صبر درويش – دمشق
لا تنتمي الكاتبة والروائية روزا ياسين إلى الهامش، الذي تحدثت عنه في مقال سابق، بل هي من رائدات من كتبن عن الهامش، روزا ياسين، من أهمل المتن المزور، وأصرّ على أن الحكايا تقع في مركز الهامش؛ وهي التي رأت أن التاريخ يكون مزوراً حين يكتب بأقلام المنتصرين.منذ معرفتي المبكرة بها, وهاجس يتلبسها, ويحدد مسارات كتاباتها, كيف نوثق التاريخ, وكيف نفعل ذلك بلغة جمالية, ونكفل بأن لا يكون العابرون في هذا التاريخ مجرد عابرين؟
منذ روايتها الأولى “أبنوس” سيتخذ طغاة الشام قراراً في حصار الكاتبة وأعمالها، ستمنع الرواية من التداول في سوريا –التي كانت في تلك الأثناء تكنى بالأسد- ولم يكن ذلك سوى البداية في سفر الحصار الذي ستخوضه روزا، وهي الواعية تماماً لمخاطر طريقها.
في روايتها الثانية “نيغاتيف” ستشكل نقلةً نوعيةً في سياق الرواية التوثيقية؛ ستقارب روزا مكاناً محفوفاً بالقتل، وستقبل المغامرة، وستبدأ في فتح ملفات، كان مجرد التفكير فيها يعد جريمة، وكان الزمن زمن الطاغية حوالي عام 2005.
“نيغاتيف” رواية وثائقية، تتحدث عن تجربة المعتقلات السياسيات في السجون السورية، وتشمل نساء من الإخوان المسلمين ومن حزب العمل الشيوعي وغيرهن من المعتقلات.
أيضاً ستمنع الرواية، وستمنع صاحبتها من مغادرة البلاد. وهي نتيجة كان مفروغ منها في زمن تحديث الأسد الأقل خلوداً وتطويره.
في روايتها الثالثة “حراس الهواء” تعود روزا وتذكرنا بتجربة الحالمين ومن حوكموا وشردوا, لا لشيء, وإنما لأنهم كانوا حالمين. تدور أحداث الرواية حول عالم العمل السياسي في سوريا منذ حوالي مطلع الثمانينات, وتحاول رصد التجربة من اعتقال ومنفى وخراب معمم, بيد أن الرواية لا تلبث تنتقل إلى محورها الأساسي, فتعمل على تسليط الضوء على تداعيات الاعتقال على المحيطين بالمعتقلين من زوجات وأحباء وأبناء.. إلخ. وهو جانب في الحقيقة قلما استثار اهتمام من حاول أن يؤرخ المرحلة. “هنا سنجد من يسلط الضوء على من يشغل الهامش, وليس المتن” كما يطيب لروزا أن تردد.
أطلق على نوع من الكتابات الأدبية بأدب المعتقلات, أي الكتابة التي حاولت رصد التجربة, تجربة المعتقل؛ لا تنتمي رواية روزا إلى هذا الجنس الأدبي, ما تفعله روزا, هو توسيع رقعة السجن ذاتها لتطال حدود الوطن بأكمله, وليتحول جميع الأفراد, إلى معتقلين من دون ذنب. في هذا المناخ المشحون تحاول الروائية رصد العلاقات الاجتماعية, كما رصد عناوين الحياة البديهية من حب وحلم وأمل , جنس وحزن.. إلخ, وتطرح السؤال: ماذا يحل بهذه التفاصيل –البداهات, عندما يلقى القبض على الحياة نفسها؟؟
لم تكف روزا منذ بدايتها الأولى عن تسليط الضوء على الشرائح الاجتماعية المسحوقة، ولم يكف النظام عن مضايقتها، حيث منعها من السفر لاستلام جائزة حصلت عليها على روايتها أبنوس.
وليس من الغريب أن تكون روزا ياسين من أوائل الذين التحقوا بركب الثورة، ثورة الشعب السوري في الخامس عشر من آذار العام 2011.
كان خيارها ناجزاً منذ اليوم الأول: ما يحدث في سوريا هو ثورة، والشعب الثائر على حق في مطالبه، لم تنتظر وضوح الرؤية كما فعل البعض من مثقفي المرحلة، فأعلنت انتماؤها لثورة شعبها دون تردد.
خرجت روزا ياسين في عشرات المظاهرات، شاركت في تشييع عشرات الشهداء، والتقت بالناس، حاورتهم، واستمعت إلى ما لديهم من حلم، وهي الخبيرة في فنّ الاستماع، وكتبت حكاياهم، قصصاً باتت في متناول القارئ المهتم. وحوصرت وتم مضايقتها وهي المحسوبة على الطائفة العلوية، غادرت منزلها اكثر من مرة، ولم تكف رغم ذلك عن المضي في خيارها حتى نهايته المأمولة في إسقاط نظام بات إسقاطه يشكل ضرورة تاريخية.
وأنا إذ أكتب هذه الكلمات، وأبتدئها بالحديث عن الهامش، فذلك رداً على إعلام منحاز، منحاز لمن يعتقد أنه نجم الحدث ووجهه البارز، في الوقت الذي يعمل فيه أشخاص –كروزا- في الخفاء، لا لشيء إلا لأن هؤلاء الأشخاص يكرهون الضجيج المزيف، ويآثرون الاحتكام إلى التاريخ لا إلى اللحظة الراهنة، وإعلامها المشحون بالإثارة. فتحية لهم جميعاً.. تحيةً للهامش الذي يصنع المرحلة.