أحمد الشامي
يذكر للٳمام الخميني أنه وطوال الحرب الظالمة التي شنها “صدام حسين” على ٳيران لم يتلفظ ولو لمرة بكلمة حول الدعم “السني” المفترض لنظام البعث العراقي ولا هو استخدم مصطلح الغزو السني لبلاده.
سواء كنا من المعجبين بمؤسس نظام ولاية الفقيه في ٳيران أو من كارهيه، فلا بد لنا من الاعتراف بدهاء الرجل وخبثه. اﻹيرانيون البسطاء كانوا يصمون نظام صدام بالنظام السني الغاشم، أما “الخميني” فقد استعمل على الدوام مصطلح “النظام الصدامي البعثي الكافر” لكي يتجنب استثارة العالم السني وتحميله وزر جرائم “صدام”.
نظام صدام، على عادته في التجييش العنصري والطائفي أبدع في توصيف جاره اﻹيراني فهو نظام “مجوسي، صفوي، فارسي الخ…”.
دخول “صدام” ٳلى ٳيران أتى بعد”ضمانات” غربية وقبول سوفييتي (بغرض الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط). تمكن اﻷمريكيون، الذين كانوا يريدون الثأر من احتلال سفارتهم في طهران، من ٳقناع “صدام” أن الغزو “سيكون نزهة وأن ٳيران لن تصمد ﻷسبوع”. الغرب استفاد من غرور صدام وحماقته لنصب فخ محكم وقع فيه الرجل بغباء منقطع النظير.
على عكس ما أمل “صدام” ففور دخول قواته بممارساتها الدموية ٳلى اﻷهواز انقلب سكان هذه المنطقة عليه ! في النهاية نجح “صدام” في رص صفوف كل اﻹيرانيين من شيعة (وحتى اﻷقلية السنية) ضده وضد نظامه وفي دفعهم للالتفاف حول “الرجل القوي” الخميني الذي بدا لهم على أنه الوحيد القادر على الوقوف في وجه الغازي. الغزو العراقي للأراضي اﻹيرانية كان له في المحصلة دور حاسم في ٳضعاف القوى الديمقراطية والمعتدلة في ٳيران لصالح القوى اﻷكثر تطرفاً وعدائية و”تشيعاً”.
رئيس ٳيران المعتدل “أبو الحسن بني صدر” فعل المستحيل لمنع الحرب ولثني صدام عن غزو بلاده، حين فشل انتهى به اﻷمر فاراً في طائرة “جامبو” أوصلته ٳلى باريس بعدما حلق شاربيه !
بالنسبة للٳيراني العادي، ودون الغرق في تفاصيل السياسة الدولية، كانت الصورة واضحة : نظام صدام “السني” المتلحف بالعلمانية و”الكافر” يهاجم بلداً شيعياً آمناً دون مبرر. اصطفت الدول العربية “السنية” وراء نظام صدام فقط حين بدأ هذا النظام في خسارة الحرب، في حين اصطف اﻷسد اﻷب ونظامه “العلوي” مع “ٳخوته في الدين من الشيعة” منذ البداية. اﻷسد أدرك الفوائد الكبيرة التي سيجنيها هو ونظامه مستقبلاً من موقفه الداعم ﻹيران.
الحرب والاصطفاف الطائفي الذي نتج عنها كانتا نعمة بالنسبة “للخميني” الذي استفاد منهما على طول الخط. الخميني تمكن من توطيد سلطته وأرسل النخبة اﻹيرانية المثقفة من شباب ٳيران الذين درسوا في معاهد الغرب زمن الشاه ٳلى الجبهة، في الصفوف اﻷولى، لكي يقتلهم جنود صدام بدل أن يتم ٳعدام هؤلاء المثقفين على يد “الحرس الثوري”.
