1- في فرع الأمن
في البداية نود أن نعتذر عن جفاف هذه الورقة ولغتها العملية، لأن الهدف منها هو عملي بحت.
في هذه الورقة مشاركة للتفاصيل التي يمر بها المعتقل من لحظة اعتقاله وحتى خروجه. لان المعرفة سلفاً بهذه التفاصيل، تدعم الدفاعات النفسية.
1- الدخول:
– تسليم الأمانات.
– تسليم الحسابات الإلكترونية وكلمات السر.
2- التحقيق:
– كتابة التصريح الخطي.
– كتابة الضبط.
3- التحويل إلى القضاء أو إطلاق السراح.
لحظة الاعتقال، تدخل إلى غرفة الاستلام، يأخذون هويتك، يسجلون المعلومات العامة عنك، يستلمون كل ما بحوزتك ويضعونها في الأمانات، وكل ما بحوزتك أي حتى الساعة والحزام وأربطة الحذاء، ربطة الشعر، المجوهرات، النظارات،… الخ.
وهذه التعرية هي أول الرقص في جعلك ضعيفا ومستباحاً.
تنتهي العملية في عشر دقائق إلى ربع ساعة كأقصى حد، (في حال ليس لديهم زحمة اعتقالات)، بعدها مباشرة تدخل الغرفة الثانية وهي غرفة الآي تي(IT): الكمبيوتر، تمتد أمامك ورقة لتكتب عليها كل حساباتك وكلمات السر الخاصة بها.
بعد فتح الحسابات، تدخل زنزانتك ويبدؤون هم بطباعة كل ما يدينك من مراسلات ومحادثات وأسماء ومعارف وآراء. هذه الخطوة هي فاتحة الحديث، أي إن لم يكن لديهم معلومات واضحة عنك، فهم بهذه العملية حصلوا على كل ما يريدون من أدلة، ليستطيعوا البدء بإدانتك ومهاجمتك وتوجيه الأسئلة.
البعض تجاوز هذه النقطة بخلق حسابات باسمه الحقيقي لا تتضمن أي نشاط يخص السياسة والثورة.
البعض الآخر تفاجأ تماما وسلم كل حساباته التي باسمه الحقيقي، والتي باسمه الوهمي.
آخرون رفضوا تماما تسليم أي كلمة سر وأي حساب، وكانت ضريبتها فعلا بسيطة: رميك في الزنزانة لأيام دون التحدث إليك أو بدء التحقيق معك، وهذا يعني أيضا أنك حرمتهم من أي “بداية” ينطلقون منها معك، وبالتالي اضطررتهم للبحث أكثر عنك علهم يجدون معلومات يبدؤون منها معك، لأنهم غالبا لا يعرفون شيئا مفصلا، وإنما: إما لديهم شكوك، أو أحدهم أشار بأنك بالعموم معارض أو ناشط.
الرفض ضريبته المزيد من زمن الاعتقال في الزنزانة لا أكثر للصبايا، أما للشباب فالقليل من العنف.
البعض تركوهم دون أن يبدؤوا بالتحقيق لعدة أيام حتى تصبح نفسيتهم أقل تماسكاً، البعض الآخر بدؤوا معهم من يوم الاعتقال الأول وبشكل مباشر وعنيف (العنف مع من يعتبروهم من طبقة المتعلمين أو المثقفين أو المشهورين: الاستهزاء والسخرية وتحقير الأفكار، الصراخ، نادراً: الضرب).
التحقيق هو مرحلتين:
– التصريح الخطي: يكتب فيه المعتقل إجاباته على الأسئلة بخط يده.
– الضبط: يكتبه المحقق بناء على التصريح الخطي.
لا يمكن لأي معتقل أن يخرج دون أن يمر بالمرحلتين مهما فعل، ومهما كانت وسائطه.
أقل مدة استغرقها التحقيق سمعنا بها هي ثلاثة أيام، كتب خلالها التصريح الخطي، والضبط. وهو زمن خيالي نسبة إلى الكثيرين، حيث يعتمد التحقيق في صلبه على إضعاف المعتقل بسحب القلم والورقة منه ورميه لأيام، فقط ليمر الزمن كعقوبة لا أكثر ولا أقل، وأحيانا يمر الزمن على المعتقل دون تحقيق ليس من باب العقوبة ووهن النفسية، وإنما ببساطة لأن المحقق لديه أكثر من ملف وغير متفرغ للجميع.
لهذا تطول إقامة البعض أكثر من غيرهم.
أسباب أخرى لطول الإقامة:
– عدم التجاوب مع المحقق، عدم إعطاء المعلومة التي يطلبها من المعتقل، لذا لن يغلق الضبط (وهو المرحلة الثانية والأخيرة من الاعتقال في الفرع) حتى تؤخذ المعلومة المطلوبة.
– ارتباط ملف المعتقل بملف شخص آخر موجود معه في ذات الفرع على نفس القضية، أي شركاء في نفس التهم الموجهة إليكم، ولن ينتهي ضبط أحدهم دون إنهاء ضبط الآخر، ليستكملوا كافة المعلومات عن القضية وتتوضح الصورة لهم كاملة.
