مايا الشامي
——————————-
مع انطلاق ثورة الكرامة في سوريا توجّهت الأنظار نحو ساحات الحريّة في أرجاء الوطن، ولكن في ظلِّ احتلالٍ بعثيّ قام على جماجم السوريين واحترف القتلَ منذُ تأسيسه، ضاعت آمال ” الاعتصام حتى يسقط النظام “…
هنا بدأت الحكاية … فمع بدء القتل والمجازر بدأنا ننتظر العلامات الأولى لظهور الناتو المنتظر التي كانت إحداها – كما اعتقد الكثيرون – تشكيل المجلس “الوطني”، وعزّزتها لهم التصريحات التي توالت على ألسنة وكلاء الكونغرس وأباطرة السياسة الخارجية الأمريكية والأوربيّة، لكن العلامات الكبرى ظلّت بعيدة.
ما غاب عن الجميع هو أنّ تلك العلامات البعيدة لم تكن علاماتٍ لظهور الناتو، إنما كانت علاماتُ إطالة أمد الثورة، لا لتنتصر طبعاً بحسابات المتآمرين عليها إنما ليستعيد الاحتلال سيطرته من جديد. وأخذت جرعات التخدير تبدأ مفعولها لينال المجلس الوطني اعتراف بعض الدول من جهة ولتظهر علينا، من جهة أخرى، عرّابة السياسية الأمريكية كل نهاية أسبوع بتصريح لايزيدنا إلّا إصراراً على إكمال طريق النصر ويزيد الاحتلال يقيناً بأن الضوء أخضر بأعلى درجاته.
سذاجة ساستنا “المخضرمين” أوهمتهم أنّ المشكلة تكمن في الفيتو الصيني والروسي، وتناسوا حقيقة أنّ الاحتلال البعثي لايخدم مصالح هؤلاء فقط وأنّه يُعتبر صمّام الأمان في المنطقة للحفاظ على أمن “الكيان الصهيوني” الابن المدلّل لبريطانيا العظمى وحليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكيّة والذين راهنوا منذ البداية على أحد خيارين : إما أن يستعيد الاحتلال زمام السيطرة على البلاد أو أن تُنهك سوريا أرضاً وشعباً وترضخ تحت خطة ” مارشال ” بحلّة جديدة تنأى بها عن أن تُشكّل أيّ خطرٍ حتّى أجلٍ غير مسمّى على صنيعتهم في قلب المنطقة.
قراءةٌ سريعة لتصريحات وكلاء السياسة الأمريكية وصبيانهم في محيط سوريا الإقليمي والدولي كفيلةٌ بأن تعطي مؤشّراً واضحاً على مسارٍ تصاعدي يأخذ منحىً متزامن مع مظاهرات أيام الجمعة باعتبارها الذروة كل أسبوع. كانت تلك التصريحات تعطي دفعاً للثورة بأن القرار الدولي بات قريباً، وبالطبع تأتي جلسات مجلس التآمر الدولي لتضع حبة الكرز كل شهر على كعكة المواقف الدولية مجتمعة، ويبقى الجميع بانتظار الناتو.
في هذا السياقِ الفوضوي تتكاثرُ الفطريّات على الثورة، ويأتينا كلُّ يومٍ داعمٌ جديد، يرتدي عباءةً مطرّزةً تارة ، وملوّنة بألوانِ الطمع الأحمق تارةً أُخرى، هذا الطمع الذي اختار المتاجرة بدماء شهدائنا وعذابات معتقلينا متناسين أنّنا أطلقنا على ثورتنا اسم ” ثورة الكرامة ” واخترنا طريقاً لا يقبل التفاوض مع احتلال جديد ولا يقبل مساومةً على مبادئ لا تصنع فقط تاريخاً لسوريا الحرّة بل تُعيد رسم خارطة المصالح السياسيّة … وبأيدٍ سوريّة فقط.
وفي نفسِ الإطار أضاعت من أسمت نفسها ” مُعارضة ” بُوصِلتها في دهاليز الفنادق والمؤتمرات، اختارت أن تكون مجلس استنكارٍ وإِدانة ومُطالبة وغفلت عن الحقيقة الواضحة بأنّها صنيعةُ ثورة الداخل وبأنها أخذت شرعيّتها من دماءِ الشّهداء وصرخات عائلاتهم المكلومة فكان خطؤها القاتل بأنّها لم تختر أن تُصغي لمن اختارها وصنعها … ذلك الداخل الذي لم ولن يُضيع بُوصِلته مهما كان الثمن.
ثورتنا لا تحتاج إلى انبطاحٍ سياسي ولا ” ثورجي “، إنها بحاجة لأن تنتظِم وفق خطّها الذي اختارته منذ البداية، أن تستعيد أدبيّاتها التي بعثرتها علامات ظهور الناتو ومشاحنات المال السياسيّ الذي آن لنا أن نَكفُر بهِ ونُعلن أنّ قادة ثورتنا وعرّابوها هم داخل سوريا، هم أولئك المرابطون في ساحات القتال حتى الانتصار.
لم يُدرك المنتظرون على أعتابِ الناتو أنّ العلامةَ الوحيدة لأيّ تدخّل من أيّ جهةٍ خارجيّة أو أيّ متسلّق هو قربُ انتصارِ ثورتنا العظيمة، ولعلّها بدأت تظهر هذه الأيّام مع بدءِ زلزال دمشق وما حدث في الساعاتِ الأخيرة من مؤشّرات يُوحي بذلك . فها هي وجوهٌ شاحبة تُطِلُّ علينا ومازال غُبارُ البعثِ يلفحُها لتتصدّر المشهد الأخير، وهاهم روّاد اجتماعات العالم الافتراضي ونجومه يُتحفوننا بخطابِ نون الجماعة ويُطربون آذاننا بمصطلحاتٍ ثوريّة ( قُمنا وخطّطنا ونفّذنا ونُحذّر ونصرُنا قريب … الخ)، كل ذلك بالتوازي طبعاً مع تصريحاتٍ أمريكيّة وأوروبيّة لتُقحم نفسها في المشهد الأخير نفسه … ذلك المشهد الذي صنعته فقط دماء وعذابات الثوار على أرض الثورة.
وعند اكتمالِ اللوحة سيكون تدخّلهم في لحظةٍ تُضيع على الثوار الحقيقيين نشوة الانتصار وحلاوته، ليتحوّلوا إلى المخلّص المنتظر وتُنهَك ثورتنا نفسيّاً ومعنوياً كما أُنهكت على جميع المستويات الأخرى.
آن للجميع أن يسمعوا صوتاً أتى من عمقِ التضحية … من ثوّار الداخل الذين كتبوا وثيقة الاستقلال منذ الشهر الخامس 2011 وأخبرونا أنّ قراءتهم السياسيّة تقول أنّه لا وجود للناتو المنتظر في أدبيات ثورةٍ اختارت أن تقتلع جذور احتلال جثم على صدور السوريين منذ أكثر من أربعين عاماً، أخبرونا أنهم لن يستبدلوه باحتلال آخر … أنهم قاموا بثورة ” الكرامة ” ليستعيدوا كرامةً كاملةً غير منقوصة … وأن يكون انتصارهم بأيدٍ سوريّة… وسوريّة فقط .