أحمد شوال: أستاذ الشريعة ومصير السلاح
بقلم: عمار أبو خالد.
في ظل النزاعات المسلحة بين مقاتلي الجيش الحر من جهة، ومقاتلي جيش النظام من جهة أخرى، وبعيداً عن الحروب وأصوات المدافع والرصاص، وفي أحد المنازل التي لقيت نصيبها من قذائف وصواريخ النظام التقينا مع احد عناصر كتيبة القوات الخاصة بريف اللاذقية والمدعو (أحمد شوال)، التقينا به لنعرف من هو الإنسان الذي بداخله، والذي تحول مع هذه الأحوال إلى مقاتل فكان معه هذه اللقاء:
دخلنا الغرفة وكانت شبه مظلمة يدخلها القليل من نور الشموع التي تضيء المكان، جلسنا على إحدى الفرش التي تم وضعها على الأرض بجانب المدفأة وسألت (أحمد):(كيف حالك؟)، فأجاب: (الحمد لله)، مع أن وجهه رسمت عليه آثار التعب والإنهاك. (أحمد) رجل نحيل، ذو عزم قوي، أكل الشيب شعره، وله لحية بيضاء تناهز ال45 من العمر. كان يلقب بين جميع الناس “أستاذ أحمد”، فخطر لي بدايةً أن أسئلة لماذا ينادوه بهذا اللقب، فأجابني قائلا: (ينادوني هكذا لأني كنت أستاذ (مدرس) أدرس مادة الديانة الإسلامية للطلاب عملُ طالما أحببته رغم مشاقه ولكن يكفيني اجري عند الله)
(أستاذ!!؟ لماذا حملت السلاح؟)، قال: (نعم أستاذ، وحملت السلاح لأني أستاذ، وأنا قدوة لطلابي. وثانيا هذا واجبي لله وللوطن، وعلي تلبية الواجب، فبعد كل هذا الظلم الذي تعرضنا له، ونحن نقول سلمية، إلى متى؟ إلى أن ألا يبقى أحد كما يرددون: “لا أحد إلا بشار الأسد”؟؟)، وتابع: (لذلك لم نحمل السلاح حباً بالعنف، بل لأنه فرض علينا كما تعرف، فنحن نعرف بسماحة دين الإسلام، ولكن بنفس الوقت نحن أشداء على الكفار. أنهى كلامه، وبدا على (أحمد) شيءُ من الانفعال والغضب، فرشف من كأس الشاي، حين سألته:(أحمد أنت مدرس. كيف وصلت إلى هذا الطريق، طريق السلاح؟)، فأجاب: (أخي الكبير طارق أسس كتيبة، وهو من الأشخاص المتدينين والمطلوبين من قوى الأمن النظامية بشدة. كان أخي في بداية الثورة يقول لي هذا النظام لن يسقط إلا بقوة السلاح. كنت من الأشخاص المعارضين لرأيه في البداية، ولكن عندما وصلنا لمرحلة لم يعد أي إنسان قادر على السكوت، ذهبت لعند أخي، وهنا كان القرار. صارحته بقراري، وأنني أريد الانضمام للكتيبة. وهكذا كانت بداية طريقي بحمل السلاح. اخترت حمل السلاح بوجه هذا النظام حتى إسقاطه).
وحين استفسر من (أحمد) إن كان يعني أن الجميع سوف يسلمون السلاح عند إسقاط النظام، أجابني بوضوح:(السلاح لن يسلمه الجميع. فسيبقى على البعض حمل السلاح لحماية الدولة الجديدة. ولا أخفيك أنه هناك بعض الأشخاص لن يسلموه، وسيستخدمونه لمصالحهم، يجب أن تكون هناك قوة رادعة لهم. أما بالنسبة لي، فإن كتب الله لي الحياة، فلن احمل السلاح. لأن مهمتي كمقاتل تنتهي، وتبدأ مهمتي الجديدة، وهي مهمة المساهمة ببناء سوريا المستقبل. خصوصاً أن مهنتي هي المدرس، يعني مهنة بناء الأجيال)
قلت على عجل: (بما أنك ذكرت الأجيال، يعني الأولاد. لقد شاهدت قبل قليل الولد الصغير الذي قدم لنا الشاي. هل هو ابنك؟ وهل عائلتك معك؟)، قال (أحمد شوال) الأب هذه المرة: (نعم هو ابني الأوسط، وزوجتي وأولادي معي أما والدي، فهما مايزالان في المدينة، أي تحت سيطرة النظام)، أخذ نفساً عميقاً وأضاف وهو ينظر في عيني: (لا تسألني إن كنت أخاف عليهم. فزوجتي وأولادي مثلهم كمثل الجميع، لن يحصل لهم إلا ماكتب الله لهما. أما والدي فأنا خائف عليهما لكن يأبون الخروج من منزلهم.