مثال: شاب وصبية متهمان بتشكيل جمعية سرية (تنسيقية)، لم تتسارع أمور التحقيق مع الصبية إلا عندما أتوا بالشاب، اعتقلوه، ثم تم أخيرا إغلاق الضبط الخاص بها بعد أن قارنوا إفادتها بإفادته، وارتاحوا إلى النتيجة: أي كل شيء متطابق، أو إن لم يكن كل شيء متطابق، فإنهم قد عرفوا بالأمر كاملا: من خطط له، من ساهم فيه، من مر فيه مرور الكرام، من كان جوهريا فيه… الخ.
*رأي شخصي جداً:
– الإعلام لا يقدم ولا يؤخر في مساعدة المعتقل، وغالبا يضره.
– الإعلام يحتاجه فقط من لا نقاط قوة لديه اجتماعياً: ليس مشهورا، ليس ابن عائلة معروفة، ليس ابن مدينة، لا معارف مشاهير لديه، لا معارف له ذوي نفوذ لدى النظام.
أضرار الإعلام:
– إن كان الشخص يعمل على الأرض باسم مستعار، فإن الإعلان عن اعتقاله إذا كان مرفقا بصورة له، يكون قد قضى على استمراره في النشاط، لأن صورته ارتبطت مع اسمه الحقيقي.
– قد يتبرع أحدهم على صفحات الفيس بوك، بتعداد مناقب المعتقل، بذلك يساهم في منح معلومات لا يجدر ذكرها وإن كان الفاعل يقوم بذلك عن حسن نية. (بالمناسبة منظمة حقوق الإنسان هي تهمة: تعامل مع منظمة عميلة ومشبوهة، ولا فرق لدى المحقق والعناصر بين كلمة منظمة وبين شخص إنساني، بمجرد كتابة كلمة إنسانية أو مساعدة يكون بالنسبة لهم الشخص تعامل مع منظمة عميلة ومشبوهة).
– في بعض الحالات سببت بعض الأسماء التي شاركت في صفحة الحرية الخاصة بهم على الفيس بوك، مزيدا من الأسئلة للمعتقل، وبالتالي إقامة أطول وتحقيق أطول. فما بالكم إن كانت أسماء أساساً مشبوهة لدى الأمن: هذا يعني المزيد من الضغط والتوتر، وتعب أعصاب لا ضرورة له.
– غضب المسؤولين من الضغط الإعلامي، وزيادة التعنت لأنهم طبعا “لا تلو لهم ذراع” وبالتالي زيادة إقامة المعتقل لديهم من باب النكاية إلى أن يخف الإلحاح والضغط الإعلامي.
فوائد الإعلام:
– الراحة النفسية لأصدقاء المعتقل بالتعبير عن ألمهم ومشاعرهم وحبهم وأشواقهم.
– الدفء والطاقة التي يحصل عليها المعتقل عند خروجه من تلك الرحلة حالما يقرأ ما كتب له.
يوميات:
– الوجبات ثلاث مرات، الطعام جيد جدا ونظيف، ومعظمه قائم على النشويات.
– غير مسموح بالملاعق أو المناديل الورقية أو أي شكل من أشكال رفاهية النظافة الشخصية.
– الحمام مرة في الأسبوع: يوم الجمعة.
– إذا كانت لديك نقود يمكنك (في حال كانوا لطيفين ومتعاطفين معك) أن تطلب منهم شراء حاجيات ما لك، النقود تكون في الأمانات، يأخذون منها ويسجل في الأمانات المبلغ المسحوب.
– لا يطفئون الأنوار في الزنزانات، بل هناك ضوء نيون ليلا نهارا، مرهق جدا ووقح، وكاميرا مراقبة: صوت وصورة.
– يمر العنصر المسؤول عن الإطعام والنظافة في الليل ليأخذ الأوساخ، والخبز اليابس.
– النوم على بطانيات العسكر البنية المتعارف عليها في سوريا.
– البرد قارص، أحيانا يشغلون التدفئة، وغالبا يكون المعتقل حينها خارج الزنزانة في التحقيق.
– هناك طبيب يمر يوميا وتستطيع طلبه في حال الحاجة.
– يشترون أي دواء تحتاجه ويعطى لك في الأوقات التي يحددها الطبيب وبكل دقة.
– المعاملة الحسنة طبعا فقط في فرع الأمن السياسي وفقط مع البنات، وتحديدا البنات اللواتي يصنفوهن من طبقة ما، لها اعتباراتها بنظرهم، أي لهم تقسيماتهم على طريقتهم للناس.
عن التحقيق:
– يخدعك بأنه يعرف، وهو لا يعرف، هم حكماً لا يعرفون، وحدث أن وقع أناس في الفخ، لأن المحقق قال فكرة أو معلومة صدفة كانت في محلها، والفخ هنا هو: اللي فيه مسلة بتنخزو، لذا تظن أنه يعرف، وتقع في المحظور، والمحظور الوحيد هنا هو الاعتراف.
– اختلاق القصص التي تشبه الواقع وليست الواقع تماما.