صدام كان طاغية دموياً قتل بالعدل والقسطاس من كل الملل والطوائف، لكنه في مرحلة غزوه ﻹيران “تخصص” في سفك دماء الشيعة بغزارة في ظل “سرور” دولي لرؤية المسلمين يتقاتلون فيما بينهم. بعدها وفي مرحلة مابعد كارثة عاصفة الصحراء، أباد صدام نصف مليون شيعي في جنوب العراق، أيضاً في ظل صمت وتواطؤ دولي وسني مخجل.
حماقات صدام ودمويته كانت من نتائجها ٳعادة الروح لصراع سني شيعي كان تحت الرماد منذ قرون. مع اﻷسف، لم ترتفع أصوات كثيرة في المعسكر السني ﻹدانة مجازر صدام في ٳيران وجنوب العراق.
اليوم، تنقلب الآية، وضحايا اﻷمس أصبحوا جلادين، أبناء من كانوا يعانون من القهر والقمع صاروا قتلة و”شبيحة”، أيضاً في ظل صمت دولي وشيعي، ٳلا من رحم ربك، كبعض المثقفين اﻹيرانيين وخاصة الشيخ “صبحي الطفيلي”. في المذبحة السورية، يجري اصطفاف طائفي وأقلوي يشابه ما حصل أيام عز “بطل القادسية” الذي دمر العراق وترك وراءه ٳرثاً من الدم والكراهية ندفع ثمنه كل يوم.
مجازر “صدام” أيقظت العداوة والكراهية للسنة لدى الشيعة، ومجازر اﻷسد و”صبيان الولي الفقيه” في بغداد والضاحية هي في طريقها لاستثارة المارد السني ونفخ الروح في عداوة تجاوزها الزمن منذ قرون.
هل هذا يعني أن الشيعة، ٳيرانيين وعرباً، لا يفعلون سوى “رد الجميل” الذي بادأهم به ” السني صدام” ؟ وهل هذا يعني أن البادئ بالظلم هو العالم السني الذي “يكره” ٳخوته من الشيعة ويريد ٳبادتهم ؟
هذه مغالطة كبرى، فصدام حسين “تذكر” أنه من الطائفة السنية حين دارت عليه الدوائر وكاد جيشه ينهار بعد أشهر على بدء غزوه ﻹيران. حينها ركض الطاغية “يولول” ويطلب المدد من كل صوب. استجاب العالم الغربي والشرقي لطلبات الطاغية وأمده بالسلاح، مثلما أمد اﻹيرانيين مباشرة وبشكل غير مباشر ! ولكن بالدين وبالفائدة. عرب الخليج ساندوا العراق، أيضاً بالدين، خوفا من انهيار الدولة العراقية. العرب السنة لم يعتبروا “قادسية صدام” كحرب مقدسة ضد الجار اﻹيراني بدلالة أن مساهماتهم في المجهود الحربي العراقي سجلت كديون، مثلها مثل المساعدات الغربية والشرقية.
لنتذكر أن اجتياح الكويت جاء رداً على رفض هذه اﻹمارة التنازل عن ديونها لدى العراق.
كان “الخميني” محقاً في وصفه للغزو العراقي، فقرار غزو ٳيران كان قراراً فردياً ظالماً يتحمل مسؤوليته حاكم مجرم وصل ٳلى السلطة عبر القتل والقهر ووزع المذابح و”الغزوات” بين اﻷكراد، واﻹيرانيين والعراقيين سنة وشيعة بالعدل والقسطاس ثم انتهى ٳلى اجتياح جاره الكويتي في “نزوة صيف” عابرة.
على عكس ما يجري اليوم في سورية، فالمسلمون السنة لم يشاركوا لا من قريب ولا من بعيد في مجازر “صدام” ولم نر متطوعين “سنة” يذهبون لقتال “الكفار من المجوس” في أي وقت من اﻷوقات.
ٳن كانت حرب “صدام” ضد ٳيران وليدة قرار أخرق اتخذه طاغية مهووس ؟ فكيف لنا أن نصف مساهمة ٳخوتنا الشيعة في ٳبادة الشعب السوري المطالب بالحياة والحرية ؟