عدنان فرزات
من شدة كرم فروع الأمن السورية على مواطنيها، فإنها تتجاوز اختصاصاتها ومسمياتها، لتشمل الأشخاص الذين لا يندرجون تحت مسمياتها، فالأمن العسكري مثلاً، لا مانع عنده من استضافة المدنيين، والأمن الجوي سراديبه مفتوحة ليس فقط للذين يطيرون في الجو، بل وحتى الأرضيين.. وهناك ما يسمى بفرع فلسطين، ولكنه يحتضن كل الجنسيات، والأمن السياسي يعتبر أن كل من لا يصفق في الخطابات، يفترض ان عدم التصفيق سببه سياسي، وصاحبه ينفذ أجندة خارجية.
ولهذه الفروع رهبتها المفزعة بين الناس، إلى درجة لو أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي هو من أشد الموالين للنظام، استضيف في أحد هذه الفروع، لخرج في اليوم التالي أكثر سلفية وعداوة للنظام من العرعور!
وهذا ما اضطرني قبل يومين إلى أن أعيد فيديو على اليوتيوب عدة مرات، ومعها قرصة لأذني، لأتأكد بأن ما أراه في التسجيل حقيقة وليس خيالاً، ويتضمن الفيديو مشاهد لمقر الأمن العسكري في دير الزور، وقد تم اقتحامه من قبل الجيش الحر، وهروب عناصر الفرع كما يبدو، لأن المصور دخل من بوابة الفرع وظل يمشي مسافة لا بأس فيها بداخله، وظهرت بعض غرفه المفزعة، وهي خاوية على تعذيبها، وعلى جدرانها الشعارات «التقديسية» المتخلفة في بلد عمره الحضاري عشرات الآلاف من السنين. ولأنني أعرف هذا الفرع جيدا، كونه يقع قرب حي سكنت فيه إبان سنوات عمري الأولى – حتى لا يشطح تفكير أحد للبعيد – فقد بدا لي الأمر أغرب مما لو خرج وليد المعلم على الشاشة غدا وقال للناس «لا تؤاخذونا». ومصدر الغرابة التي انتابتني، أن هذا الفرع هو لغز المدينة وشوكتها وقلعتها وحصنها وغموضها.. فهو يكمن في قلب المدينة، وفي أهم شوارعها، كما لو أنه ندبة نافرة في وجه حسناء. وبالتالي فإزالة هذا الفرع بمنزلة عملية تجميل لوجه هذه الحسناء. بل ومن المحزن أن هذا الفرع يتكئ على ظهر مدرسة للأطفال. ويحده من الجهة الأخرى جامع تاريخي يسمى «الحميدي»، نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد. وفي أحداث الإخوان المسلمين في الثمانينات، قام أحدهم بإلقاء قنبلة على الفرع من داخل سور هذا الجامع. وكان معظم أهالي المدينة يتحاشون المرور من الحارة التي هو فيها، وعلى المضطر أن يمشي على أطراف أصابعه كي لا يزعج الحراس المتوشحين بالبواريد والمتحصنين بمتاريس عبارة عن براميل ممتلئة بالاسمنت. وكان الشخص الذي يرأس هذا الفرع، يصبح فعلياً هو الحاكم للمدينة لسطوة وقوة هذا المكان المرعب. لذلك فإن احتلال هذا الموقع من قبل الجيش الحر، ومن قبله فروع أمن أخرى في مدينة البوكمال التابعة لدير الزور أيضا، يعد مؤشرا على انهيار المنظومة الأمنية في الأطراف.
وعلى سبيل التأكد، اتصلت بالصحافي السوري سهيل نظام الدين أسأله عن صحة خبر اقتحام هذا الفرع، فوجدته يؤكد شامتا بقوله إنه شخصيا تمت استضافته مرتين في هذا الفرع. وللأمانة – وفق قوله – في المرتين أكرموا وفادته، وأحرجوه بكرمهم، إلى درجة أنه خرج ووجهه يتلون أحمر أزرق أصفر بنفسجي… من الخجل طبعاً..!
نُشرت أيضاً في القبس الكويتية