كيف أتحررُ منكِ و أنتِ عشقُ السجونِ و استكانة المظلوم للأسر؟… كيف أنساكي و أنتِ الذاكرة؟… بماذا أناديكِ و كل الأبجديات تبدأ بكِ و تنتهي باسمك؟… عشقكِ أخضر كبابل، فاتنٌ كعشتار، متمردٌ كغجريّة، و راقٍ كرنّةِ خلخالٍ في آخر الليل
سامحيني، فلم أكن أعلم أنّي مولعٌ بك إلى هذا الحدّ!!… لم أكن أدركُ أنكِ، و مهما طال بي الزمان بعيداً، ستظلّي بيتي الدافىء الذي أشتاق إليه كلمّا تعبتْ… حبّي الصبيانيّ المراهق.. أمّي و أبي… عبثُ الشباب و أحلام الطفولة
سامحيني، حرمتك الحنان… ففاقد الشيء لا يعطيه يا وطني… يا وطن الغربة و السفر.. يا من جعلت الرحيل في الأمس واقعاً و العودة اليوم حلماً… كم من روح تائهةٍ تاقت إليك.. كم من جسد أضناه الليل حتى صار السراب أسلوب حياة يومية.. ترى رجلاً يركض حافي القدمين بين الشوارع العتيقة، يعانق الغرباء من المارّة و يقبّل أيادي العجائز و وجنات الأطفال و حجارة الرصيف… يتأمل في سُكرٍ غيوم سمائِكَ المبعثرة كسنين عمره الذي ضاع بعيداً عنك
كلُّ الشموع اليوم فيك اصطبغَتْ بالأحمر القاني، لا لرومانسية الموقف بل لختم أبواب الحياة و إقفال شفاه الحريّة… حتى الموسيقى لم تنجو، فصارت “أجراس العودة” تُقرع لتزعج الإنسان المستكين في سباته داخلنا و أمست “لسّى فاكر” مصدراً لأرقٍ حاقدٍ كل ليلة، كلما رنمّتها كوكب الشرق بكينا أطلال الشرق على هذا الكوكب… وحتى أوتار العود غلبها النعاس ومالت على خشب السنديان في خمولٍ بعد أن ودّعت ريشة حالمة. وقد يخيّل إليك أن الخمول حالةُ عابرة أو ربما عادة تستحوذ علينا لبعض من الزمن، ولكنك هناك تعرف جيداً أنه أصبح أسلوب حياة نحياه و يحيا فينا حتى يميتنا الضجر… ولا يبقى سوى بقية بوح يدلل على الهوى المذبوح تحت سكين
لم أكن يوماً قاتلاً… و إن كنتَ قاتلي
ارتضيتُ فيكَ أن أكونَ الضحيّة
فإنّي، يا سيدي يا موطني
و جرحُكَ في الهوى ســـــــــويا
يا وطناً صُلِبَتْ فيك القصائدُ
و أنتَ مهدُ الأبجديَــــــة
نضبت فيك الجداولُ و الأنهارُ و العقولُ
ونُصبَتْ على أغصانِكَ الخضرُ
مشانقُ الرعيّة…
لم يبقى فيكَ إلاّ المساءُ
وطفلٌ ماجنٌ حائرٌ
يغزلُ الحبّ في ضفائر صبيّة
في عيونٍ من بحر مرمرة
يهديها قصيدة عن أرض ٍمدمّرة
ويتركُ عندها ما تبقّى
من حكاية الحريــّــة
بقلم كريم ليلى
تعليق واحد
تنبيه: خريطة جسد… بقايا وطن « مختارات من الثورة السورية