– لابد أن تعطيهم “معلومات وأسماء”.
لا يمكن لهم أن يتركوك دون أن يأخذوا شيئا، وأنت تستطيع بكل بساطة إعطائهم النزر اليسير من الواقع غير الجوهري، وإيهامهم بأنه الحقيقة النهائية. طبعا المحقق يتوقع في كل جلسة أن يأخذ أكثر من التي قبلها، لذا يجب أن تحسب حسابك على خطة طويلة الأمد.
– لا تكثر من الكلام، وخذ وقتك في الإجابة.
لكل شخص إيقاعه في الكلام، وفي حال كان إيقاعك سريعا في الإجابة، بمعنى أنك تجيب فورا على السؤال، هذا سيعطي المحقق انطباعا عنك وسينقل له توقعاته عنك، أي في كل مرة لن تجيب بالسرعة نفسها سيعرف أنك تفكر في إجابة، وبالتالي أنت تكذب.
– اعتمد مع أصدقائك على رواية مشتركة في كل ما تفعلون، هي ستنقذكم في حال ثبت الجميع على قولها أثناء التحقيق.
– أي كلمة ستقولها سيخترع لك منها سؤال.
– هم يعتمدون على انهيارك مع الوقت، لذا أدخل وكأنك لن تخرج أبدا كي تتغلب على نفسك وعليهم في الصمود.
– مهما أخطأت أو انزلقت في الكلام إلى أمور ما كان يجب لك التطرق إليها، لا تندم، احفظ قدرتك على حماية الباقي.
– الإصرار على موقفك يضعف موقفهم في اتهامك.
– تذكر دائما أنت الأقوى، هو الأضعف.
أنت التهديد الذي يشعر به هو، ولا تصدق كل ما يقومون به من تسلط ومن إضعاف لك وتحقير، يفعلون ذلك ليتفوقوا عليك آنيا في التحقيق، أنت الأقوى بصمتك وتماسكك.
– لكل شخص قدرته على الاحتمال.
إن لم تحتمل، لا تلم نفسك، فقد بذلت كل طاقتك، لا تلم نفسك على أي شيء يحصل هناك، أو حصل في الخارج كي تستطيع الاستمرار في ذلك المكان بشكل أفضل.
– لا تفكر بمن هم في الخارج، فكر بنفسك فقط.
لا تضعف نفسك بالعواطف والأشواق، تأكد أنك ستخرج لتكون مع كل من تحب، شاءوا أم أبوا، لا تفقد الأمل، والأهم لا تفقد الإيمان بأنك ستخرج وإلا سيحدث العكس. سلطة الفكرة عليك تجعلها تتحقق، استخدم سلطة الفكرة لتنفذ كل ما تتمنى. ولا تيأس مهما طال الزمن، أحد عناصر لعبتهم لاستنزاف قوتك هي الزمن أيضا.
– المعرفة بالخطوات والمراحل التي يمر بها المعتقل في الأفرع الأمنية تجعله أقوى فقط، إنها لا تقدم ولا تؤخر في وضعه على الصعيد العملي، إنها لا تغير مسار الأحداث ولا الخطوات والإجراءات التي سيمر بها، أما كيف ستتم مواجهتها فلكل شخص طريقته، ولكل ظرف حلوله.
– المعتقل هو الشخص الوحيد القادر في تلك اللحظة على قيادة مصيره نحو الحل الأمثل.
والحل الأمثل هنا يقصد به: أقل معلومات، وإنقاذ ما يمكن من المعارف والأصدقاء.
– عناصر الأمن، والمحققين يعتمدون كثيرا على لعبهم على أعصاب المعتقل في إضعافه وبالتالي الحصول على الاعترافات التي يبحثون عنها.
– الجهل بهذه التفاصيل قد يكون لدى البعض نقطة ضعف، وأحد أهم الأخطاء هو أن تبقى ضحية السؤال التالي: ترى ماذا سيحصل الآن؟!! وماذا بعد؟!!
إن الاعتراف ولو بمعلومات وهمية أو قليلة يزيد من تمسك فرع الأمن بالمعتقل، لأنهم يعلمون انه يملك من المعلومات أكثر مما صرح به، وبالتالي يعتبر الاعتراف أو الإدلاء بأي معلومات هو بمثابة انتحار ودليل إدانة!!(طبعا باستثناء حالات التعذيب).
البعض لا ينصح بالإدلاء بأي معلومة إلا في حال تمت مواجهته بمراسلات أو دلائل مادية تثبت تورط المعتقل مع آخرين، حينها يمكن له التصريح بقليل من المعلومات وبالطريقة التي سبق واقترحناها.
هذه النصائح وجهت لمن اعتقلوا فور اعتقالهم، من قبل سجناء آخرين، وقد أنقذت الكثيرين في الحقيقة.
عندما تجد نفسك أمام اعترافات أصدقائك الخطّية، مازلت تستطيع الإنكار!!
وفي حال كشف أصدقاؤك الغطاء عن شخصين، أحدهم باتت أوراقه محروقة بالكامل والآخر مازالت لديه فسحة حظ، احمل كل ما يواجهونك به من أحداث أنت والشخص الذي حرقت أوراقه، حاول أن تنقذ من بقيت له مساحة من رفاقك قدر ما استطعت.