بدت على وجه (أحمد) علامة حزن على والديه، فسألته: (أتخاف الموت أم تخاف من الهزيمة؟)، أجاب بعفوية: (يا أخي اسمع. إن كنا نخاف من الموت لما خرجنا وحملنا السلاح يعتقد الكثير أننا نخاف من الموت لكن بالعكس يوجد لدينا الكثير من الشباب تريد الشهادة وأنا ممن يطلبون الشهادة.. لا أعلم، لكن أنا أؤمن بأن الظلم لن ينتصر، وأن الحق هو المنتصر دائما. واستشهد بما قال (عمر المختار)، نحن لانهزم، فإما أن ننتصر أو نموت).
وقال أحمد رأيه صراحة بأولئك الذين لم يحملوا السلاح في سورية: (المشكلة أنه أصبح ينظر للشعب بعدة فئات؛ مسلح وغير مسلح. يا أخي أنا بسلاح أو بدون سلاح أبقى مواطن. لا فرق بيني وبين الذي لا يحمل سلاح. جميعنا أولاد وطن واحد، أو إذ لم نكن أولاد مدينة أو حارة واحدة. أنت تعرف طبيعة الألفة بين الشعب السوري. عندما حملنا السلاح، أصبح علينا للمدنيين حقوق، وعليهم لنا حقوق. وجب علينا قيام خدمات الدولة التي فقدت كالأمن والحماية وهذا واجبي كمواطن حامل سلاح أما المواطن يلي ما حامل سلاح فلديه خدمات أخرى ومتعددة كطبيب وسائق ووو غيره من المهن. أنت تعرف.. وهناك من يرى أن كل شخص مسلح هو شخص لا يوجد بقلبه رحمة او لا يوجد لديه قلب انتزع منه العطف والحنين. سلاحي لا أستخدمه إلا في المعارك ولا أظهره أمام أطفالي. نحن بشر بالنهاية، لمن نأتي من كوكب آخر. ونحن من هذا الشعب لكن القدر حتم علينا وأجبرنا بحمل هذا السلاح للدفاع عن أنفسنا وأعراضنا)، ثم تابع وهو شير بيده إلى الساحة المليئة بالثلج أمامنا: (لابد أنك رأيت قبل قليل قائد الكتيبة. وكيف يلعب بالثلج مع أفراد المجموعة المقاتلة. لسنا بتلك الشخصية التي ترسم بذهون البعض أننا أشخاص نزعت الرحمة من قلوبهم.
ولم استطع الرحيل وترك حياة المدرس (أحمد شوال) الذي تحول مقاتلاً، دون أن اسأله: (هل أنت سعيد بهذه الحياة التي تواجهها الآن؟)، أجاب دون أن تخفى عن وجهه علامات تعب: (حياتنا رغم صعوبتها لكنها جميلة. نقضي اليوم بمهام يوزعها لنا قائد الكتيبة، ونجتمع مع بعضنا عند كل صلاة. وفي نهاية النهار، نجتمع سوية بسهرة جماعية. لدينا هنا أحد المقاتلين ذو حنجرة عذبة، فيبدأ لنا بالإنشاد. ونمارس الرياضة يومياً للحفاظ على اللياقة البدنية. وللترفيه عن النفس. أتعرف؟ هناك دوري كرة قدم. ونقسم بعضنا لفرق لنلعب بالكرة. علنا نستعيد روح المرح والمزاح)، ويضحك (أحمد) وهو ينهي اللقاء بيننا.
ملاذ: أحارب الديكتاتور، الذي يسرق حاضرنا، ويحاول أن يطفئ المستقبل بإجرامه
بقلم: محمود الشامي.
عندما تختلط البساطة مع البطولة نقع في علاقة رائعة تجسّد ملامح الأبطال وبعيداً عن ضجيج الموت وبالقرب من إنسانية مقاتل يعشق حلمه ويناضل من أجل حياةٍ كريمة لأبناء بلده.
كان للمصافحة القوية، والسلام الحار الواقع الذي يعبّر عن الثقة التي يتمتع بها (ملاذ سلوم)، قائد المجلس العسكري لمنطقة الهامة الذي أنهى 32 ربيعاً. متزوج، وله فتاة واحدة. كان يتقن مهنته في مجال الكهرباء الصناعية، حتى خرج ليتظاهر مع بداية الثورة. لم يكن من أجهزة الأمن إلا أن تلاحقه، ووضعت اسمه تحت قائمة “الإرهابيين”. تعرضت إحدى المظاهرات، التي كان قد شارك بها في بلدته الهامة، والتي تقع في ريف دمشق، فيشق بردى بيوتها الدافئة ويغرق الياسمين رائحة أزقتها الريفية، تعرضت المظاهرة لهجوم من قبل الأجهزة الأمنية فسقط ضحايا.
