قد يتشابه بالاسم مع دون كيخوتة، و قد يتشابه بالشكل معه أيضا، بطوله و نحله، إلا أنه يتميز بعلامات الدهشة و الاستغراب الدائمة، التى لا تفارق وجهه، و ابتسامة هزلية كما لو كانت تمثيلية كوميدية فاشلة.
بالمظهر قد يتشابه الاثنان، لكن المضمون مختلف تماما، فدون كيخوته يسعى لتحقيق العدالة كفارس نبيل و القضاء على الظلم بخوضه المعارك و ان كانت وهمية، لكن دون بيشوتة يسعى الى العكس تماما، كفارس من عائلة ملكية تائه بين رغبات ابيه الملك و بين ساذجته المطلقة يصل الى الحكم، و يشعر بقوة كلمته التي لم تلقى صدى و لم تجد من يسمعها من قبل، يشعر دون بيشوتة بأهمية ما تركه والده له، يشعر بهيبة الملك و الخوف الذي زرعه بقلوب من أحاطه، يشعر بوجوده و كيانه لأول مرة، ينطلق دون بيشوتة بسذاجته المعتادة ليثبت أنه ليس ذاك الفارس الهزيل المنسي.
دارت المعركة الأولى لدون بيشوتة بينه و بين نفسه، حين حارب شخصيته الهزيلة ليقنع نفسه بأوهامه و طموحات أبيه، تعلم الفروسية و أصبح صديقا لامراء انكلترا، أراد أن يصبح أميرا مثلهم و أن يراه الشعب اميرا و ليس ان يرى نفسه وحده اميرا، فقرر حين عودته أن يجتمع بفرسان الشعب، و يثبت لهم أنه لم يعد ذاك الفتى المدلل و ان نظرات الاستغراب و الغباء لم تعد جزء منه، و أن تلك الضحكات الطفولية العالية اصبحت من الماضي، على الرغم من ذلك فان دون بيشوتة لم يتمتع بتلك الشخصية المبادرة و القوية، فدخل مجلس الفرسان لاول مرة مترددا خائفا، من تلك الفرسان طويلة القامة، مشدودة العضلات، نبيلة الخلق، سباقة لفرض العدالة و المساواة، لكن ما أن اصبح بينهم حتى انهالت عليه كلمات الوفاء و التضحية، و احاطه الفرسان جميعا و صدحت هتافات الولاء و الطاعة المطلقة، و كعادته فان دون بيشوتة يبحر في عالم احلامه و اوهامه لينتصر على كل اعدائه، فلم يستطع مقاومة تلك الابتسامة الصغيرة اللا واعية و نظراته اللا متناهية في الافق. وحقق الفارس نصره الاول.
المعركة الثانية طيور اللقلق
مرت الأيام و دون بيشوتة ينتظر معركته الثانية ليرتدي ثوبه الأسود و ينقض على خصومه، و يثبت أفكاره و صلابته، وقوة العزيمة التي اكتسبها، و يثبت لنفسه أيضا بأنها ليست أوهام ينتشي بها في قصره، و انما حقيقة عمل سنوات لأجلها، و ان ما يكن له شعبه المخلص من وفاء و تضحية و احترام امر لا شك فيه، و حقيقة لا يمكن انكارها.
انتظر طويلا، فاذ بيوم من الأيام يعلم بأن طيورا غريبة قد حلقت فوق ارضه، و اقتربت من قصره، فاهتز عرشه، و ارتعشت يداه و عجزت على أن تحمله قدماه، بدأ صراخه يملئ القصر, متسائلا من تلك الطيور الغريبة؟ من أين جائت؟ ماهي اشكالها و لما لم تقتلوها دارت الدائرة، و تغيرت وجوه الفرسان الحائرة، من الفارس الاول؟ و من يصدر القرار هنا؟ نحن أم جلالتك؟ شعر الفارس بخيبة أمل كبرى بأولى معاركه، فالتصق بكرسيه أربعة أيام يفكر، بعد أن ملئ القلق جسده، و احتلت معالم الخوف تقاطيع وجهه، حتى خرج بنظرية خيالية لم يصدقها حتى هو نفسه، طيور مهاجرة طائشة قد ضلت طريقها فمرت من هنا، و حقق الفارس نصره الثاني.
——————-
by: roamer