أحدهم روى لنا:
كل معتقل، وقبل أن يبدأ التحقيق معه، يفكر في سيناريو، وكل شخص يختلف عن الآخر بقدرة تحمله وبطبيعة التهمة الموجهة إليه وبدرجة أهمية المعلومات التي يتوقعون أن يأخذوها منه، بالتالي بدرجة التعذيب التي سيتعرض لها، لكن على الجميع أن يتذكر انه معتقل لديهم لأنه بطل! و كل ما طال التحقيق يصبح اكبر! فطريقة التفكير هذه، تساعد في التحمل والصمود ولو لحين. أيضا يساعدك فقدان الذاكرة والنكران دائما ودائما. المهم أن تتذكر تفاصيل الرواية التي سبق و قلتها وألا تذكر أسماء كاملة مهما حدث، لأن هذا بالتحديد هو ما ستبقى تتذكره طوال عمرك.
2- من الفرع الأمني – إلى القصر العدلي:
يتم التحويل من الفرع الأمني إلى المحكمة حصرا في الفترة الصباحية، وكأقصى حد الساعة الواحدة، لأن القضاة ينتهي دوامهم حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر.
يتم أخذ صورة لك، وتبصيمك على تصريحك الخطي كاملا، ورقة ورقة. وكذلك الأمر على الضبط الذي كتبه المحقق، ورقة ورقة، ويفترض بك أن تطالب بقراءة ما كتب المحقق في الضبط وأن تناقش ما كتب، لأن ما سيكتبه هو ما سيصل معك إلى المحكمة. وتستطيع في بعض حالات (حسب شخصية المحقق) أن تقاوم التحريف الذي قد تكتب به قصتك.
تستلم أغراضك، تخرج مع من سيخرجون من الباب الخلفي، تصعد في سيارة(غالباً سيارة جيب صغيرة، وتسير خلفها سيارة بيجو بيضاء صغيرة المتعارف عليها، الخاصة بالأمن والجيش) حتى تصل إلى باب المحكمة الخلفي، فيتم تسليمك ومن معك إلى الشرطة هناك.
إذا كان معك موبايل أو لابتوب أو هارد ولم يتم التحفظ عليه في الفرع فإنه سينتقل معك إلى المحكمة كأمانات.(في جميع الأحوال تسترجع أغراضك المصادرة_ كاللابتوب والهارد وما شابه_ حين تنتهي القضية، وموبايلك حين يتم إخلاء سبيلك من المحكمة، في حال كان خروجك من المحكمة، أما إذا كنت قد تحولت إلى سجن عدرا فإنك ستستلم موبايلك من حيث تكون نقطة إخلاء السبيل).
3- من القصر العدلي إلى الإيداع في مخفر كفر سوسة
في نظارة القصر العدلي، ممنوع التدخين والأكل والزيارات إلا للواسطات. يتم تفتيشك بالكامل، ثم تدخل إلى النظارة، وهي مكان واسع فيه كراسي تشبه مقاعد الحديقة الخشبية دون مسند، وطبعا الغرفة باردة للغاية ولكن فيها حمام عربي.
في النظارة تبدأ بمقابلة ناس متهمة بكل أنواع التهم التي قد تخطر لك أو قد لا تخطر لك! وتبدأ بالتعرف على مصطلحات أيضا لم تكن تخطر في بالك.
بعد استلامك من شرطة القصر العدلي، تدخل في ممر على يساره زنزانة كبيرة ومستطيلة، فيها الرجال القادمين من سجن عدرا، وغالبا بالبيجامات الخاصة بالسجن( المخططة بالرمادي الفاتح والرمادي الغامق)، وغالبا يكون إدخالهم إلى هناك على شكل قافلة مربوط أحدهم بالآخر بجنزير من السلاسل المعدنية يمتد من أول الرتل حتى آخره، ومقيدين من اليدين والقدمين.
كذلك الأمر في الزاوية المقابلة لدخولك، ثم تأخذ يمينك، لتدخل في ممر آخر، غير مسقوف، هناك على اليسار زنزانة الأحداث، وعلى اليمين مكاتب ضباط الشرطة، ثم تتابع إلى اليمين أيضا، حيث لا طريق آخر، لتصل إلى نهاية الدرب، حيث يوجد مقابلك الآن مكتب للشرطيات، وعلى اليسار زنزانة النساء.
تصل أنت وملفك إلى القصر العدلي، أنت تنزل إلى النظارة، وملفك يصعد إلى القاضي، وتنتظر دورك، فإذا لم يلحقك الدور في ذات اليوم، ستعاد إلى المستودع، أو ما يسمى “الإيداع” وهو: للرجال- سجن عدرا، وللنساء – قبو مخفر كفر سوسة، وأحيانا: سجن عدرا للنساء.
