه أبناؤه من بعده.
في حين تظهر هذه اﻷنظمة أحياناً بعض الليونة، يصر نظام اﻷسد على البقاء كما هو تماماً بعدما دمر البلاد والعباد. اﻷغرب هو أن أصدقاء النظام يسايرونه في خياره الشمشوني، ربما ﻷن مصائر كل هؤلاء مرتبطة وﻷن سقوط أي منهم هو “فأل شر” على الجميع.
في الحالة اﻹسرائيلية، وبعدما أحرق أربعة شبان ٳسرائيليين أنفسهم يأساً من ظروف معيشتهم القاسية وهرباً من جحيم الفقر والغلاء، أعاد اﻹسرائيليون انتخاب السيد “نتنياهو”!! الرجل ليست لديه أي مواهب خاصة ولا هو اجترح أي معجزة اقتصادية أو سياسية. فوق ذلك، فبنيامين نتنياهو هو قاتل”اسحاق رابين” العسكري ورئيس الوزراء الذي أدى أجل الخدمات للدولة العبرية.
“بوعزيزي” واحد كان كافيا ﻹطلاق الربيع العربي، في حين فشل “أربعة” بوعزيزي في ٳخراج الضمير والشعب اﻹسرائيلي من سباتهم اﻷخلاقي العميق. أقصى ما قام به اﻹسرائيليون كان عدم التصويت بكثافة لصالح “نتنياهو” وٳعطاء بعض اﻷصوات لحزب وسطي هلامي هو أشبه بظاهرة ٳعلامية. ما سر “نجاح” السيد نتنياهو؟ الرجل “يخيف” العرب وهو صديق المستوطنين الذين هم صنو “الشبيحة” لدى الجار السوري.
بدل أن يتعاطف اﻹسرائيليون مع السوريين الذين يتعرضون لمذبحة على يد “رجلهم” في دمشق وبدل أن يغتنموا الفرصة لفتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة عبر الوقوف مع السوريين الذين يتعرضون “لهولوكوست” حقيقي، أقامت ٳسرائيل جداراً مكهربا لمنع السوريين من اللجوء ٳلى الجولان المحتل ! يبدو الموقف اﻹسرائيلي موغلاً في القذارة والعنصرية لدرجة تدفع للتساؤل ٳن كان هؤلاء من البشر وٳن كانت لديهم ذرة من اﻹنسانية.
اﻷكيد أن اﻹسرائيليين الذين لم يتعاطفوا مع شبابهم الذين انتحروا حرقاً هرباً من الظلم والفقر ليس لديهم الوقت للتعاطف مع أحد.
روسيا “بوتين” بينها وبين اﻷخلاق طلاق بائن، فنظام “بوتين” هو في التقييم اﻷخير “عصابة من الزعران لديها أسلحة نووية”. بدل أن يستمع “بوتين” لنصائح الخبراء في مؤتمر “دافوس” الاقتصادي والذين شددوا على حاجة روسيا الماسة للٳصلاح الاقتصادي والسياسي، اختار الغرق في سياسة توسعية وحربجية، كانت هي بالذات سبب انهيار الاتحاد السوفياتي.
“بوتين” لم يسخر موارد روسيا النفطية والبشرية الهائلة من أجل تحقيق الرخاء لشعبه ووضع بلاده على سكة التقدم والازدهار، الرجل اختار التصرف مثل طغاة العالم الثالث الصغار وهو ما سيكون في النهاية وبالاً عليه وعلى روسيا الاتحادية كلها.
“ٳيران” الدولة الجارة الموغلة عميقاً في التاريخ والحضارة وشعبها العريق والمتمدن، يستلم قيادها مأفون من طراز “أحمدي نجاد” يظن نفسه وريثاً ﻹمبراطورية الساسانيين. بدل توجيه موارد “ٳيران” البشرية والنفطية لخير شعبها والاستفادة من جغرافيتها الاستثنائية، يريد “الولي الفقيه” العيش بمنطق الغزو والتوسع. تماماً كالروس الذين يريدون الوصول ٳلى “المياه الدافئة” يريد نظام الولي الفقيه التوسع شرقا لبناء هلاله الشيعي ولو كان الثمن هو ٳعادة المنطقة ٳلى صراع ديني عمره أكثر من ألف عام يدفع الجميع ثمنه دماً ودموعاً.
هل سيستمر اﻹيرانيون في الانصياع لقيادة خرقاء تعيش على ٳيقاع القرن اﻷول الهجري وتنخرط يوماً بعد آخر في حروب عبثية على الطراز “الصدامي” مع محيطها السني والعربي ؟ هل سيستمر الشعب اﻹيراني في التضحية بمستقبله من أجل مهووس مثل “أحمدي نجاد” ؟
لكن، مالذي يدفعنا للاعتقاد أن اﻹيرانيين الذين قاموا بالثورة الخضراء عام 2009 مختلفون عن العرب الثائرين في حواضر الربيع العربي؟ المتظاهرون الذين طلبوا من حكامهم الالتفات ٳلى الداخل اﻹيراني بدل تبديد مصادر الثروة النفطية من أجل دعم جزار دمشق سماهم “نجاد” بالمندسين، تماماً كما يفعل طاغية الشام.
في شهر حزيران المقبل، سوف تكون هناك انتخابات ٳيرانية وسوف يجد الشعب اﻹيراني نفسه أمام خيار واضح، ٳما اختيار نهج الحروب عبر التمديد للمتطرفين والمتعصبين أو اختيار طريق المصالحة والاعتدال.
في كلتا الحالتين، من الممكن للأوضاع اﻹيرانية أن تتفجر بنفس الطريقة التي تفجر بها ربيع دمشق الدموي. استمرار الطغمة الحاكمة دون تغيير جذري سيعني المزيد من العقوبات والفقر للشعب اﻹيراني ومزيداً من التورط في المستنقع السوري، انتهاء ٳلى الدخول في مواجهة حتمية مع اﻹسلام السني. ستكون النتيجة هي ٳغراق ٳيران في التطرف والصراع الداخلي والخارجي.
عودة المتشددين للحكم في ٳيران لن تكون أمراً يسهل تمريره فالشعب اﻹيراني أيضاً قد مل من أسطوانة الممانعة والشيطان اﻷكبر واﻷصغر وهذا الشعب العريق ربما لن يقبل بتسليم قياده ٳلى اﻷبد لمجموعة من المهووسين.
هل سيصوت اﻹيرانيون لصالح مرشح معتدل يوقف انزلاق الجار اﻹيراني ٳلى ما لا تحمد عقباه ؟ كيف سيتصرف المتشددون ٳن أرسلهم الناخب اﻹيراني ٳلى مزبلة التاريخ ؟ هل سيقومون بتزوير هذه الانتخابات كما زوروا سابقتها ؟ وكيف سيرد اﻹيرانيون الذين يعيشون في جحيم “الممانعة” منذ عام 1979 مثلهم مثل السوريين ؟ هل يقبل اﻹيرانيون “بمحلل” يحافظ على الكرسي دافئاً بانتظار عودة “أحمدي نجاد” وهل سيكون صيف طهران المقبل بمثل حرارة “ربيع دمشق” ؟
تعليق واحد
تنبيه: الصيف اﻹيراني القادم . . بقلم: أحمد الشامي « مختارات من الثورة السورية