من منافع أحداث العنف التي شهدناها مؤخراً في شوارع بريطانيا أنها أيقظت حساً انسانياً وتعاطفاً مع ضحايا العنف السلطوي لم نعهده لدى النظامين الليبي والايراني وزميلهما السوري . فقد أعلن متحدث باسم نظام العقيد القذافي بأن حكومة ديفيد كاميرون فقدت شرعيتها نتيجة لقمعها لمتظاهرين وبالتالي عليها التنحي. أما رئيس الجمهورية الاسلامية فقد طالب بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية للنظر في البطش الذي تعرض له البريطانيون، كما أعرب قائد قوات الباسيج – التي ساهمت بشكل فعال في قمع حركة الاحتجاجات الشعبية التي تلت الانتخابات الرئاسية قبل عامين و باتت تعرف بالثورة الخضراء، هذا القمع الذي اسفر عن عشرات القتلى والجرحى في صفوف المحتجين – عن استعداد بلاده لنشر فيلقي عاشوراء والزهراء في مدن بريطانيا كقوات حفظ سلام.
وفي المشهد السوري فقد ركزت وسائل الاعلام الرسمية على حالة الفوضى التي عمت شوارع بريطانيا وعلى الوسائل التي نظرت الحكومة في استخدامها لوقف أعمال الشغب واستعادة الأمن, من احتمال نشر قوات الجيش في شوارع المدن الى مراقبة نشاط المشتبه بهم على شبكات التواصل الاجتماعي. قمة الهزل كانت في المقارنة التي عقدها بشار الجعفري، سفير دمشق في الأمم المتحدة، بين أعمال الشغب التي تشهدها بريطانيا وما ”ترتكبه العصابات المسلحة والارهابية” في سورية، وفي اتهامه للحكومة البريطانية بالنفاق والغطرسة.
السفير الجعفري تعامى مختاراً عن حقيقة أن تفكير الحكومة البريطانية باللجوء الى وسائل عنفية للتعامل مع أحداث الشغب يوجب عليها الحصول على موافقة من البرلمان البريطاني، الذي أعطى، بعد مداولات جرت في مجلس العموم الخميس الماضي الواقع في 11 أب / أغسطس، الضوء الأخضر لقوات الشرطة باستخدام الهراوات للتعامل مع المشاركين باعمال الشغب والنهب
وباستخدام الرصاص البلاستيكي ومدافع المياه في الحالات القصوى حصراً. وفي حال استخدم الرصاص البلاستيكي plastic bullets الذي يمكن أن يؤدي في حالات نادرة الى مقتل المصاب به في حال تم الاطلاق من مسافة قريبة وكانت الاصابة في الجزء الأعلى من الجسد – فستكون هذه سابقة تاريخية في بريطانيا. حيث أن المرة الوحيدة التي تم اللجوء فيها الى استخدام هذا النوع من الرصاص كانت في ايرلندا الشمالية أثناء الصدامات الدموية التي وقعت بين عامي 1973 و 1981 وأدى استخدامه حينها الى مقتل 40 شخصاً بينهم تسعة أطفال.
الحفاظ على النظام العام وأمن وسلامة المواطنين مسؤولية أساسية تقع على عاتق أي جكومة في العالم واختيار الوسائل الناجعة للتعامل مع أعمال العنف والشغب حق مشروع لا يجادل فيه أحد. لكن يبقى الفارق الجوهري أن في دول ما يسمى بالعالم الحر والتي تحترم حقوق الانسان – طالما الأمر يتعلق الأمر برعاياها ومن يقيم ضمن نطاق سلطتها القضائية jurisdiction يحصل تقيد بالقوانين و خضوع من جانب السلطة التنفيذية وأجهزتها من أمن وشرطة الى المساءلة من قبل السلطة التشريعية والى المحاسبة أمام السلطة القضائية، بينما في أنظمة القمع والاستبداد القائمة أساساً عل خرق حقوق الانسان كالانظمة السابق ذكرها اعلاه، لا وجود لشيء اسمه التقيد بالقوانين أو عمليتي المحاسبة والمساءلة المرتكزتين الى مبدأ الفصل بين السلطات.
وفي المثال السوري تحديداً وعلى النقيض من كل دساتير وتشريعات الأرض التي تقونن استخدام أجهزة الأمن للعنف في مجابهة الممارسات المخلة بالنظام العام، في سورية تصدر القوانين لتشريع اجرام السلطة بدل أن تسن لحماية الأفراد من تعسف السلطة. فالمرسوم رقم 14 الصادر عام 1969 والموقع من ”رئيس الجمهورية ” نور الدين الأتاسي تنص المادة 16 منه على أنه في حال ارتكب عنصر أمني لجريمة ما أثناء تأديته لعمله فمحاسبته مشروطة بموافقة رئيسه.
——————
باسل حافظ