في مخفر كفر سوسة، القبو مخصص لمن هن غير سوريات، توجد نساء من كل الجنسيات: إثيوبيا، الفلبين، اندونيسيا، الصومال، السودان، العراق، الجزائر، تونس، المغرب. وهو تابع للهجرة والجوازات، لأنه يضم كل من انتهت أوراق إقامتها في سوريا، وأصبحت على قائمة الترحيل، سواء من الخدم، أو الفنانات، أو غير ذلك.
تبقى غير السورية في هذا المكان بانتظار أن تجد طريقة لدفع بطاقة الطائرة للعودة إلى بلدها، إما عن طريق إقناع سفارتها، أو العائلة التي كانت تعمل لديها، أو الكفيل الذي كانت لديه. أقدم واحدة مقيمة هناك قابلناها، كان لها سنة وستة أشهر تنتظر بطاقة الطائرة، وهناك أخرى دخلت حامل وولدت في السجن، وأخرى كانت تعمل لدى عائلات في المالكي وأبو رمانة، عائلات يفترض أنها شديدة الغنى واسمها له وقعه في الحياة والمجتمع، لذا كان مستغربا أن تبخل هذه العائلات على فتيات عملن لديها أربع سنوات من دون أخذ حقوقهن المادية، ليعوضوها لاحقا بالرمي على قائمة الانتظار للتسفير لأشهر طويلة!
هناك ثلاث غرف أساسية، واحدة كبيرة، واثنتان وسط، لكن العدد الهائل المقيم فيها هو بالفعل لا يصدق، وطبعا هناك نساء مع أطفالهن يعشن هناك.
الصراصير تملأ المكان بطريقة أكثر من لا معقولة، مع أن أغلبنا من النوع الذي يتأقلم مع الطبيعة وكل الظروف ولا نهتم عادة بهذه التفاصيل، إلا أنه لا يمكنك ألا تلاحظ هذا الأمر تحديدا هناك، بالرغم من أن البنات المقيمات فعلا نظيفات، ويقمن يوميا بالاستحمام والتعزيل.
بالنسبة لنا القادمين من القصر العدلي كـ إيداع، لم يوزع لنا الطعام، لأن الطعام الذي يأتي إلى المخفر هو من “أموال” الهجرة والجوازات. وكنا نذهب إلى المحكمة منذ العاشرة صباحا ونعود في السادسة مساء. في القصر العدلي الطعام ممنوع، رغم طول المدة التي نقضيها هناك، وفي الإيداع لا مخصصات لنا، إلا أن الصبايا الموقوفات المقيمات هناك، هن من أطعمننا على مدى إقامتنا.
طبعا كان بإمكاننا طلب شراء طعام من الخارج، فأحد عناصر الشرطة المناوبين (وهما اثنان بلباس مدني)، يذهب في ساعة محددة لشراء حاجيات كل الموقوفات، البعض كان لديه القليل من النقود فاستطعن ذلك، وطلبن شراء الدخان فرفض، لكن حين ذهبت فتاة إثيوبية إليه دون علمه أن الدخان عائد لنا (لأننا سوريات، وهذا يعني افتضاح أمرهم)، وافق واشتراه، أحد العناصر، ثم باعها علبة السجائر بمائتين وخمسين ليرة سورية! والآخر باعها إياها بخمسمائة ليرة سورية! هنا اكتشفنا لائحة الأسعار التي ينهب فيها أربعة عناصر شرطة، يتناوب كل يوم اثنان منهما على المكان، هؤلاء الفتيات، المغتربات، واللواتي فعلا لا أحد معهن، وكل ما يملكن هو ما عملن به، ولا يمكنهن صرفه براحة لأنهن لا يعلمن متى يرحلن، بالتالي لابد من التقنين لتكفيهن الأموال أطول زمن ممكن، ولم تكن بينهن من قضت أقل من ستة أشهر في ذلك المخفر.
في مخفر كفر سوسة ظروف المعيشة والمعاملة كانت أسوأ ما مررنا به، وما رأيناه، وما لن ننساه ما حيينا. كيف يعاملن، وكيف تقفل الأبواب لمنعهن من المشي في الكوريدور، رغم حاجة بعض الحوامل إلى المشي وبإلحاح، وكيف يضربن، وكيف يسرقن.
4- من القصر العدلي إلى سجن عدرا النساء
في نظارة المحكمة تحاول طلب محامي ولكن لا يوافقون، مهما طلبت، الجواب: ممنوع.
قد ينزل أحد المحامين ليرى موكلا له بالصدفة ، استغل الفرصة وعرف عن نفسك واطلب محام.
على الرغم من أن دور المحامين يقتصر على معقب معاملات في حالاتنا (المقامات محفوظة والاحترام قائم، لكن المقصود هنا كيف حول النظام دور المحامين وقّلصه ووضعه في هذه الخانة).
إخلاء سبيلك هو حصرا إما من واسطة مهمة جدا، أو بقرار سياسي. ومن يقول عكس ذلك حسب اعتقادنا هو شخص يعيش في الوهم. فلا يوجد محامي شاطر ومحامي فاشل في هذه القضايا، وإنما يتلاعب النظام بهم حتى في هذه الأمور، ويجعلهم يعتقدون أنهم أخيرا نجحوا في إقناعه.
