إعداد: عهد زرزور
داريا البدء
لم تكن داريا المدينة الصغيرة القريبة من دمشق (8كم جنوب غرب) حديثة العهد في مجال التوعية الاجتماعية والنشاطات الأهلية،
ففي عام 2003 نشأ التحدي بينهم وبين النظام، بما يعرف بقضية “شباب داريا”. تعرض مجموعة من الناشطين للاعتقال على خلفية تنظيف المدينة، وتوزيع روزنامات كتب عليها عبارات ضد الرشوة والتظاهر السلمي الصامت احتجاجاً على احتلال العراق ودعوة لمقاطعة البضائع الأمريكية وغيرها من الأنشطة التي لم تكن مألوفة في ذاك الوقت في سوريا.
وسبقها في العام 2000 أنشاء الشيخ عبد الأكرم السقا مع مجموعة من طلابه مكتبة عامة للقراءة والثقافة وسميت باسم “سبل السلام” ولكن ما لبثت أجهزة الأمن إلا أن قامت بإغلاقها بعد إقبال الناس عليها.
داريا الثورة
كانت داريا من المناطق التي دعت للتظاهر في يوم الغضب السوري، وشارك عدد من أبنائها في اعتصام 16 من آذار أمام وزارة الداخلية، حيث اعتقل منهم ثلاثة شبان وفتاتان، ثم انطلقت أولى التظاهرات في شوارع المدينة في 25 آذار 2011 من مسجدي أنس بن مالك والعباس.
لم يتجلى الطابع الثوري في مدينة داريا فقط برفع أغصان الزيتون والورود في المظاهرات، بل فكرهم السلمي كان واضحاً في خطاباتهم وشعاراتهم التي استخدموها في ثورتهم. فكانت فكرة توزيع المياه والورود والمنشورات للجيش مخاطبة ضمائرهم، وكانت فكرة تزيين ساحة الحرية بداريا تأكيد على الناحية الجمالية والاجتماعية في الثورة.
تنوعت نشاطات الكفاح السلمي في داريا والأساليب اللاعنفية، من تغيير أسماء الشوارع والساحات الرئيسية واستبدالها بأسماء الشهداء إلى توزيع المنشورات للدعوة للإضراب فقد كانت داريا من أوائل المدن التي استجابت لهذه الدعوات.
وتقديم الهدايا لأمهات وأبناء الشهداء والمعتقلين في عيد الفطر والأضحى وعيد الأم وزيارة عائلات الشهداء وتقديم الدعم المادي لهم كانت جزءً أساسياً من نشاطهم الثوري. أقيمت في داريا أيضاً دورات الدعم النفسي للأطفال المصابين بالصدمة، ودورات الإسعاف الأولي في ظل تحوّل عملية إسعاف الجرحى إلى المنازل والمشافي الميدانية، بدلاً من المشافي العادية خوفاً من اختطاف المصاب من قبل قوى الأمن.
تعليق صور المعتقلين وأسمائهم على جدران المحكمة وفي الشوارع العامة و حملات بخ شعارات ثورية على الجدران وإطلاق بوالين الحرية كانت أيضاً صوراً متكررة من صور النشاطات اللاعنفية.
داريا الأنثى
ولنساء داريّا دوراً رئيسياً في الحراك السلمي، فقد شاركن بغالبية النشاطات الثورية وقد قمن بتنفيذ مشروع معرض ميداني أطلق عليه اسم “نريد المعتقلين” حيث صنعن حبالاً من الورود علقت عليها صور المعتقلين وقمن بتعليقها على أشجار شوارع داريا الرئيسية، وقد لقي هذا المعرض إقبالاً من قبل المارة لكن ما لبثت عناصر المخابرات الجوية أن جاءت ومزقت الصور وأحرقتها.
داريا السلم والعيش المشترك
قام شباب داريا بحماية العديد من المنشآت العامة والمؤسسات الحكومية من التخريب عن طريق جدار بشري يصنعه المتظاهرون أنفسهم وقد كانت هذه من أهم الأفكار التي حاولت ترسيخ مبدأ اللاعنف بين القوى الأمنية والمتظاهرين ونشره بين المتظاهرين أنفسهم. وكانت عملية إشعال الدواليب ورمي الحجر باتجاه الأمن محل خلاف في نقاشات الناشطين، فقد كان بعضهم يعتبر هذه الأفعال استفزازاً للجنود الذين سيقفون حينها موقف المواجهة ويعيشون أجواء الحرب على الآخر. كما شارك أهالي داريا في التشييع والتعزية بشهداء المناطق الأخرى وإرسال المعونات المادية لأهالي المناطق المنكوبة واستقبال الأهالي المهجرين من حمص، لتعزيز السلم الأهلي بين المناطق، و لا ننسى أنه منذ بداية الثورة قرعت كنائس داريا أجراسها حداداً على شهداء المظاهرات.
جريدة داريا
جريدة عنب بلدي كانت نتاج الحراك السلمي هدفها طرح أفكار نادراً ما يتم التطرق إليها، وإيصالها لطبقة واسعة من الناس لا يدخلون الانترنت، تناقش الجريدة قضايا ثورة واجتماعية واقتصادية.
داريا لا تعرّف الثورة بالسلب
شباب المدينة ونشطاؤها لا يقتصر الأمر عليهم على إسقاط النظام بل بناء سوريا الجديدة، سوريا دولة القانون، مدنية للجميع، يستوي فيها الناس أحرار.