سلسلة تلخيصات ثورية – المقال رقم 2
في المقالة الأولى كان الحديث في نظرية الثورة السلمية. و هذه المقالة تعرض بشكل عملي لكيفية نجاح الثورة السلمية في نيل الحرية رغم القمع الشديد الممنهج. أرجو أن يجد القارئ فيها الفائدة.
عندما تواجه الثورة السلمية بالقمع الأمني فإنها تقوم بتسجيل الممارسات القمعية ضد المتظاهرين السلميين ومن ثم نشرها لتستخدم في حشد الجماهير ضد النظام المستبد. لكن القمع الأمني إذا زاد كثيرا فإنه يفرض على الثورة السلمية تحديا لا تستطيع تجاهله. و يظهر السؤال هل استغلال مشاهد القمع هو كل ما تستطيع الثورة السلمية فعله؟ الجواب بالطبع لا.
إن القدرة على الابتكار و مفاجأة النظام المستبد بطرق جديدة للمقاومة المدنية هي أهم و أنجح الوسائل ضد القمع المفرط. هذه القدرة على التجديد في وسائل الاحتجاج السلمي تؤدي لأن تظهر الثورة في تصاعد مستمر فتراكم الانتصارات أمام تقهقر سلطة النظام المستبد. بالإضافة لفائدة هامة أخرى و هي تخفيف قدرة النظام على البطش و التنكيل بالشعب الثائر بسبب عامل المفاجأة الذي لا تستطيع أدوات القمع التكيف معه سريعا. و بهذا تكسب الثورة قدرة مضاعفة على الاستمرار و إطالة الأمد بينما يظهر النظام المستبد عاجزا أكثر فأكثر عن السيطرة على الشعب الثائر و يمر الوقت في غير صالحه.
إذا واجه النظام المستبد المسيرات و المظاهرات في الشارع بالقمع المفرط و صارت تكلفة الاحتجاج عالية فلا يصح عندها الاعتماد على نفس التكتيك دون تطويره أو تغييره. لأنه عندما يصبح من السهل جداً على النظام المستبد التنبؤ بخطط الثورة يتحول المتظاهرون لحصاد سهل لآلة القمع الشرسة. إن عدم التجديد و الابتكار في هذه اللحظة مع ظهور الحاجة الشديدة له قد يضعف أو يحد من قاعدة المشاركة الشعبية. كما أنه قد يؤدي لتصاعد الدعوات لحمل السلاح و ربما التورط في رد فعل عنيف تخسر به الثورة المدنية السلمية ركيزة هامة و هي التفوق الأخلاقي. و كما أنه يفتح المجال واسعا لدوامة الصراع الأهلي.
من الأساليب التي يمكن اللجوء إليها للالتفاف على القمع المفرط الخروج للتظاهر في الأحياء الشعبية و الأزقة الضيقة حيث لا يمكن للنظام الاستفراد بالثائرين بسهولة. و أيضا اتباع أسلوب المظاهرات المتفرقة السريعة أو الحاشدة الليلة. و يمكن القيام بكتابة الشعارات المناهضة للنظام أثناء المظاهرات و في عتمة الليل. و أيضا التوزيع بكثافة للمنشورات التي تحرض الناس للمطالبة بحقوقهم و المشاركة في النضال. و هناك الكتابة على أوراق العملة و إرسائل رسائل بالهاتف المحمول للحث على المشاركة. و تسجيل شعارات و أغاني الثورة ثم بثها بمكبرات الصوت.
كما يمكن استهداف التجار الممولين لأدوات قمع النظام بالمقاطعة الاقتصادية و توقف المظاهرات عند أماكن أعمالهم التجارية للاحتجاج. و هناك محاورة أفراد الأمن و الجيش و الإداريين في الدولة لإقناعهم بدعم الثورة من خلال عدم تنفيذ أوامر القمع أو إرسال معلومات خاطئة للسلطة أو التأخر في تنفيذ أوامر النظام. كما يمكن استهداف قوات القمع في أماكن الاشتباك بالحجارة و العصي و مركبات القمع بالاتلاف الجزئي أو الكلي و كذلك رصد تحركات هذه القوات لتحذير الجماهير. و يمكن أيضا كشف هويات المخبرين و أفراد الأمن المشاركين في القمع و نشر عناوين اتصالهم مما يصيبهم بالذعر. لكن هذا ليس هو كل ما يمكن للثورة السلمية تقديمه فإبداع الشعب الثائر ليس له حدود.
أحد الأساليب المهمة التي يمكن أن تلجأ إليها قوى الثورة السلمية هي استهداف المناطق الحيوية للنظام بالاحتجاج بشكل مفاجئ يضعف قدرة النظام المستبد على القمع و يلفت الأنظار لحركة الاحتجاج بشكل قوي. كمثل أن تخرج الجماهير بأعداد كبيرة بحقائب سفرهم إلى صالات المطارات في خطوة رمزية مغلفة برسالة احتجاج. كما يمكن استهداف الشوارع الرئيسية و الميادين الحيوية بأن يفاجأ النظام بأعداد كبير من السيارات تحتلها و تعطل حرك السير فيها. و يمكن استغلال هذه الطريقة الأخيرة للاحتجاج المدني و كذلك لإعاقة تحرك قوات القمع للمناطق الثائرة.
و هناك أساليب اخترعتها شعوب ثائرة فكانت شاهدا على الإبداع اللامحدود الكامن في طرق المقاومة المدنية و التي تترك النظام المستبد خائر القوى. فإذا كان النظام يرهب الجماهير بالاعتقال فيمكن أن تسعى الجماهير للاعتقال طوعا بدل أن تهرب منه فتهجم على مركبات الاعتقال فتحتلها و تتجمع الحشود الكبيرة على أبواب السجون تريد دخولها لأنها هي أيضا تطالب بجريمة الحرية فيتحول الاعتقال من أداة للقمع إلى أداة للمقاومة! و قد تحيط الحشود الكبيرة بالوحدات العسكرية المنشقة عن النظام فتشكل دروعا بشرية لتحميها بصدورها العارية بشكل يبهت النظام المستبد!
بالتجديد و الابتكار تمكنت شعوب عديدة ثارت على أنظمة مستبدة فسلط عليها قمع شديد من تطوير مقاومتها المدنية و الصبر على تضحياتها النبيلة حتى نجحت في قطع الدعم عن النظام المستبد و تفكيك القوى الموالية له ليسقط في النهاية كورقة خريف ذابلة.
—————————–
بقلم: مندس استراتيجي
تعليقان
رائعة… يا ريت تنشورها بشكل نقاط مرتبة و على الفيس بوك… لأنو المنتفضين على الديكتاتورية بدوروا ع متل هيك أفكار… بصراحة لأنن مو بس بدون يجيبوا الحرية, بدون يعيشوا هالحقبة..
ملاحظة الخط كتير زغير و مزعج و العنوان ما بيلفت النظر على الإطلاق….
شكراً للمندس الاستراتيجي على استراتيجية الاندساس
تنبيه: تلخيصات ثورية: لماذا ثورة مدنية و ليست عسكرية؟ | كبـريـت | Kebreet