مثال: محامي يلاحق إخلاء سبيل متظاهر، ويلح ويلح ويلح، ويحاول ويحاول ويمر الزمن دون نجاح، فجأة يأتي القاضي ويقول له فيما معناه أن المعتقل سيخرج من شدة إلحاح المحامي ومتابعته الحثيثة يوميا للقضية، يصبح هذا المحامي ذا شهرة بأنه قادر على إنقاذ المعتقلين السياسيين، لكن حقيقة الأمر هي أنه في كل مرة ينجح في إخلاء سبيلهم: ليس هو من نجح في ذلك، بل هم قرروا إخلاء السبيل (في حال ليس لديه واسطة).
ربما يجد البعض في هذا الكلام إجحافا بحق المجموعة الرائعة من المحامين الموجودة في القصر العدلي يوميا من أجلنا، لكننا نكرر أن هذا الكلام ليس انتقاصا من جهودهم، أبدا، بل ولهم جزيل الشكر، فتكفي شجاعتهم في تبني قضايا من يعتبرون سياسيين، وتكفي ملاحقتهم لها، والتي غالبا ما تضعهم في عين الخطر. لكن عذراً، شجاعتهم شيء، وواقع النظام شيء آخر، فالقصد هنا هو توصيف ما يقوم به النظام والقضاء، وليس ما يقوم به المحامون.
الواقع يقول ويؤكد: القرار: قرار سياسي. ولا سلطة لمحامي، أو لقانون، أو لأي شيء آخر لا ترغبه السلطة السياسية، ولا توافق عليه.
استطاع بعض المحامين التسريع بالملفات، في رحلة الشتاء والصيف التي تقضيها متنقلة بين الدواوين والمكاتب، وهذا يختزل مدة الإقامة أحيانا، أي له قيمة كبيرة لدى المعتقل: إنو ينقص نهار.
يستطيع المحامي/ة تمرير النقود لك، لأنك ستحتاجها بشدة هناك. وتمرير رسائل إلى العائلة والأصدقاء. مما يدعم معنويات المعتقل ويخرجه أيضا من العزل النفسي الذي تعرض له طوال مدة إقامته في الفرع الأمني.
لم يشرح لنا المحامون الإجراءات والخطوات، بالرغم من أننا طلبنا ذلك، لكن يبدو أن الضغط عليهم أكبر من أن يفكروا بالمعزول هناك_في العالم الآخر_ في المعتقل. وربما لأنهم يظنون أن العمل في القصر العدلي على ملفه أهم من العمل معه شخصيا في السجن.
وهنا نوجه ندائنا إلى كل المحامين، مع الاحترام والشكر لكل ما تبذلون، لكن القوة التي تمنحها المعرفة، مهمة جداً، بقدر أهمية عملكم في القصر العدلي، ومعرفة الموقوف بالمراحل والإجراءات هي من أهم ما يحتاجه في المرحلة التالية لمرحلة الفرع الأمني.
وكل ما تعلمناه، كان نتيجة ما شرحه لنا من سبقنا خلال الثورة، حيث قام بعضهن بدراسة الدستور وتحليل المواد لمعرفة السؤال المقتل: ثم ماذا بعد؟!!
عرفنا أن هناك أولا قاضي التحقيق، ثم قاضي الإحالة ولديه تفصل القضية إما إلى جنح أو جنايات، وبعد فصلها ترسل إلى المحكمة الخاصة بها. علمنا أن البعض مثلا فصلت قضيتهم جنح، وليس جنايات، وبالتالي وبناء على أحكام المواد الخاصة بالتهم الموجهة إليهن، تحولن إلى محكمة بداية جزاء، وهناك تم إخلاء السبيل.
ولم يخرجن من سجن عدرا إلا مرة واحدة فقط للمثول أمام قاضي بداية الجزاء، كل تلك المراحل السابقة لا تستوجب حضور المعتقل.
من الأمور التي عملناها بالصدفة مثلا: أن المادة 306 الخاصة بإنشاء جمعية سرية_ ” لم نحفظ تتمة الديباجة لكنه شيء ما له علاقة بكيان وهيبة الدولة، وإيهان العزيمة”_ قائمة فقط في حال أن الدولة أعلنت حالة الحرب، والحكومة السورية لم تكن قد أعلنت الحرب، بالتالي فإن المادة أو الحكم منقوض سلفا، وهذه المعرفة جزء من ورقة كتبت في طلب إخلاء سبيل بعض الموقوفات.
حالما يصل ملفك إلى المحكمة، لابد أن يراك قاضي التحقيق، وهو يقرر إما إخلاء سبيلك أو إرسالك إلى عدرا، والقرار ليس بيده، تكون لديه تعليمات واضحة وينفذها، شأنه شأن الجميع في هذه المؤسسة، وطبعا لا يخلو الأمر من أناس تحاول جاهدة مكافحة القرار السياسي والاحتيال عليه وإنقاذ الشباب بكل الوسائل (الشحيحة) التي في متناول يدها.
