وئام عيسى
———————
الغاية تبرر الوسيلة
قالها الفيلسوف الإيطالي (نيكولو مكيافيلي) مبرراً القسوة والوحشية في صراع الحاكم على السلطة، مبرراً بهذه المقولة استعمال كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة للوصول إلى هذا الهدف، ولقد استوردت الأنظمة الديكتاتورية هذه المقولة لتترجمها على الأرض وتبرر أفعالها الإجرامية والقمعية مقابل الحفاظ على الكرسي دون منازع، فبعضهم أصدر قوانين أو مراسيم، ومنهم من عدّل دستوره ليصبح على مقاس نظامه، وأما من يحاول التحدث عن أي شيء لا توافق عليه السلطة أو يتعارض معها فهو معرّض للاعتقال أو القتل تحت عدة مسميات أو تهم..
لكن هل الغاية تبرر الوسيلة في عهد الربيع العربي؟؟
عهد الحرية التي لطالما حلمت به هذه الشعوب، وما أقصده هنا الثورة السورية فلقد مضى تسعة أشهر ونصف منذ انطلاق ثورة الكرامة وما زال النظام يمارس القمع والقتل ضد المدنيين والمتظاهرين السلميين، مبررا ذالك بوجود عصابات إرهابية، وفي الطرف الأخر تنفي المعارضة هذه الرواية فهناك من انشقوا عن الجيش وحملوا على عاتقهم مهمة حماية المدنيين من قمع النظام عن طرق مواجهة رجال الأمن والجيش في حال التعرض للمظاهرات أو أثناء اقتحام المدن، وإنعدم وجود معارضة سياسية موحدة وكثرة المجالس والهيئات قد شكل انقساماً كبيراً في الشارع، ومع أن الهدف واحد وهو “اسقط النظام” ولكن الطرق تختلف فمنهم من يريد إسقاطه عن طريق التدخل العسكري بكل أشكاله (حظر جوي وناتو أو إقامة مناطق عازلة حدودية) ومنهم من يريد أن يبقى الحراك سلمياً ليسقط النظام عن طريق التظاهر والإضراب وصولاً إلى العصيان المدني، لكن أليست السلمية هي الطريق الآمن للوصول إلى أهداف الثورة؟
فأضرار التدخل العسكري وما ستتركه من أثار سلبية من خسائر بشرية كبيرة ومادية أكبر ووطنية أعظم بكثير تكفي لكي يقف المرء ويفكر قليلاً..
كل يوم يسقط عشرات الشهداء، لكن في حال التدخل العسكري سيتطور الرقم إلى مئات
كما أن هذا التدخل سيترك خلفه كثيرا من الدمار والخسائر المادية وهذا هو الظاهر ،أما خلف الكواليس فما هو حجم التنازلات التي تريده الدول التي ستدعم وتمول هذا التدخل؟؟
التدخل العسكري يعني ضرب البنى التحتية والمؤسسات والمراكز الإستراتيجية الدفاعية لسوريا مما سيجعلها بعد سقوط النظام بهذه الآلية أضعف بكثير، عدا أنك ستصبح بحاجة لأن تبني بلداً من تحت درجة الصفر وهذا ما سيجعلك لن تنجو من غرقك في هذا المستنقع، وإذا أتينا إلى لغة الأرقام، فإن تكلفة غارات الناتو على ليبيا كانت 280 مليار دولار، وفي ليبيا يوجد نفط أي أنه يمكن إعادة هذا المبلغ، أما في سوريا فلايوجد من يستطيع دفع هذا المبلغ، وإن وجد، فكيف سيتم سداده، سنغرق في ديون إلى مئات السنين، ثم إن هناك معضلة كبيرة هي في الموقف الروسي والصيني (الفيتو) وهذا الفيتو كي يزول يجب أن تدفع الثمن، فكما علمت أن روسيا اليوم تعرض الفيتو في مزاد، فمن سيشتري؟؟
ناهيك عن دعوات التسليح التي هي ليست إلا تجارة بالدماء بين قوتين غير متكافئتين، ولكن في عهد الحروب والثورات تزداد إنتاجية معامل الأسلحة وهو أيضاً موسم عمل تجار السلاح الذين يبحثون عن مصدر للنهب والسرقة…
ويتضح للجاهل أن الجميع يريدون المساعدة والفاتورة آجلة ومؤجلة والسداد بالتقسيط، ولكن الدول ليست جمعيات خيرية في النهاية ولا يوجد شيء بدون مقابل أعظم منه
فهل الغاية تبرر الوسيلة؟؟