الترجمة الكاملة لمقال في جريدة التايمز البريطانية في مقابلة للطالب في احدى جامعات بريطانيا (باث) والذي يدرس دكتوراه الصيدلة زاهر شهاب، يتحدث فيها عن المجزرة التي ارتكبت بحق اهله الأبرياء والتي راح ضحيتها سبعة شهداء – لورا بيتل
بدا الطالب زاهر شهاب في جامعة باث عاجزاً بعد أن اندلعت الثورة في بلده سوريا، حيث أن الأخبار القادمة من هناك أفادت بأن هجوماً مدمراً قد أصاب عائلته.
كان الوقت بعد الظهر يوم الجمعة (نهاية الأسبوع في سوريا). عوضاً من أن يكون زاهر موجودا في مخابر الجامعة فإنه كان يقف في أحد ممرات كلية الصيدلة، متابعاً جنازة والدته عبر الهاتف المحمول. لقد فقد سبعة من عائلته في هجوم واحد في سوريا.
والدته ميساء وأخوه الأصغر و اثنين من اعمامه و زوجة عمه واثنان من أبناء أعمامه كانوا قد قُتلوا في ذلك الهجوم.
كانوا يعملون في أرضهم في ريف دمشق عندما تمت مهاجمتهم. وعلى بعد ألفين ميل كان الطالب في جامعة باث غير قادر على عمل شيء وإنما التقاط الأخبار، عاجزاً عن المساعدة. “لا استطيع أن أتذكر ماذا شعرت عند تلك اللحظة لأنني حقا لم يكن لي القدرة على القيام أو الشعور بأي شيء”.
وقال: “توقف عقلي عن التفكير، لأني لم أستطع تخيل ما حدث، …. كل شيء قد تغير ذلك اليوم”.
وصل زاهر إلى بريطانيا في 2010 للحصول على شهادة الدكتوراه في الصيدلة، باختصاص صيدلة مجتمع. وقد حصل على منحة من قبل الحكومة السورية -جامعة دمشق- و كان يخطط للعودة ليقوم بالتدريس بجامعة دمشق. و لكن في تشرين الثاني 2011، قامت المخابرات السورية بالتجسس على معلوماته الإلكترونية ومواقفه من الثورة ووجدت رسائل مناهضة للنظام مع بعض الأشخاص. و لذلك توقف الدعم المالي، و لذلك تقدمت كل من جامعة باث و مؤسسة Wellcome Trust بالدعم المالي له. و بدون هذا الدعم كان سيتوجب عليه التوقف عن متابعة الدراسة.
آخر زيارة لبلده كانت زيارة قصيرة بعد اندلاع الثورة في أواخر شهر آذار على خلفية الثورات التي اندلعت في العالم العربي. و كانت زيارة مفاجئة مما أسعد والديه وبالأخص والدته العزيزة. ولكن ما حدث مع الأجهزة الأمنية مما قد يعرضه للاعتقال حال دون قدرته على العودة مرة ثانية. و بالمقابل وجد نفسه متابعاً للتطورات في سوريا من ذلك المكان غير المناسب في تلك المدينة السياحية.
بينما كان بقية الطلاب مهتمين و قلقين بخصوص المواعيد النهائية لتسليم كتاباتهم و فروضهم والدرجات خلال العام والنصف الماضي فإنه كان يشاهد بلده تنخرط بالمواجهة مع النظام. وعندما تسارعت الحركة الاحتجاجية ضد نظام الأسد، كان يشاهد المحتجين والمتظاهرين في مدينته داريا وكيف تم قتل أصدقائه وجيرانه.
وعندما تطورت الاضطرابات و عندما تطورت الاضطرابات ازداد الدم وعدد الأطفال القتلى في المجازر والمناطق المدمرة وقدر عدد القتلى بـ 17000.