نادرا ما تجد محامين يعترفون لك: لا حاجة لك بمحامي، ليس بيدنا شيء نقدمه لك، كل ما نستطيعه: الإلحاح، وتسريع مسيرة الملف في القصر العدلي.
حتى إخلاء السبيل لا يقدمه معظم المحامون إلا إذا أبلغهم القاضي بأن الوقت مناسب، وستتم الموافقة عليه، المحامون الأقدم الآن في هذه القضايا باتوا يعرفون هذه الحقيقة، لأن أي إخلاء سبيل يقدم ليس في الزمن المناسب له، سيكون مرفوضا بالطبع.
تدخل في هذه المرحلة المعمعة الخاصة بالمحامين، وتبدأ مراحل إحباط جديد، فإما أنك تقابل محامين يهمهم الشخص الأكثر شهرة (لدى المعارضة)، أو محامين لا يأتون أساسا لزيارتك، أو آخرين يأتون ويقضون الوقت بالشكوى لك من الأحوال ومن قلة الحيلة ومن ظلم الزملاء لهم أو من سرقة الزملاء لقضاياهم، والقليل منهم يأتي ومعهم رسائل مشجعة، أو ملابس تدفئك في حال كان أهلك لم يأتوا بعد لزيارتك… لا يخلوا الأمر من أناس لن تنسى في حياتك كرمهم معك في تلك المرحلة وآخرين لن تنسى ما حييت غيابهم وتقصيرهم ومساهمتهم في العزل الذي يفرضه عليك المعتقل.
إذا قرر قاضي التحقيق (الأول أو الثاني) توقيفك، سيتم تحويلك إلى عدرا. وتعود للجلوس في الطابق السفلي حتى موعد انتهاء يوم “العمل” في القصر العدلي، وينتهي توزيع الموقوفين كل إلى المكان الذي تحولت إليه قضيته.
ثم تصعد إلى باص عدرا.
تصل مساء، بالتأكيد، يستلمون ورقتك: التهمة، والهوية، وتوضع في غرفة في الطابق الأول كبيرة، تدعى الإيداع: حيث كل الموقوفات من كل التهم، إلى أن يأتي العقيد مدير السجن: خالد سليم الحيص، ويوزع الموقوفات إلى الأجنحة كل حسب تهمته.
في هذه الرحلة ستكتشف أن الجميع، من الشرطة إلى العناصر إلى الحرس إلى الموظفين إلى السائقين، يتعاملون معك بألطف وأرق وأكرم مما يمكنك أن تتخيل! إلى أن يعلموا أن تهمتك سياسية، وأنك موقوف سياسي، وطبعا بالنسبة لهم كلها تختصر: معارضة، أو تظاهر، فلم يسمعوا أصلا بتنسيقيات أو ما شابه .. بعد هذه المعلومة، يصبح الوجه أصفر، يرتبك كليا، يعلق الكلام في حلقه، يبتعد رويدا رويدا ولا يعود ولا حتى إلى النظر إليك.
في سجن عدرا النساء، فرز العقيد خالد سليم الحيص السياسيات في الطابق الأرضي، في عزلة كاملة، لا يرون أحد ولا أحد ممن في السجن يراهم، ولا يتعامل معهم إلا أشخاص محددين من الشرطة مفروزين لهم. بعض عناصر الشرطة ممنوعين من التعامل مع المعتقلات لأنه قد ثبت تعاطفهم معهن، أو لأنهم يساعدون في تهريب أغراض شخصية ورسائل.
يفترض أن يفتح باب المهجع الخاص بنا من الساعة العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء، وباب الباحة من الثالثة مساء حتى السادسة مساء للتنفس، وهذا نادرا ما تم الالتزام به خلال إقامتنا لأكثر من شهر هناك.
يوجد في المهجع جرس مخصص لحالات الطوارئ أو إن احتجت شيئا ضروري، تضغط عليه لتطلب الشرطية أو الشرطي، لكن بالنسبة للاستجابة فهي مرهونة بحسب المناوبات، أي حسب الشرطي الجيد أو الشرطي السيء، فهناك من يحضر على الفور وهناك من يتركك تموت ولا يأتي.
في إحدى المرات أخبرتنا صبية هناك أنه قد تعبت ثم أغمي عليها ثم استيقظت ولم يأتوا استجابة للجرس.
الزيارات يوم الأحد ويوم الأربعاء، لكن العقيد يمنع متى يشاء ويسمح متى يشاء، وفي الفترة التي أقمنا فيها هناك كان لا يسمح إلا بزيارة مرة واحدة في الأسبوع، متحججا بأن تلك أوامر من الأمن السياسي، وحين ذهب أحد أقارب الموقوفات إلى الأمن السياسي للاستفسار عن الأمر أنكروا وقالوا له أنهم يتحدون العقيد بأن يكتب ورقة بذلك، وطلبوا منه أن يأتيهم بهذا الكلام مكتوبا من العقيد، الذي سخر بدوره من غباء هذا القريب الذي لم يفهم اللعبة على حد تعبير العقيد، وطبعا رفض كتابة أو منح أية أوراق.
