لقد كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات المطالبة بتطبيق حظر جوي على الأراضي السورية بدعوى أن هكذا خطوة يمكن أن تلجم الآلة القمعية للنظام وتخفف من الخسائر البشرية وتسهل عمليات الانشقاق في الجيش، سأحاول في هذه المقالة الموجزة تقصي الآثار المحتملة لحظر جوي على سوريا من خلال معاينة الحالات التاريخية التي تم فيها تطبيق حظر جوي على بلد ما.
لم يعرف التاريخ البشري إلا ثلاث حالات فقط تم فيها تطبيق حظر جوي على بلد ما أو جزء منه بهدف حماية المدنيين، هذه الحالات هي العراق (1991-2003)، البوسنة والهرسك (1993-1995)، ليبيا (2011).
1-العراق: تم تطبيق حظر جوي على شمال وجنوب العراق بعد قمع الانتفاضات التي اندلعت ضد نظام صدام حسين في شمال وجنوب العراق عقب حرب الخليج الثانية.
التقييم: الحظر الجوي كان فاشلاً تماماً في الحد من قدرة نظام صدام على قمع معارضيه حتى في المنطقة الكردية التي خرجت عن سيطرته وباتت جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي، فقد تدخلت قوات صدام حسين عام 1996 في القتال الدائر بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني داعمة الأخير على حساب الأول، حيث دخل 30 ألف جندي عراقي إلى أربيل وطردوا قوات الحزب الديمقراطي وأعدموا 700 أسير حرب في مناطق الحظر الجوي.
2-البوسنة والهرسك: تم تطبيق حظر جوي على عدة مراحل فوق أراضي البوسنة والهرسك بدعوى حماية المدنيين من التطهير العرقي الذي كان في أغلبه يمارس من قبل صرب البوسنة ضد مواطنيهم المسلمين والكروات، المرحلة الأولى: Operation Sky Monitor (1992-1993) ومن ثم تم توسيعها لتصبح Operation Deny Flight (1993-1995) قبل أن يتم توسيعها مرة أخرى إلى حملة قصف شاملة ومكثفة من قبل قوات الناتو لمواقع الصرب في البوسنة Operation Deliberate Force (1995).
التقييم: لقد حصلت أغلب المذابح الكبرى وأعمال التطهير العرقي في حرب البوسنة كمذبحة سربرنيتشا وحصار سراييفو والتي سقط فيها عشرات الآلاف من المسلمين البوسنة في ظل الحظر الجوي من قبل قوات الناتو والذي كان عاجزاً تماماً عن حماية المدنيين البوسنيين من الميليشيات الصربية التي لم تحتج إلى الطيران على الإطلاق في تنظيم حملاتها الدموية، الحرب لم تنته إلا بعد أن شن الناتو حملة قصف مكثفة على قوات صرب البوسنة مما أجبر الصرب على الدخول في مفاوضات سلام برعاية دولية مع البوسنيين والكروات، انتهت هذه المفاوضات بتوقيع اتفاقية دايتون عام 1995 والتي نصت على تقسيم البوسنة إلى كيانين سياسيين يتمتع كل منهما بالحكم الذاتي: جمهورية صرب البوسنة والتي تسيطر على 49% من أراضي البوسنة فيما يشكل الباقي أراضي اتحاد البوسنة والهرسك، ولا أعتقد بأن أحداً من الثوار في سوريا يخاطر بحياته من أجل أن ينتهي الأمر باتفاق لتقاسم السلطة بين نظام بشار وطرف آخر كالمجلس الوطني.
3-ليبيا: لقد تم تطبيق حظر جوي على الأراضي الليبية في يوم 17 آذار لحماية المدنيين الليبيين من مذابح محتملة من قبل قوات القذافي.
التقييم: على الرغم من هذا الحظر وعلى الرغم من انشقاق عدد من وحدات الجيش الليبي بأسلحتها وانضمامها إلى الثوار إلا أن ذلك لم يكن كافياً لانتصارهم عسكرياً، فقد تطلب ذلك دعماً جوياً وصاروخياً مكثفاً من قوات الناتو التي لم تكتف بتطبيق الحظر الجوي بل قامت أيضاً بتوجيه ضربات متكررة لقوات القذافي البرية ومقراته العسكرية والقيادية فضلاً عن إمدادت بالأسلحة لقوات الثوار، الحظر الجوي لم يكن إلا غطاء قانونيا لتدخل عسكري مباشر، وهذا الأمر –أي تدخل عسكري مكثف من الناتو- لا يبدو على الإطلاق في الأفق بالنسبة لسوريا.
من الواضح جداً أن الأمثلة السابقة لا تدعم على الإطلاق فكرة الدعوة إلى حظر جوي فوق الأراضي السورية، فالحظر الجوي لوحده غير كافٍ على لجم القوات البرية من ارتكاب أعمال قمع وقتل وحتى مذابح تطهير عرقي، فمن دون تدخل عسكري مباشر من قوات تتمتع بقدرات عسكرية متطورة جداً -كتلك التي يمتلكها الناتو- يبدو الحظر الجوي غير مفيد على الإطلاق إن لم يكن مضراً، وهذا الأمر كما ذكرت غير وارد في الحالة السورية لأسباب يطول شرحها، كما أن تدخل الناتو لن يؤدي بالضرورة إلى الانتصار ففي حالة نزاع عرقي أو طائفي طويل الأمد كما في الحالة البوسنية يبدو مؤتمر للسلام ينتهي بمحاصصة ما على الطراز العراقي أو اللبناني (اتفاق الطائف) أكثر احتمالاً.
فليس من قبيل المصادفة على الإطلاق أن يكون الغرب قد عمل على اقتلاع نظامي الحكم في ليبيا والعراق (البلدين الغنيين بالنفط) في حين أنه اكتفى باتفاق محاصصة عرقية-طائفية في حالة البوسنة الفقيرة نسبياً بالموارد الطبيعية.
——————
Mohammad
تعليق واحد
تدوينة منحازة تماما وتفتقد الى ابسط معايير الموضوعية