وفي السادس من تموز طرق الصراع باب عائلته. و كان قد غادر لتوه اجتماعا مع مشرفه عندما وجد من خلال موقع التواصل الاجتماعي معلومات بأن عدداً من عائلة شهاب قد قُتلت. ومن خلال اتصالات سريعة مع الأصدقاء تأكدت مخاوفه السيئة حول مقتل والدته وأخيه عمار (23 سنة).
بالإضافة لعمه معتز وزوجته ندى وابنهم فادي (12سنة)، وعمه موفق وابنه محمد (19سنة).
و كانت العائلة تعمل في المزرعة عندما أصابت القذيفة الأولى عمه، وعندها اقترب الستة الآخرون محاولين إنقاذه وإسعافه، وعندئذ سقطت القذيفة الثانية لتودي بحياتهم جميعا.
صورة لجثمان فادي تظهر جسمه وعنقه وفخذه المدماة بسبب ما يبدو إصابات وجروح شظايا الجروح. ولا يوجد صور لباقي الشهداء بسبب الإصابات البالغة التي لحقت بالجثامين من جراء القصف.
و قد تمت الجنازة بشكل فوري تقريبا بسبب الخوف من قيام القوات الأمنية بمهاجمة المشيعين. والصورة تظهر سبعة أكفان لجثامين القتلى موضوعة خارج المسجد.
و بالعودة لمدينة باث فقد اجتمع الأصدقاء والمشرفون حوله في المقهى في الجامعة بينما كان زاهر يحاول تتبع الأخبار، وقد استغرق بعض الوقت ليعرف من قد مات بالتحديد. و من ثم فقد اتصل بصديق كان في الجنازة، “وعندها خرجْتُ للممر بحيث أتمكن من الاستماع للتشييع لوحدي”. ” لقد كنت مصدوما في الواقع”. ويقول زاهر عن تجربته: “ما زلت لا أصدّق ما قد حدث. ولم أستوعب أني قد فقدتهم جميعا بالفعل. أحياناً أشعر وكأن شيئا لم يحدث. وأعتقد أنني سأتصل بهم لأجدهم في المنزل”.
ما تزال الظروف الدقيقة للوفاة غيرمحددة. وما زال زاهر غير متأكد فيما إذا كان القصف قد تم من الدبابات أو مدافع الهاون أو المروحيات التي تستخدمها قوات الأسد على نحو متزايد في جهودها الهادفة للتشبث بالسلطة. ولكنه مقتنع بأن الجانب الحكومي هو المسبب للحادثة. وأضاف: ” لا نعرف تماما نوع الصواريخ أو القذائف، و لا من جهة اطلاقها من دبابات أو مروحيات”. كما قال ” لم يستطع أحد إخباري الاتجاه التي أطلقت منه الصواريخ. ولكننا نعرف بشكل مؤكد 100 في المائة بأن نظام الأسد هو من يمتلك هذه الصواريخ وهذه الدبابات”.
ويبقى السؤال الذي قد لا يستطيع زاهر الإجابة عليه هو: هل تمت إصابة العائلة بشكل مقصود ومتعمد أو بشكل عشوائي نتيجة إطلاق النار؟ لم يكن للعائلة أي نشاط سياسي، حيث قضوا وقتهم في العمل في المزرعة بحياة بسيطة، يزرعون الخضار والبندورة والباذنجان. “لكن في سوريا لا يوجد رمادي. الأبيض و الأسود فقط” كما يقول، ” إذا لم تكن مع الحكومة، فإنهم يعتبرونك ضدهم”.
كان الأصدقاء والزملاء متعاونين وداعمين، و قد أمضى وقتا معهم في منازلهم لكي لا ينام وحيدا. ولكن ذلك لن يعوضه عن سوريا, لكونه بعيدا عنها. “إنه وقت صعب” كما يقول، “لا أستطيع أن أقول أي شيء آخر. إنه وقت صعب لأنني هنا، بعيدا، ولا أستطيع أن أقوم بأي شيء لأدعمهم. إنه من الصعب في حالة وفاة فرد واحد. بالنسبة لي لا أقدر تخيل ما عليه الوضع بفقدان سبعة أفراد، بالإضافة لكوني بعيدا”.
