خالد كنفاني
—————–
كان الاجتماع الأول في أحد البيوت الصغيرة في حي دمشقي قديم، ولم يكن هناك من تعمد في الاختيار، فمن يريد الكلام بحرية في سوريا عليه أن يبحث عن أضيق وأبعد الأماكن خوفاً من بطش وهمجية أمن النظام الذين لا يميزون بين الكلمة والرصاصة، وفي هذا الأمر مفارقة غريبة، فالمعتاد أن هدف تأسيس جريدة هو النشر والتوزيع لا الاختباء والتواري، ولكن قدرنا كسوريين قلب كل المفاهيم التي يعيشها البشر الطبيعيون في أمكنة أخرى من هذا العالم.
الفكرة كانت بسيطة، بضع ورقات وكمبيوتر محمول وطابعة صغيرة تمت المساهمة بثمنها عبر الأصدقاء والمخلصين، كان الجميع يشعر بالاختناق وبالحاجة الملحة للكلام والتعبير وخاصة مع بدايات الثورة والمشاعر المختلطة التي اجتاحتنا جميعاً كسوريين بين المشاركة وكيفيتها وطرقها بعد أن أفقنا فجأة على صيحات عالية تطالب برحيل النظام كأنها سحر أو كائنات فضائية
كانت كل الصعوبات تتلاشى لمجرد صدور العدد، ففرحتنا بان كلامنا يسمع ويرى ولو من قلة قليلة من الناس كان أمراً استثنائياً، وكان الأخطر أيضاً هو النشر والتوزيع، لأن ذلك ولو تم الكترونياً فإن الأمن “الساهر” على حماية الوطن كان جاهزاً لتلقف أية إشارة أو شرارة أي عمل خلاق، بدأنا نفهم معنى أن “بعض الكلام أقوى من الرصاص”، ومعنى “إن من البيان لسحراً”، لأن جنون الأمن كان يستعر لمجرد لقائهم أي كاتب أو حتى قارئ، وكان هذا الجنون بلا حدود في نظام بلا أخلاق، وهو ما كان يعرض جميع من يشارك في هذا العمل إلى مخاطر جمة، قد لا نخشى الموت، ولكننا قد نخشى على أهلينا ومن نحب، فالنظام كان ولا يزال مستعداً لإبادة عائلات بأكملها لمجرد إسكات شخص واحد.
توسعت الجريدة يوماً بعد يوم، وتم تطوير بعض أقسامها لتغطي ليس واقع الثورة فحسب بل وماضي ومستقبل سوريا أيضاً، فهي إذاً ليست مشروعاً مؤقتاً ولكنه بذرة لشجرة ستورق يوماً فكراً وحرية ستحتاجهما سوريا القادمة بشكل ملح.
رابط العدد 31 من الجريدة:
http://souriatna.files.wordpress.com/2012/04/souriatna_issue_31_a4.pdf