الهواتف ممنوعة عن المعتقلات السياسيات أيضا في سجن عدرا النسائي بأوامر العقيد خالد سليم الحيص، على الرغم من أن الشباب في سجن عدرا-الرجال، كانت إقامتهم مختلطة مع بقية المساجين المحكومين والموقوفين، وكان بإمكانهم يوميا الاتصال في الساعة التاسعة مساء. وحين طالبن الموقوفات العقيد بالحصول على ذات الحقوق، قال أنه تقدم بطلب كتب فيه: “أسوة بسجن عدرا الرجال، نرجو الموافقة على الهواتف للسجينات السياسيات”، وأتى بالرفض.
ما يحتاجه الموقوف في عدرا هو القليل من النقود، لأن الأسعار طبيعية تماما، وكل شيء مؤمن، من خضار وفواكه، وكافة المواد الغذائية الأساسية.
يحتاج الموقوف في عدرا حقيقة إلى نشاط يقطع به الزمن الذي يمر ببطء شديد في حال لم يكون هناك تنظيف للمهجع أو حمام أو غسيل، ورق اللعب ليس سيئا هناك، ولا الشطرنج والطاولة وما شابه. تم وضع تلفزيون مؤخرا في مهجع السياسيات، مما خفف وطأة الزمن، لكن مع انقطاع الكهرباء الطويل، عادت الأمور إلى ما كانت عليه.
الكتب طبعا هي أفضل احتمال، لكن لا تمرر جميعها، يطلع عليها العقيد خالد سليم الحيص أولا ثم يوافق أو لا يوافق، حسب قناعاته هو عن الكتاب.
حسب ملاحظات البعض فإن أفضل أنواع النشاط: النشاط اليدوي: الخرز الصوف … الخ، أنت تعمل وتنجز وتقطع الوقت ولا تفكر، لأنك أصلا في هذه المرحلة تكون قد ذابت خلايا دماغك من التفكير والأسئلة وانتظار المجهول ومحاولة الإبصار في مكان معتم تماما.
الرسائل الشخصية المرسلة منك أو إليك يقرؤها العقيد خالد سليم الحيص أولا. ثم يوافق على تمريرها أو يرفض، حسب محتواها.
زيارة المحامي تتم في غرفة خاصة صغيرة فيها ثلاث طاولات وعدد من الكراسي، الزيارة مدتها ربع ساعة فقط.
حضر أسئلتك لتحصل على الأجوبة بسرعة لأن الزمن ضيق.
الزيارة العائلية تكون على الشبكين، أو على الشبك حسب رضا العقيد خالد سليم الحيص، طبعا في كل الحالات هناك شرطة تقف أثناء الزيارة وهناك كاميرات.
الأكل مسموح للسياسيات والأغطية والملابس، وكافة المستلزمات الشخصية التي لا تؤذي بمعنى ليست فيها أدوات حادة أو زجاج أو ما شابه. (حتى ما ينتحر المعتقل).
هناك أربع بوابات حديد تفصل بين السياسيات والخارج، تصل بعدها إلى ممر متوسط الطول، وعدة مهاجع مغلقة، هذا الطابق هو جناح رقم أربعة.
وما أدراك إذا قال العقيد: خذها إلى جناح أربعة!! الكل يشهق ..!!
لكن في حقيقة الأمر الجناح أربعة هو ليس أكثر من طابق معزول وممر وغرفة وحيدة يعيش فيها حاليا كل من: منال ناصيف (حكمها 15 عاما، وقضت منها حتى الآن 11 عاما)، طل الملوحي (خفض حكمها من خمس إلى ثلاث سنوات، وقد يشملها عفو ربع المدة، أي أن خروجها بات قريبا)، ومثلها هدية يوسف (حزب العمال الكردستاني، خفض حكمها من خمس إلى ثلاث سنوات، وتحتاج إلى محامي ليعمل على أوراقها ويقدم لها على ربع المدة).
وفي عدرا إخلاء السبيل يصدر ظهرا، لكن المعتقل لا يعلم به إلى ما بعد الساعة الثامنة أو التاسعة مساء.
أي أنه آخر من يعلم، ودائما يتم الاتصال بأهله للحضور واستلامه أو المحامي.
ملاحظة:
إن كل ما سبق، ليس إلا بداية ورقة لتجميع التجارب بشكل عملي بعيدا عن العواطف، والحالة النفسية التي يمر بها المعتقل، ليستطيع أي شخص يتعرض لهذا الموقف أن يحسن التصرف، وأن يتخلص من ضغط الجهل والترقب.
نرجو من كل من يقرأ ومر بالتجربة أن يرسل المعلومات التي مرّ بها، فقط إن كانت معلومات غير مذكورة في هذه الورقة.
الهدف ببساطة صورة كاملة عن كل الأفرع وعن كل طرق وخطوات الإعتقال، والغاية منها: رسم صورة وإعطاء فكرة واضحة للناس عما ينتظرهم في حال تم اعتقالهم وأن يستعدوا له.
الحرية لجميع معتقلي الحرية
الحرية لسوريا
تعليق واحد
Reblogged this on Nizar Rammal and commented:
الأنظمة العربية في أبهى تجلّياتها…