في درعا كل الناس أهل و أحباب . تذوب الأديان و المعتقدات في قالب العادات و الكرم و المؤاخاة و إكرام الضيف، غاب الخيل و ما غابت أخلاق الفرسان، غابت الخيام و ما غابت نخوة البدوي و كرامته، غابت الربابة و ليالي السهر تحت النجوم و ما غاب حب الحياة.
هذه درعا اليوم و التي كانت في ليلنا الحالك شمعة، تتلقى الصفعات من القاتل و لم تعرف الاستكانة، لم تنل جنازير الدبابات من عزيمتها، ولا أفواه البنادق أسكتت صوت اطفالها.
قدمت درعا على مذبح الحرية أول شهيد في الثورة السورية ” حسام عيّاش “، و قدمت أول طفلة ” ابتسام مسالمة “، و أول طفل معذب في السجون ” حمزة الخطيب و تامر الشرعي “، حطمت أول تمثال للأب القاتل، و على أرضها سقط أول طبيب في الثورة ” علي محاميد ” أثناء إسعافه لجرحى الثورة، في ساحات درعا خرجت أول مظاهرة حاشدة شارك فيها كل أهل درعا، و على ثرى حوران حصلت اول و اعنف المجازر ” مجزرة الكازية , مجزرة اقتحام الجامع العمري , مجزرة ازرع , مجزرة الصنمين ” قدمت أول شهداء انتفاضة رمضان، و أعطت الثورة السورية أجمل الهتافات ” الموت ولا المذلة “، نفذّت أول عصيان مدني شامل في مدنها و قراها، تلقت أول و أعنف حملة عسكرية شنها نظام الأسد ضد الثائرين على حكمه ليلة الإثنين في الخامس و العشرين من شهر نيسان ابريل الماضي.
تحفظ ساحة الكرامة قرب الجامع العمري كل اسم شهيد، تعرف شوارع درعا ابتساماتهم و ضحكاتهم و عويل أهلهم، و تتذكر ساحة السرايا في قلب المدينة فزعة أهل قرى حوران العظيم عندما كانت درعا وحيدة يتيمة تنزف الدم ولا تعرف عينيها الدموع ولا يعرف رأسها الخضوع.
هنا درعا أيها الشقي. تحرسها قلاع بصرى، و صهوات خيول أهل نوى و الحراك و جاسم و الطيبة و نصيب و الصنمين و ازرع و الحارّة و داعل و صيدا و باقي مدن حوران الكرامة.
هنا حوران . حيث تشمخ سنابل القمح، ويموت الزيتون في أرضها واقفاً. هنا شرشف القصب المطرز بنيسان، هنا عرس الصبايا و لمّة الخلّان، هنا يبحث الغريب عن الرفقة.
قسماً لن تنالوا منها، بحق كل قطرة من دماء شهدائها ال 900، سيرقص أبطال درعا على لحن المجوز و الربابة، يعلون رايات النصر، ويصبح مسجدها العمري محجاً لكل الأحرار، و مقبرة شهدائها مزاراً لكل من يريد ان يتعلّم كيف تكون الكرامة
—————————-
بقلم : Safo Horria