من هنا قرر ملاذ تشكيل مجموعة لحماية المتظاهرين، ولم يكن يملك سوى القليل من السلاح الخفيف، مثل البومب أكشن الذي كان يستخدمه لممارسة هواية الصيد.
ومع تزايد المعاناة وسقوط الضحايا، اتفق مع مجموعة من أبناء بلدته وبعض الناشطين في الثورة، على تشكيل كتيبة (شهداء العاصمة) لحماية المتظاهرين السلميين من بطش الأجهزة الأمنية وما يعرف (بالنظام الطاغية البعثي).
يقول ملاذ: (الخوف غريزة لدى الإنسان، لكن نحن كثوار معرضين في كل لحظة للموت. لا نخافه ومستعدين لأجله لأننا مؤمنون بالله. لكن أتمنى لابنتي وأبناء وطني أن يتحرروا من هكذا عبودية. وأن يتخلصوا من لديكتاتور الذي يسرق حاضرهم ويحاول أن يطفئ المستقبل بإجرامه)
ويتابع ملاذ، وعيونه تحكي قصةً عن واقعٍ مرير: (ننتصر عندما نصبح أحراراً. ننتصر عندما يكون لكل مواطن حقوق يحصل عليها وواجبات يؤديها، بعيداً عن انتمائه المذهبي. ننتصر عندما تتحقق أهداف ثورتنا بالحرية، والعدالة. وعندما ننحرف عن هذه البوصلة يكون مصيرنا الهزيمة لا محال. ولهذا أمثلة كثيرة أوضحها الطائفية المملة التي يريد أن يوقعنا هذا الديكتاتور بها ويعمل على زراعتها)
ويعد (أبو إسماعيل) وهو ينظر إلى دخان السيجارة التي بين أصابعه: (إن قدر الله تعالى لي أن أحيا بعد سقوط النظام، سأعود لحياتي الطبيعية سأعود لابنتي الصغيرة، سأعود لزوجتي التي أعشقها. سأترك السلاح لنبدأ بإعمار بلدنا بالإنسان الذي همّش على مدى عقود، بالقلم الذي كان مكبّلاً لسنين).
سوريتنا | العدد السابع والسبعون | 10 آذار 2013
لنصوص المشاركة: الجزء الأول
النص الأول: (أحمد شوال: أستاذ الشريعة ومصير السلاح)
بقلم: عمار أبو خالد.
النص الثاني: (ملاذ: أحارب الديكتاتور، الذي يسرق حاضرنا، ويحاول أن يطفئ المستقبل بإجرامه)
بقلم: محمود الشامي.
النصوص المشاركة: الجزء الثاني
النص الثالث: (حكاية مجد: أخو الشهيد وعهد الأخوّة)
بقلم: أبو عمير الكفرسوسي.
النص الرابع: (شهادة المنشق عن دوما ودرعا)
شهادة: أحمد مسعود / صياغة: محمد نور كبة.
تحرير النصوص: علاء رشيدي.
إن الآراء الواردة في الملف، قد لا تعبر عن وجهة نظر الصحيفة. وهي مرتبطة بالكتاب وراء هذه النصوص والشهادات.
ينشر هذا الملف على جزأين، بالتزامن بين جريدة “سوريتنا”، وجريدة “حنطة”.
– هذه النصوص الأربعة، ثمرة تدريب لمجموعة من المواطنين – المراسلين، على الكتابة والصياغة الصحفية. ولأن أغلب المتدربين، هم من المواطنين – المراسلين، إما في مناطق النزاعات المسلحة، أو مرافقين لمجموعات مسلحة، اتفق على موضوعة “حكاية مقاتل”، كموضوع مشترك لكل المتدربين.
قدمت النصوص، وتم اختيار 4 منها، لتشكل ملفاً صحفياً يرفد وسائل الإعلام، بفكرة مختلفة، عن صورة “المقاتل”. غالباً، ما يصور المقاتلون اليوم في سورية، عبر وسائل الإعلام، كمحاربين، يطلقون النار من فسحة جدار، أو يداهمون مواقع عسكرية بعمليات عنيفة. ملف “حكاية مقاتل”، يضم 4 نصوص، تسعى لتسليط الضوء على الإنساني في حياة المقاتل، على اليومي، وعلى الرحلة الطويلة والشاقة لبعضهم، من الانشقاق بين جيشين.
“حكاية مقاتل” هو ملف يسعى الرواة من خلاله لأن يلطفوا من أثر السلاح والعنف على حياتهم. رواة أرادوا أن يأنسنوا صورة المقاتل الذي أصبح جزءاً يومياً من حياتهم. ملف كتبه أشخاص يرغبون أن ينقلوا إلى العالم صورة مختلفة عن المقاتل في سورية.
إنها حكايات اختارها كاتبوها أن يقولوا أن المستقبل كامن في الإنسانية التي لابد من استخراجها من أعماق المقاتل، رغم كل كم العنف المفقد للآمال.