لقد أثر عليه وفاة والدته بشكل خاص. “أشعر وكأن حاضري ومستقبلي قد دُمِّر كما يقول، “اعتدت أن أخبرها عن خططي وحياتي والتفاصيل التي لا أخبر بها أحداً عني وعن مستقبلي. و قد اعتادت أن تتصل بي وتسألني عن دراستي وحياتي في بريطانيا. و قد كانت تأمل بعد نجاح الثورة بأقرب وقت أن أتمكن من العودة والانضمام لها. لا أستطيع تخيل حياتي من دونها”.
كما إني قلق على والدي وإخوتي الثلاثة. وأخشى على سلامتهم حالياً وعلى وضعهم في أعقاب هذا الحدث الكارثي.
من الغريب بالنسبة لزاهر مشاهدة أخبار سوريا وهي تخرج عن العناوين الرئيسية. هنالك بعض السوريين في مدينة باث، ولكن معظم أصدقائه من جنسيات أخرى، والعديد منهم يفترض أنه عندما لا يوجد أي شيء في أخبار المساء فإن الأمور على ما يرام. و لكن في الواقع يتم توجيه الموقف حسب تغيير جدول الأخبار المتقلبة أصلا. الهواتف المحمولة وشبكات التواصل الاجتماعي تعنى بأن تجهل آخر الأحداث والأخبار متاحة على مدار 24 ساعة يوميا.
و لكن من الصعب محاولة أن تعيش في هذه المدينة الانكليزية الخلابة بينما يكون قلبك في مكان آخر. فبينما تأخذه قدماه عبر شرفات المنازل الانكليزية التقليدية وغرف الشاي، يتجول عقله بالمقابل في شوارع دمشق. “أمضيت خمس أو عشر دقائق ماشياً ومن ثم أدركت أنني قد وصلت، ولكن لم أتذكركيف حصل ذلك”. “وذلك بسبب قلقي وتفكيري الدائمين بعائلتي وبلدي أو شيء ما قد سمعته”.
إنه متفائل جداً بأن الأحداث في الأسبوع الفائت تقريباً والتي تم فيها اغتيال قياديين في الدائرة المقربة من الأسد، حيث وصلت المواجهات لمراكز أكبر المدن الرئيسية في البلد وهما دمشق وحلب، وقد أعطت الأحداث الأخيرة دعماً للمقاتلين الثوار. “يوجد تطور على الأرض” كما يقول، “عندما تصل المعركة إلى مركز القوة فهذا يدل على أن النظام في آخر أيامه. ستكون مواجهة صعبة جداً، وسنخسر الكثير ولكن هذه هي النهاية. وسننتهي منهم قريبا”.
لديه حنين للعودة، لمواساة عائلته وليشهد شخصياً التغيرات المزلزلة التي تحدث على تراب بلده، فإذا سقط الأسد غداً، فسيكون على متن أول رحلة إلى هناك.
وبالرغم من المأساة التي حلت به، فإنه لا يعاني من الشفقة على نفسه، لأنه يدرك أنه ليس السوري الوحيد الذي يعاني، مع أنه فقد سبعة من عائلته كما يقول، لأنه يوجد آخرون فقدوا العشرات من عائلاتهم.
أرى من حولي كيف يعيش الناس هنا من حولي في مدينة باث مع عائلاتهم وانشغالاتهم واهتماماتهم.”كان لديكم كفاح طويل في بريطانيا حتى حصلتم على الديمقراطية والحرية وقد كانت في زمن مختلف. وبالنسبة لنا فهي تحدث الآن على أمل أن تتمتع الأجيال المستقبلية وتجني النتائج مثلكم.
ترجمة تنسيقية داريا