جريدة سوريتنا | شام داود – سعاد يوسف
ثقافة.. بودار حياة:
شهدت مدينة الباب قرب حلب مبادرة جديدة من نوعها وهي الأسبوع الثقافي، أطلقتها مجموعة من شباب مدينة حلب الفاعل منذ بداية الثورة تطلق على نفسها اسم “مع بعض” وذلك بهدف نشر مفاهيم المجتمع المدني.
وضمن محاولات جريدة سوريتنا تسليط الضوء قدر الإمكان على المبادرات المدنية التي تحصل داخل المدن السورية، قامت بحوار بعض من شباب هذه المجموعة.
يتحدث شباب المجموعة عن أنفسهم لسوريتنا: “شاركنا منذ انطلاقة الثورة السورية بمختلف أشكال الحراك الثوري، ولكن بعد استمرار النظام الوحشي بممارسة مختلف أشكال الإرهاب، والذي ساهم بتخلي الثورة عن سلميتها ودخولها ميدان العسكرة، وبسبب التخوفات الناتجة عن العنف المفرط الذي انتشر في سوريا وجدنا أنه من الضروري التمهيد لبناء مجتمع مدني خال من العنف ولكنه يملك المقدرة على مجابهة الأنظمة الديكتاتورية”.
تهميش متعمد أم ظروف معيشية لا تحتمل
في ظل انعدام فرص العمل والبطالة شبه التامة في مدن المناطق المحررة تعتبر مثل هذه المناطق بيئة خصبة لمثل هذه الطروحات اذ تشهد اقبالا وفضولا من سكان المدينة بشكل كبير على حد تعبير أحد شباب الحركة إلا أنها تعاني من تهميش متعمد لأية مشاريع مدنية خصوصاً في ظل الاحتياجات الكبرى على صعيد التدفئة والغذاء في هذه المناطق، أطلق شباب المجموعة فكرة الأسبوع الثقافي هادفين إلى أن يكون مشروعاً متنقلاً بين مختلف القرى والأحياء في حلب إلا أن الدعم كان العائق الأساسي في وجه ذلك. ” مادياً لم نتلق أي دعم باستثناء مساعدتنا في مصاريف التنقلات والمعدات من قبل بعض الأصدقاء والمشروع تم بظروف سيئة جداً، لكن مع كل الصعوبات فتقبل الفكرة لدى جمهور مدينة الباب كان جيداً. وقريباً ستعاد التجربة في مدينة حلب”.
أما عن محتوى الأسبوع والمحاضرات التي جرت ضمنه يحدثنا شباب المجموعة: “التسمية الأفضل هي أسبوع تثقيفي، وابتعدنا عن السياسة لسببين الأول هو مراعاة الخلافات في الطروحات السياسية والوصول لأكبر شريحة من الناس والثاني حاجة المجتمع السوري لهذه المفاهيم في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ سوريا. تم إلقاء عدة محاضرات والمحاضرون كانوا من خارج المدينة، ومحاضرة المجتمع المدني هي أكثر المحاضرات التي أثارت النقاشات بين المحاضر والجمهور. التقبل وردود الفعل كانت إيجابية ومشجعة، فسكان مدينة الباب ككل المجتمع السوري مستعدون لسماع مختلف الطروحات، باستثناء بعض المتطرفين الذين لايسمعون إلا أنفسهم”.
من المحاضرات اللافتة للنظر كانت عن موضوع اللاعنف، في منطقة تقع بشكل كامل تحت سيطرة كتائب الجيش الحر،
وعن موقف الكتائب الاسلامية والجيش الحر من موضوع مبادرة من هذا النوع، قالوا: “الجيش الحر كان متعاوناً جداً معنا في مختلف المبادرات التي قمنا بتنفيذها ولم يحدث أن تعرضنا لمضايقات منهم بل على العكس كانوا عوناً لنا، أما بالنسبة للكتائب الإسلامية فالغالب منها رفض التعاون معنا وبعضهم حاول تشويه المشروع عن طريق إثارة بعض الشائعات حول المجموعة كالعلمانية والكفر وما إلى ذلك”.
الثقافة أيضا عرضة للعنف:
أما عن سراقب وما حصل في المنتدى الثقافي الأسبوع الماضي، والروايات التي تناقلتها مواقع الانترنت حول اقتحام بعض الملثمين منتدى التكافل الاجتماعي وأحد المراكز الإعلامية هناك وما تداعى عنه من طلب مغادرة للصحفيين الأجانب والناشطات السوريات على حد سواء، فقد حاولت سوريتنا تقصي الحقائق عن تلك الحادثة بشكل موضوعي من النشطاء هناك، وأفاد أحدهم بأن الأيام الأخيرة “سجلت أكثر من حالة اعتقال بأشكال مرعبة وممنهجة. يقول الكثيرون إن هذه الاعتقالات لم تهدف للاعتقال بقدر هدفها لإيصال رسالة مفادها أن السلطة الأمنية هي السلطة الأعلى كما تعودنا في زمن النظام، ولكنها سلطة أمنية بنكهة جديدة لم نتذوقها من قبل”.
