بقلم: محمد أحمد
—————————
لماذا تدعم روسيا النظام السوري بكل هذا الإصرار رغم أن احتمالات نجاته شبه معدومة؟
يعتقد فيودور لوكيانوف مدير تحرير مجلة (روسيا في السياسة العالمي) أن الجواب على هذا السؤال معقد و يتجاوز النظريات التي تم طرحها مؤخراً و التي يلخصها في تعليق له نشرته صحيفة جازيتا رو الروسية الإلكترونية، يرى لوكيانوف أن روسيا تتصرف من منطلق اعتباراتها و مصالحها التجارية مع دمشق،و يرى أن جشع الروس و رغبتهم في استمرار بيعهم الأسلحة للنظام السوري يحولان دون أن يفكرالروس بشكل يستبق الأحداث عن طريق إقامة علاقات مع القيادات السورية المحتمل وصولها إلى الحكم في المستقبل
الفرضية الثانية أو الجزء الثاني من الفرضية هو أن السلطات الروسية تتعاطف مع الأنظمة القمعية و ترفض بشكل غريزي أي نوع من أنواع التعبير الثوري
ثالثاً و أخيراً فإن روسيا تريد خلق المشاكل للغرب و خصوصاً للولايات المتحدة حسب قول لوكيانوف
و يضيف المحلل إن الفيتو الروسي سببته هذه العوامل الثلاث رغم أن الأمر أعقد منها و يتجاوزها في مجمله إلى كون روسيا ما زالت تعاني من متلازمة ليبيا،و تشعر أنه قد خداعها، حيث تحولت الأمور بفضل عدم استخدام روسيا لحق النقض في مجلس الأمن الدولي نفسه ،إلى عمل عسكري مبرر دولياً ضد القذافي أدى إلى الإطاحة به و بنظامه و هذا حسب روسيا لم يكن متفقاً عليه ،و أياً كانت أسباب روسيا في الإحجام عن الفيتو آنذاك فإن قرار موسكو ذاك كان عاملاً مهماً في انتصار ثورة ليبيا،و لكن السلطات الانتقالية الليبية صرحت أن العقود التي كانت مبرمة بين نظام القذافي و روسيا و الصين سيتم إلغاؤها على الأغلب ذلك أن أياً من هاتين الدولتين لم تشارك بشكل مباشر في إسقاط النظام السابق
موسكو ترى أن الموقف نفسه يتكرر الآن في سوريا،ليس ذلك فحسب، فحتى إن غيرت موسكو في موقفها الآن فإن القيادة السورية الجديدة ستظل تعتبر أن روسيا كانت عوناً و حليفاً للدكتاتور الأسد،و من جهة أخرى فإن أية تنازلات تقدمها روسيا للجامعة العربية لن تساهم في تقبل السياسة الروسية في العالم العربي برأي لوكيانوف،الذي يرى أن ما تقوم به روسيا اليوم هو نوع من التخلي عن الشرق الأوسط سيودي بروسيا إلى طريق لا عودة فيه ينحسر فيه دور روسيا في المنطقة شيئاً فشيئاً
برأي صاحب المقال روسيا ما زالت تستفيد من علاقات في العالم العربي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي، و لكن هذه العلاقات برأيه تضعف تدريجياً و خاصة الآن حيث أن غالبية الأنظمة العربية التي عاصرت الاتحاد السوفييتي قد تم استبدالها أو لم تعد موجودة، و هكذا فإن روسيا لا تملك أية ضمانة بأن علاقاتها مع الأنظمة العربية الجديدة ستكون متينة أو مستقرة ذلك أن الحكومات العربية الجديدة لم تضع روسيا في قائمة أولياتها،و أمّا الهوس الذي تبديه الصناعة الحربية الروسية باستغلال الوضع الحالي فيصفه لوكيانوف بالأمر المعيب و اللاأخلاقي كون النظام الذي تسعى روسيا إلى اكتساب الغنائم على حسابه هذه المرة متورطاً فيما يعتبره لوكيانوف حرباً أهليةً حصدت أرواح الآلاف من الضحايا حتى الآن،و لكن لوكيانوف يرى أن الهدف من صفقات الأسلحة الروسية ليس دعم النظام السوري ضد شعبه و إنما هي صفقات تجارية بحتة،فحتى الأسلحة التي يدافع بها المنشقون عن المتظاهرين السلميين هي أسلحة روسية الصنع و لولا الأسلحة الروسية لما وجد هؤلاء ما يدافعون به عن أنفسهم ضد نظام الأسد الدكتاتوري
و حسب ما صرح به العام الماضي فلاديمير ميلوف الذي كان يشغل منصب نائب وزير الطاقة الروسي فإن روسيا كانت قد خسرت حالي ١٥٠٠٠مليون دولار عندما تنازلت عن ديون متراكمة على ليبيا و سوريا التي كانت تدين حوالي ١٠٠٠٠مليون دولار لروسيا و ذلك مقابل صفقات أسلحة كان البلدان سيوقعانها في المستقبل،و يضيف أن المناصب العليا الشاغرة في السياسة الروسية المتعلقة بالشرق الأوسط إنما هي دليل على فشل الدبلوماسية الروسية في تلك المنطقة : من الممكن تفهم موقف روسيا الرافض و بكل صلابة و عناد لتسليم رأس النظام السوري،و الذي قد أدارت ظهرها له حتى الدول العربية،في حال سقط نظام بشار الأسد فإن ذلك لن يضر بسمعة روسيا و صورتها في المجتمع الدولي فحسب،بل إن الأسطول الحربي الروسي سيفقد
إحدى آخر قواعده العسكرية الموروثة عن الاتحاد السوفييتي خارج البلاد،قاعدة طرطوس على الساحل السوري
هذه القاعدة هي الوحيدة المتبقية للأسطول الروسي في البحر المتوسط،و هي الآن قيد التحديث و يتم إعدادها لتضم حاملات طائرات روسية،و كانت روسيا قد حصلت على هذه القاعدة بموجب اتفاق ثنائي الجانب وقعه الاتحاد السوفييتي مع سورية عام ١٩٧١.
رئيس الدبلوماسية الروسية سيرجي لافروف رفض تعليل الموقف الروسي من بيع الأسلحة لنظام الأسد بل و رفض تقديم أي شرح عن ذلك و اكتفى بالقول إن بيع الأسلحة لسورية لا يخرق أي حظر دولي
و يبقى السؤال الذي يطرح نفسه،ما نوع التنازلات التي طلبها لافروف من الأسد في زيارته التي رافقه بها مخائيل فرادكوف رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية،و هل سيستطيع النظام السوري في حال بقائه في الحكم أن يرفض طلباً لروسيا من الآن فصاعداً؟؟ كل الدلائل تشير بما لا لبس فيه أن الجمهورية العربية السورية لن تستعيد سيادتها و لن تتحرر من السيطرة الإيرانية و الروسية على القرار السوري الذي يُتخذ في طهران و موسكو،إلّا في حال سقوط نظام الأسد الذي يتجرأ بعد كلِّ ما فعله و يفعل على كيل الاتهامات للآخرين بالعمالة لجهات خارجية و حتى بالخيانة