فرج بيرقداء سُجن 14 عاماً … و يطلّ على السجن من شرفة الشعر .. من بئر الإنسان الأعمق .. إلى حقيقة الدولة الأكثر جلاءً
تدمر و سجون سورية بشكل عامّ كانت المكان الأكثر وضوحا و الأكثر تمظهرا لفلسفة الدولة و طبيعتها …تدجين , ساديّة , سورياليّة , فظاعة , أبالسة , حهنّميّة , فوق الخيال , كثير من الكلمات قد تُستخدم لتبلغ هذا التوصيف , و لكن لا شيء يشبه حقّا طعم الفأر الميت سوى طعم الفأر الميت .. و لا شيء يشبه حقّا دموع الأب لاشتياق ابنته سوى دموع الأب , و لا شيء يشبه حقّا صعقة الكهرباء سوى صعقة الكهرباء هنا شهادةٌ تنحت المجاز و تنازع الكلمات لتفهمنا حقيقة المأساة , حقيقة تدمر , حيث كانت عقود من الصمت و من ممارسة العاديّة خارج أسوار الفظاعة .. حيث علينا جميعاً أن نشعر بالعار……
“ما الذي يعنيه أن تحس بالعار، ولا يتاح لك أن تغسله حتى بدمك؟
يا أين أنت كم يبدو السؤال فاضحاً ومجللاً بالخزي والخذلان!
هل تعتقد أن المسألة تتعلق باغتصاب امرأة مثلاً؟
تقتلني لو فكرتَ على هذا النحو.
لا اغتصاب امرأة، ولا اغتصاب ثروة أو منصب، ولا حتى اغتصاب وطن.
كل هذه الأمور عرضية وقابلة للغفران والتجاوز وردّ الاعتبار. أما اغتصاب الإنسان بإطلاق.. اغتصاب الإنسان كمفهوم.. اغتصابه كوجود!
لا..
ليتها من حجر هذه الروح الملعونة.
إختر لي أي شيء لأنتمي إليه.
خذ أي شيء.. خذني كاملاً.. أعني ما تبقى مني كاملاً، مقابل تبرئتي من فضيحة كوني إنساناً، من فضيحة كوني قاتلاً أو قتيلاً.
هل تصدق أني أخجل من جلادي؟
ولا أبالغ إذا قلت، إني أخجل عنه أحياناً.
ياألله كم يبدو هذا الوحل بشعاً ونذلاً ومقرفاً، وفي النهاية مثيراً للرثاء.
وحق ما كان وما سوف يكون.. لا أحمل في داخلي ضغينة على أحد، ولكن هذا الكائن ملوث إلى آخره، ويلوثني معه.
دعك من يديه وأظافره وأسنانه.. حتى عيناه ملوثتان.. وأنت دائماً في مرمى عينيه.
قد يخيل إليك الآن، أن المشكلة كلها تبدأ وتنتهي بهذا الجلاد المسكين، وحقيقة الأمر ليست كذلك.
هل تريدني صريحاً إلى النهاية؟
حسناً..
تخجلني هذه القابلية المرعبة للبيع والشراء.. للذل والمراوغة والدجل.. يخجلني هذا التواطؤ المحيِّر بين الضحية وجلادها.. هذا الحشد الهائل من السماسرة والمهرِّجين وشهود الزور.. من الوعّاظ والمريدين والجواكر والموتى وأصحاب السوابق.
وأما أنت..
بلى أنت..
فكم يخجلني.. صمتك!”
خاتمة كتاب خيانات اللغة و الصمت – فرج بيرقدار
————–
عن إنسان
تعليق واحد
Reblogged this on Nizar Rammal and commented:
التغريبة العربية، يا للعار