وعن اللجنة الأمنية المسؤولة عما يحدث حدثنا الناشط بتفصيل أكثر: “اللجنة الأمنية مؤلفة من معظم الكتائب بما فيها جبهة النصرة إلا أن الأخيرة تعتبر قيادية في اللجنة إلى حد ما. إنها مصطلح جديد ضمن الثورة في سراقب وقد تم تشكيلها منذ حوالي الأسبوعين، إلا أنها لم تظهر بمظهر واضح حتى اليوم ولم يصدر عنها سوى بيان واحد تعلن فيه اعترافها بالمجلس المحلي ودعمها له، وقد قمنا بالمطالبة بتوضيح أكبر لمهامها، وذلك رغم أنها تأسست بقرار من جهة تمثل الجناح السياسي للواء جبهة ثوار سراقب، بهدف أن تكون قوة مشترك لدعم المحكمة والمجلس المحلي. هذه اللجنة هي من قامت باقتحام المنتدى الثقافي، ونحن نلوم المجموعات الإسلامية وغير الإسلامية على ما حدث”.
يسقط البوط العسكري:
إن أحد أهم الآراء كان حول أهمية حدوث ما حدث، فهو حسب رأي الكثيرين كان جيداً وضرورياً في إعطاء الدافع لإبداء ردات الفعل المناسبة، وفتح المجال أمام الكثيرين للتكلم عن الأخطاء التي تحصل باسم الثورة.
وفي رد مباشر على ما حصل من قبل اللجنة الأمنية خرج نشطاء سراقب في مظاهرة حملت عنوان لا للملثمين في مدينتنا، ثورتنا لجميع السوريين، لا للتعدي على الحريات. رددت في هذه المظاهرة هتافات الثورة الأولى وأعادت إحياء ألق السلمية والأهداف التي خرج لأجلها أهل سراقب منذ الأيام الأولى للثورة.
في اصرار منهم على التأكيد على مدنية الثورة وإطلاق الحريات كمكسب أساسي في المناطق المحررة والتركيز على تجربة سراقب المميزة في الديمقراطية الناشئة.
وبناء عليه دعي إلى اجتماع موسع تم فيه نقض سلوك اللجنة الأمنية والتقدم بطلب إشراك المدنيين فيه وتحت مظلة الإدارة التنظيمية والقضاء.
الثقافة في مواجهة التقاليد:
وكمثيلتها في مدينة الباب تلك المبادرات أيضاً تقع بدورها تحت تهميش بسبب الشائعات التي تنتشر حول تناول بعض الصحفيين فيها الكحول مما يدعو سكان مدينة محافظة بتقاليدها مثل سراقب إلى تجنبها وبالتالي إلى تحجيم عملها الداعي الهام في إثارة النقاشات وإلقاء المحاضرات حول الوضع السياسي والإجتماعي وتفعيل العمل المدني.
مدارس ضرورية.. وممارسات فردية ينأى لها الجبين:
ضمن نفس مبادرة التكافل الاجتماعي أسس نشطاء سراقب مدارس تطوعية لضم الأطفال في حلقات دراسية
حدثنا أحد المؤسسين عنها بقوله:. قمنا بإنشاء مدرسة باسم المدرسة (الفاضلة)اليوم لدينا 100 طالب وطالبة مرحلة الصف التاسع.
الكادر يضم عددا من الجامعيين المتطوعين والمؤمنين بالفكرة أغلبهم من خريجي الجامعات الذين لم يستفيدوا من فرصة عمل ومنهم من لم يكمل دراسته.
بالإضافة إلى قاعة تهتم بدورات بالتنمية البشرية لكل من الذكور والإناث على التوالي.
لا تزال تلك الديمقراطية الناشئة تحتاج إلى كثير من الدعم بالرغم من هذه التجربة المميزة و”الهامة” على صعيد استعادة المؤسسات التعليمية وتأطير الأطفال المنقطعون عن الدراسة بسبب تنامي وتيرة العمل المسلح وتهجير الكثيرين، فقد حدثنا أحد المؤسسين عن قيام أحد أفراد كتيبة تابعة لجبهة النصرة في المركز المحاذي للمدرسة باستدعاء بعد الأطفال الخارجين لشراء بعض الحلويات لدى البقالية القريبة وتأديبهم لانزعاجه من ضحكهم، وذلك بدعوى سلوكهم السيئ.
وقد استنكر الناشط تلك الممارسات ووصفها بالمخجلة واللامقبولة ودعا بدوره للمشاركة في المظاهرة ضد هذه التصرفات والاستبداد الجديد على حد تعبيره “أول مظاهرة خرجت ضد النظام في سراقب كانت ضد الاستبداد.. غداً تعود”.