محمد أحمد
——————-
في الأسابيع القليلة الماضية أصبح النظام السوري يرى أن نهايته ممكن أن تكون أقرب بكثير مما كان يتوقع أو يشتهي، و ذلك لتضافر عدة عوامل لم يكن النظام يأخذ العديد منها في الحسبان.
فعلى الصعيد الداخلي شكل الجيش السوري الحر نقطة تحول مهمة في مسار الثورة ، حيث لم يكن النظام معتاداً أن يسمع كلمة كلا منذ أكثر من أربعة عقود، و إذ به يتلقى الصفعة تلو الأخرى من الجنود المنشقين عن الجيش النظامي، إلى حد وصل فيه النظام إلى فقدان السيطرة على بعض المناطق كما حدث في بعض من أحياء حمص و بلدات و مناطق أخرى في إدلب و ريف دمشق و على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة دمشق، و رغم أن تصريحات العقيد رياض الأسعد حول تعداد الجيش الحر حيث قال إنه وصل إلى حوالي أربعين ألف جندي و ضابط ، وُصفت من قِبل بعض وسائل الإعلام و المحللين السياسيين و العسكريين بالمبالغ فيها، و رغم تواضع إمكانيات الجيش الحر مقارنة بالجيش النظامي باعتبار أن المصدر الرئيسي للأسلحة فيه هو الأسلحة التي بحوزة الجنود لحظة انشقاقهم بالإضافة إلى الغنائم التي يحققها في عملياته، إلّا أن هذه العمليات تزداد جرأةً يوماً بعد يوم مما يجعل الجيش الحر طرفاً بالغ الأهمية في المعادلة السورية،حيث استطاع أن يكسب تأييد و التفاف الشعب حوله في ظل غياب معارضة سورية موحدة و فاعلة، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع وتيرة الانشقاقات بشكل ملحوظ ، كما إن وحشية النظام و آلة القتل التي نشرها في معظم أنحاء البلاد لم تثن من عزيمة المتظاهرين السلميين الذين تتزايد أعدادهم باستمرار في ظل تلاشي الطبقة الرمادية من المجتمع السوري شيئاً فشيئاً و انضمامها إلى الثورة،بعد أن أصبح الشعب السوري برمته يعلم علم اليقين حقيقية ما يجري في سورية
هذه التطورات الميدانية غير المتوقعة دفعت النظام إلى حالة غير مسبوقة من الهستيرية و الوحشية و أفقدته الثقة حتى بأقرب المقربين إليه،و بات يعتمد في عملياته بشكل أساسي على الفرقة الرابعة الميكانيكية البالغ تعدادها عشرين ألف مقاتل بالإضافة إلى الحرس الجمهوري الذي يضم عشرة آلاف مقاتل يعتبرهم النظام من عظام الرقبة.
أما على الصعيد الخارجي فيجد نظام عائلة الأسد نفسه في مأزق حقيقي هذه المرّة ، بعد تحّول بارز في مواقف بعض حلفائه كتركيا و قطر،بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة العقوبات الأوروبية و الأمريكية.
و حتى إيران عرّابة النظام السوري تواجه صعوبات غير مسبوقة، نتيجة الطموح الإيراني الذي يتجاوز بكثير إمكانيات البلاد، ففي حين تبذل دول الخليج العربي و تركيا ما في وسعها لإيقاف المد الشيعي على حساب السنة دون الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران، فإن الدول الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة ستلجأ للخيار العسكري دون شك في حال نفذت إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز كردٍ على عقوبات أوروبة و اليابان التي طالت قطاع النفط الإيراني، و يرى والتر لاكيور مستشار مركز واشنطن للدراسات الدولية و الاستراتيجية في مقال نشرته صحيفة لا بانجوارديا الإسبانية أن إغلاق المضيق،حيث يمر خمس النفط المتداول في العالم، سيؤدي إلى ارتفاع في الأسعار قد يصل إلى المئة بالمئة من السعر الحالي،الأمر الذي لا يستطيع الغرب أن يسمح به في ظل الأزمة الاقتصادية التي تثقل كاهله و التي تٌعد السبب الرئيسي في عدم اتخاذ أية تدابير عسكرية ضد إيران حتى الآن.
هذا الوضع الإقليمي الأشبه ما يكون بقنبلة موقوتة زاد من خوف النظام السوري و من عصبيته، فهو يدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن ضربة عسكرية ضد إيران ستعني نهايته حتماً، ذلك أن إيران لن تستطيع حمايته إلى الأبد ناهيك عن حماية مخططاتها،و في حين يرى المسؤولون الإيرانييون أن الطريق الوحيد للخروج من المأزق هو بامتلاك سلاح نووي،و هم على بعد عامٍ واحدٍ عن ذلك تقريباً، إلّا أن الموضوع من وجهة نظر الغرب يتعدى امتلاك السلاح النووي أو عدمه إلى عدم السماح لإيران أن تصبح قوة مسيطرة في المنطقة.
أما الحليف الروسي فهو حليف لا يمكن الوثوق به، فهو و إن كان يفضل بقاء النظام السوري الحالي في السلطة، فإنه لا يريد أن يفرض أي سيناريو معين للمنطقة، و إنما يريد أن يفرض شروطاً تضمن استفادته من أي سيناريو محتمل، حيث عارضت موسكو منع بيع الأسلحة إلى سورية بذريعة أن الأسلحة في تلك الحالة لن تصل إلى النظام و لكنها ستستمر في الوصول إلى أطراف أخرى، و لعل السبب الحقيقي وراء تبني موسكو لرواية النظام السوري حول الجماعات المسلحة يفسره مقال أوردته صحيفة كوميرسانت الروسية عن صفقة الأسلحة التي أٌبرمت بين دمشق و موسكو قبل أسابيع قليلة،و التي تشمل 36 طائرة حربية مقاتلة من طراز ياكوفليف ياك 130 ميتتن بقيمة 550 مليون دولار و بسعر تقريبيٍ يبلغ 13.5 مليون دولار لكل طائرة.
حيث قالت الصحيفة نقلاً عن مصدر رسمي في روسوبورونيكسپورت المصدِّر الرسمي للعتاد الحربي الروسي إن شركة إركوت ستقوم بتصنيع هذه المقاتلات التي يُتوقع أن تكون جاهزةً في وقت قصير نسبياً،و سيتم تسليمها تباعاً إلى النظام السوري ما إن يقوم الأخير بتسديد الدفعة الأولى من قيمة الصفقة.
و سياسياً و رغم استخدام روسيا لحق النقض في المرة الأولى التي عرض فيها الملف السوري في الأمم المتحدة، و رغم التهديد باستخدامه مجدداً، إلّا أن اللين بدأ يلاحظ في الموقف الروسي و استعداد الروس للتفاوض لم يعد خافياً على أحد،فليس من مصلحة روسيا عزل نفسها عن العالم، سيّما و هم أنفسهم يعانون من اضطرابات داخلية، و حتى الحرب المحتملة على إيران ستصب في مصلحتهم في ظل الارتفاع الكبير الذي ستشهده حينئذٍ عائدات صادرات النفط الروسي.
إن الوحدة الوطنية للشعب السوري هي وحدها القادرة على إحكام الخناق على نظام الأسد وصولاً إلى اجتثاثه من سدة الحكم، كمرحلة أولى من طريق صعب و معقد نحو بناء دولة ديمقراطية، في ظل التكالب الدولي على المنطقة و الذي حوّل بعض دول الجوار إلى رقعة الشطرنج التي تٌلعب عليها السياسة الدولية، في حين أن الأنظمة المحلية لم تمانع أن تكون أحجاراً لا حول لها و لا قوة تدار من الخارج و تفعل أي شيء يٌطلب إليها في سبيل بقائها في السلطة.