فارس البحرة
المثقفون والعلمانيون المتعاطفون مع النظام لأسباب طائفية
لا يصرّحون عادة عن أسبابهم، أو عما نعتقد نحن أنها أسبابهم: الانتماء والخوف الطائفيان
يتأوهون ويتباكون ويعددون مساوئ المعارضة وتجاوزات الجيش الحر ويذكّروننا بأنهم حذروا من الفوضى وخراب البلد
يذكرون بمال الخليج والقنوات المحرضة كأنها سبب الثورة
فإذا ذكّرتهم بالمال الإيراني والدعم الروسي للنظام ربما قفزوا إلى الممانعة وقلعتها الأخيرة
أخيراً هم ضد الفساد ومع الإصلاح لكنهم لا يريدون الفوضى والدمار اللذان لا يفيد منهما إلا إسرائيل والولايات المتحدة
كلامهم قد يكون متماسكاً لكن تغيب عنه دوماً النقطة التالية:
لا يصدّقون أن من ثار ثار لأن النظام أوصله إلى الثورة
تغيب عن كلامهم السيرة المتماسكة لاستعباد النظام للشعب السوري عبر عشرات السنين استعباداً بلغ درجة من الإذال فاقت قدرة شريحة واسعة من المجتمع على الاحتمال
يشيرون إلى أن من ثار فعل ذلك بدافع المال و التحريض الخليجيين
يضاف إلى ذلك الرغبة في دخول الجنة والاقتران بحور العين
إضافة إلى الفساد والاستبداد الذي لا ينكرونه ولكنهم لا يجدونه سبباً كافياً للثورة
أعتقد أن هؤلاء الأشخاص صادقون
ربما عانوا فعلاً من الفساد والاستبداد كالآخرين كما نعرف عنهم أو كما يؤكدون لنا
لكنهم لم يعانوا من الاستعباد الذي يوصل البشر إلى حالة: الموت ولا المذلة
يبدو أن بنية النظام الطائفية لم تعرض هذه الفئة من المجتمع للمهانة بنفس المقدار الذي تعرضت له الأكثرية، لذلك لا يستشعرون ما تستشعره الأكثرية بشكل مباشر، ومن يستشعر ذلك فعلاً فإنما بشكل غير مباشر، ولتمتعه بموهبة القدرة على تقمّص الآخر
يبدو أن هناك فرقاً حتى بين أن تتعرض للتعذيب لأنك ترفض المشاركة في استعباد الآخرين، وبين تعرضك للتعذيب لأنك ترفض الإقرار بكونك عبداً
وهذا الفرق ليس مستحيل التجاوز ولكن تجاوزه يحتاج إلى صدق كبير مع الذات، أو إلى نقاء فطري لا يتمتع به الكثيرون
هذا الرأي لا يقتصر على من يتعاطفون مع النظام لأسباب طائفية بل ممكن سحبه أيضاً على أصحاب الانتماءات الطبقية، وعلى كل الفئات التي اعتبرها النظام بدرجات متفاوتة شريكته في استعباد الناس والاستفادة من ذلك
علي أنا شخصياً مثلاً كسليل عائلة شيوعية فيها عدة شخصيات معروفة
وكي لا أكون جوهرياً في تقسيمي للبشر، فإنني سأميل لاعتبار وجود صراع داخلي لدى الأفراد المنتمين لشرائح معينة من المجتمع السوري: صراع بين شعورهم بمذلة الاستعباد من جهة، وشعورهم بأن الأمر لم يكن على هذه الدرجة من السوء بحيث يبلغ الثورة في الأخرى.
وبينما الاستعباد واضح جلي مستمر يكاد يكون نقياً بالنسبة للكتلة الأكبر من الشريحة الثائرة، نجد إنكار أهمية الإذلال بنفس الدرجة من الوضوح لدى الشرائح التي لا ترى لأسباب طائفية وما شابه مبرراً حقيقياً للثورة
ولا ننسى أن هناك دوماً من ينكر حجم المذلة الذي تعرض له لأنه لا يريد أن يعترف بذلك لنفسه !
تعليق واحد
تنبيه: Samantha