بقلم : a alh
—————————
يقول فوكنر:
أن الماضي لا يموت أبدأً و لا يدفن تحت الثرى بل انه ليس حتى ماضياً أبداً، هذا التاريخ الجماعي هذا الماضي يمس ماضي كلاً منا بشكل مباشر .
إذا كان من مثال ينطبق على الحديث أعلاه فهو حماة.
إن مجرد ذكر كلمة حماة يثير في النفس مشاعر متناقضة، تنتقل من الرهبة الى الخوف الى الحزن المقرون باليأس لتصل إلى الأمل.
لقد كانت المجزرة الرهيبة قبل ثلاثين سنة، و لكنها لا زالت تسكن وجدان و عقل كل السوريين، بل يمكن القول أن المكون الأساسي في الخلفية التاريخية الحديثة لسوريا هو حماة، و يمكننا الحديث عن اللاوعي السوري المأزوم بحماة كما لو كان العقدة الأبدية التي سنبقى جميعاً جلادين و ضحايا نرزح تحت وطأتها و نعيش ذكرياتها.
و لكن هل يحق لنا الحديث عن هذه الكارثة الرهيبة كما لو أنها انتهت، فهل فعلاً انتهت وهل هي تنتمي للماضي ؟
في الحقيقة يمكن اعتبار حماة كالخلاصة الحقيقية لما كانت تعيشه سوريا قبلها، و كصورة لمستقبل ما سيحصل بعدها إنها العلامة الفارقة التي يجب أن نبدأ عندها التاريخ السوري الحديث، فكما بدأ التأريخ للبشرية بولادة السيد المسيح كنقطة تفصل منطقتين من الزمان ليستا منفصلتين، فولادة المسيح عليه السلام كانت عبارةً عن التتالي في الرسالات السماوية، كما هجرة المصطفى عليه الصلاة و السلام كانت انتقالاً في الرسالة من مكان إلى مكان و ليست انفصالاً أبداً، فكذلك حماة هي تفصل ما هو متصل و تاريخ ما نعيشه اليوم و حاضر ماضينا الذي يرفض أن يدفن تحت الثرى.
إن الآبناء يكملون ما بدأه آبائهم تماماً فابن المجرم يكمل اليوم جريمة أبيه، و ابن الضحية يُقتل اليوم على نفس المذبح الذي قضى عليه والده، تشابهت الأسماء و الوجوه و تماثلت الأيام و الشهور ، نفس المرأة التي بكت يوماً زوجها تبكي اليوم ابنها الذي قتله ابن قاتل زوجها، نفس الأم التي أفاضت الدمع على ولدها جفّ دمعها و هي تبكي اليوم حفيدها، نفس البيوت التي هُدمت على رؤوس أصحابها و بُنيت ثانيةً عادت لتهدم على رؤوس أصحابها مرةً أخرى، إنها دولة سيزيف1 و بلاد الإله مولوخ2 .
ان الجوهر في المجزرة المستمرة هو الشعور بالأمان عند القاتل بأنه لن يُحاسب على أفعاله، وان استمرار نجاته مربوط باستمرار المجزرة، إنها الدائرة التي لن تنتهي إلا لتبدأ و الحلقة التي لن تنقطع الا عندما يُقضى على الجزار، ان العظام في المقابر ستبقى تضطرم بالغضب، ان الارواح لن تسكن و تهدأ و ان الدماء لن تنقطع الا عندما يحل العدل.
اننا نسمع بين الحين و الآخر بعض الكلام عن العفو و المسامحة و فتح الصفحات الجديدة، فهل يُعقل هذا و هل يملك أياً من أن يعفو عن هؤلاء القتلة، و هل يظن أحدٌ أن العفو سيجلب السلام ؟
ان السلام لا يتحقق الا بالعدل، و ان الأمن لا ينتشر الا بالعدل ، و ان الدول لا تقوم الا بالعدل، فالعدل و العدل وحده هو ما يوقف هذه المجزرة المستمرة و هو وحده الذي يعطي الضمان ألا تتكرر .
انها الهولوكوست التي صنعها الأسد!!!
1- أسطورة يونانية .تمثل سيزيف مؤسس مدينة كورنثه على أنه شخص سيئ السمعة فهو بخيل وغادر وماكر… الخ. حكمت عليه الآلهة بالذهاب إلى الجحيم لكنه استطاع أن يخدع هاديس الهالعالم الآخر و يهرب منه و أخيرا حكمت عليه الآلهة بأن يدحرج أمامه حجرا ويصعد به إلى قمة الجبل حتى إذا ما وصل أفلت منه الحجر وهبط إلى السفح ويكون عليه أن يعاود الكرة من جديدوهكذا دواليك.
2- (أي الملك)، وهو الإله الرهيب، وكان الفينيقيون يتقربون له بأطفالهم ويحرقونهم أحياء أمام ضريحه. وقد حدث في قرطاجنة أثناء حصارها (307 ق.م) أن أُحرق على مذبح هذا الإله الغاضب مئتا غلام من أبناء أسرها..
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم