نور الدين الدمشقي *
حصل تطور لافت في ردود النظام البعثي على التهديدات التي يتعرض لها عرشه في سوريا، فقد كان دائماً ما يهدد العالم وشعبه بشكل غير مباشر، فيستخدم إما شخصيات غير اعتبارية، أو شخصيات “مستقلة” أما مؤخراً فلجأ إلى التهديد المباشر من شخص الرئيس. واللجوء إلى الشكل غير المباشر مؤشر ضعف وعدم قدرة على تبني تهديدات وتنفيذها أي إنها لا تتعدى بالونات كلامية. فالمسمى “شريف شحادة” مثلاً هدد السعودية والخليج بإثارة النعرات الطائفية وإثارة الطائفة الشيعية الكريمة على دولها، والمدعو طالب إبراهيم قال إن أمن دمشق من أمن مكة المكرمة، وهذا شيخ السلطان مفتي البعث أحمد بدر الدين حسون يعتمر عمامة أسامة بن لادن ويمتشق بندقيته ويهدد أوربا بالانتحاريين كما فعل هو نفسه في العراق عندما كان ينظم إرسال “مقاتلي القاعدة” لتقوم بعمليات انتحارية هناك ضد القوات الأجنبية وضد المدنيين من الطائفة الشيعية الكريمة والمسيحيين الكرام وأفراد الطائفة السنية الكريمة الذين يخالفون القاعدة فكرياً.
لا يشير حديث بشار الأسد لصحيفة الديلي تيليغراف البريطانية وتهديده المباشر إلى أن النظام قد اكتسب قوّةً حتى يهدد علناً بل إلى فقدانه التوازن وترنحه نتيجة الضربات المتتالية التي يوجهها له الصمود البطولي للمنشقين عن كتائبه وتوسع هذه الانشقاقات مترافقةً مع زيادة زخم المظاهرات عقب إعدام القذافي ميدانياً وإلى التأثير المتصاعد للعقوبات الأوربية على النظام. يوفر التاريخ لنا أمثلة عديدة عن التهديدات الجوفاء للطغاة ما قبل السقوط: أطلق مثلها صدام وهدد القذافي بالزحف المليوني ليطهر أرض ليبيا، فلم يجد صدام إلا حفرة ليختبئ داخلها وأخرج الثوار الليبيون القذافي من أنبوب الصرف الصحي.يهدد بشار في هذا الحديث بعشرات الأفغانستانات وبزلزالٍ يحرق المنطقة؛ فسوريا، كما قال، ” تقع على خط صدع المنطقة”. يبدو الاضطراب جلياً في حديث بشار فالزلازل لا تحرق، كما قال أيضاً، بل تدمّر. ولكننا نرى كل يوم منذ ثمانية أشهر أن بشار أعجز من أن يطفأ النار في ثوبه فكيف به يريد أن يحرق المنطقة!
وقبل هذا نشرت صحيفة إيرانية ما قالت إنه رسالة من بشار الأسد أبلغها إلى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو تزعم قدرته على إشعال المنطقة في غضون ساعاتٍ ست. وفي هذه الخطة تتحرك سوريا وحزب الله وحماس لتمطر إسرائيل بالصواريخ خلال ثلاث ساعات وتتكفل إيران خلال الساعات الثلاث الأخرى بالقواعد الأمريكية وبآبار النفط وبإغلاق المضائق. نفى الإعلام السوري هذه الرسالة، فصدق وهو كذوب، فبشار رجل رعديد أجبن من أن يقول شيئاً كهذا وجهاً لوجه لممثل تركيا القادرة على دخول دمشق خلال 72 ساعة. لكن هذا لا ينفي صدور الرسالة التي تقصّد النظام أن تكون غير مباشرة فهو أضعف من أن يقولها مباشرة.
وبقراءة متأنية لرسالة التهديد نجد أن الثلاث ساعات الأولى تشتمل على هجوم صاروخي سوري ولبناني (حزب الله) وفلسطيني (حماس والفصائل الأخرى). الهجوم السوري ممكن من الناحية النظرية صعب التنفيذ من الناحية اللوجستية فالأراضي السورية منخفضة والأراضي المحتلة من إسرائيل مرتفعة والأفضلية في هذه الحالة لإسرائيل التي تستطيع تدمير شحنات الصواريخ من خلال الطائرات من دون طيار أو من مواقعها على جبل الشيخ المحتل. لا يتمتع النظام البعثي، على خلاف نصر الله، بالموقع الإستراتيجي أو التضاريس الوعرة التي تساعد على نقل الصواريخ بشكل مضمون فتضاريس الحدود السورية الإسرائيلية سهلية من الجهة السورية وجبلية من الجهة الإسرائيلية. أما الهجوم الفلسطيني فهو مستبعد تماماً فحماس نأت بنفسها عن النظام البعثي وأخذت تتجه نحو مصر وقطر والأردن وتركيا فوقعت اتفاق مصالحة مع فتح وأنجزت صفقة الإفراج عن شاليط مقابل الأسرى الفلسطينيين بمساعدة المخابرات المصرية والبارز في هذه الصفقة نصّها على عدم التعرض لأعضاء حماس عند انتقالهم من دمشق. أما حزب الله فأمره ليس بيده بل بيد الولي الفقيه.
ومن حسن الحظ أن حليف الأسد شريكه في التهديد لا يمتلك حدود مشتركة معه وإلا لتعقدت أمور التدخل الدولي أو الإقليمي. وتنفيذ الشق العسكري من الجانب الإيراني يكاد يكون مستحيلاً فدول الخليج محمية ببطاريات الباتريوت ناهيك عن الأسطول الأمريكي الراسي في الخليج العربي وقوة سلاح الطيران السعودي والإماراتي لكن هذا لا ينفي إمكانية القيام بأعمال انتحارية في الخليج. أما من ناحية الفتن، فتستطيع إيران أن تحرك بعضاً من أتباع الطائفة الشيعية الكريمة في السعودية والبحرين كما رأينا في الفترة الأخيرة. أما وكيل إيران في شرق المتوسط—حزب الله—فيستطيع القيام بالكثير لكن من المستبعد أن يعمل انفرادياً.
ينبغي على المجلس الوطني السوري أن يفتح قنوات اتصال خلفية مع إيران للجمها ولإقناعها أن لا تتدخل في معركة خاسرة. إيران دولة تتمتع بحنكة سياسية وبرغماتية كبيرتين ومن المستبعد أن تنتحر كرمى عيون الأسد إن كانت تستطيع المحافظة على مصالحها ولو بالحد الأدنى وهكذا يمكن تحييد حزب الله وتركه يعمل ضمن نطاق التهديد. من الضروري للمجلس الوطني السوري أن يُوقع القطيعة بين الحليفين رغم بغض الشعب السوري الكبير لإيران فلا عواطف في السياسة ولا أخلاق بل مصالح مجردة.
ويجب ربط ساعات الأسد الست وتهديداته بما قاله وليد المعلم، عندما ملأ الشاشة بطولها وعرضها وقد تأبط شراً، بحق أي دولة تعترف بالمجلس الوطني السوري. ومن الواضح أن هذه التهديدات موجهة للإتحاد الأوربي وأمريكا وتركيا والخليج العربي.
العقوبات الجدية التي يستطيع المعلم فرضها هي على تركيا والخليج العربي. حيث يستطيع تحريك الخلايا النائمة في الخليج للقيام بتفجيرات وعمليات إرهابية وإثارة القلاقل والفتن الطائفية ومَثَلُ هذا الخلية البحرينية التي أوقفتها دولة قطر وكانت تلك الخلية تخطط لاستهداف مواقع خليجية حساسة من بينها الجسر الواصل بين السعودية والبحرين. وكذلك التهديد باحتلال الخليج العربي كاملاً!1 أما على الجانب التركي يمكن لبشار تحريك حزب العمال الكردستاني وإمكانية استهداف المنشآت الحيوية التركية كالمطارات والقواعد العسكرية ومحطات القطار والمترو ومنشآت توليد الكهرباء والسدود2 بالصواريخ لتنفيذ رسالة بشار التي نقلها وئام وهاب، وهي أيضاً رسالة غير مباشرة تشير إلى عجزه عن تطبيقها، القاضية بإطلاق مائة ألف صاروخ نحو تركيا مع أول قذيفة تركية تسقط على قوات الأسد. وما تهديد عبد الله غل لسوريا من استخدام حزب العمال إلا مؤشر على هذه الورقة وتنبه الأتراك لها.
لكن ما هي العقوبات التي ستفرضها سوريا بحق أوربا؟ إنها سياسة التشبيح الخارجي التي بينتها تصريحات شيخ السلطان، زعيم القاعدة الجديد، أحمد بدر الدين حسون المتمثلة بعمليات انتحارية إلى أوربا. سبق القذافي الأسد في هذا التهديد وكان كلامه أجوفاً وهذا شأن الأسد فقد قلمت الثورة مخالبه وتركته يزأر بصوت مبحوح مرتجف فيظهر زئير الأسد على حقيقته؛ مواء قط أجرب.
العقوبات الأخرى التي يمكن أن تفرضها سوريا بحق أوربا هي منع تصدير البيض والطماطم ورميها على سفراء وسفارات هذه الدول في سوريا وإيقاف المعونات الفنية والمالية التي ترسلها سوريا لأوربا وحرمان أوربا من النفط السوري وإيقاف صادرات “المكدوس والشنغليش والكشكة والفتة والزيتون المكلس والزيتون العطون والزيت والزعتر والمامونية”3 لتجويع الأوربيين حتى يأتوا المعلم صاغرين معترفين بذنوبهم.
أما عقوبات سوريا بحق الولايات المتحدة فتشمل استهداف قوات الأخيرة في العراق وفرض العقوبات الغذائية والإرهابية نفسها التي فرضتها على أوربا وإمكانية ابتلاع المعلم لأمريكا ومسحها من على الخارطة، كما فعل بأوربا، إضافة إلى استهداف إسرائيل ويمكن أيضاً أن تعترف سوريا بالمجلس الوطني الأمريكي الانتقالي الذي قد تشكله قناة الدنيا للمتظاهرين الأمريكيين في وول ستريت.
وفي هذا السياق يجب قراءة أن الاعتراف الليبي بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعياً للشعب السوري ليس من باب “الكيد” رداً على دعم الأسد للقذافي وإمداده للأخير بالطيارين، بل هي بالون اختبار لما يمكن أن يقوم به النظام. ولما كانت هذه التهديدات جوفاء ولم يستطع القيام بشيء، تلا هذا ترحيب أوربا وأمريكا بتشكيل المجلس وتلويح عربي بالاعتراف به ضمن ما يُسمى “المبادرة العربية”.
يدرك النظام البعثي أنه بلغ مرحلة متأخرة في عمره وأن التدخل الدولي أو الإقليمي بعد تجميد عضويته في الجامعة العربية بات على الأبواب لذلك بدأ يوزع التهديدات ذات اليمين وذات الشمال. لقد أفلس بشار والعرب تقول: الكلب الذي يعوي كثيراً، نادراً ما يعض.
* كاتب سوري مقيم في ألمانيا
بون
مدونات إيلاف
شؤون سورية
_____________________________________________________
1. يتداول أنصار النظام نكتة تفيد أن خبيراً عسكرياً روسياً رفيعاً يجزم أن الجيش السوري قادر على احتلال الخليج العربي بكامله خلال ثلاثة أيام!
2. أطلق هذا التهديد السيد طالب إبراهيم في محاضرة كان يلقيها فقال له أحد الشباب: “إن قصفتم سدود تركيا، فنحن من سيغرق بالمياه لا الأتراك!”
3. أناشد المعلم في هذا السياق أن لا يحظر هذه الأكلات الشعبية السورية لأنه سيعاقبنا، نحن المهاجرين السوريين، لا الشعوب الأوربية.
تعليق واحد
تحياتى لسوريا وأهل سوريا كــــــــــــلها
تحياتى للأحرار فى كل مكان من أرض الله