بقلم أخت شاركت في تشييع المزة
——————————–
كان الموعد المقرر للصلاة على الشهداء الساعة العاشرة و النصف صباحاً عند جامع المزة الكبير، على أن يعبر التشييع اتوستراد المزة من البساتين خلف الرازي، في العاشرة و الربع وصلنا إلى الأوتوستراد ، كان الناس مجتمعين بشكل ملفت للنظر على جهتي الأتوستراد من طرف سيرياتيل و من طرف المستشارية الإيرانية ، مع تواجد واضح أيضاً لعناصر الجيش والأمن المسلحين ، أخبرتني نسوة من منطقة المزة –بساتين ، بأن الأمن عقد اتفاقاً مع أهل المزة بأن يتركهم ليشيعوا شهداءهم على أن يلتزم المشيعون بكلمات مثل (الله أكبر ) (لا إله إلا الله و الشهيد حبيب الله )( لبيك لبيك يا الله) و غيرها ، دون أن يرددوا شعارات ضد الأسد ودون شعار (الشعب يريد إسقاط النظام).
شاهدت بعيني كيف أن الثوار الملثمين يقومون بإيقاف السيارات في الاوتوستراد على مرأى عين المرور و الأمن و الذين كانوا يشاهدون و يراقبون دون أن يتدخلوا …أخذنا نردد ( ليش خايفين الله معنا) (يا الله عجل فرجك يا الله) (الله أكبر) (لا إله إلا الله و الشهيد حبيب الله ) ( أبو الشهيد ارفع راسك)… و أثناء تواجدنا بالاتوستراد وقبل عبوره إلى طلعة الإسكان ..جاء باص مليء بعناصر الجيش المسلحين ، فقال لهم رجل الأمن الذي كان على مايبدو مسؤولاً عن مراقبة الوضع قال لهم بالحرف الواحد ( خليهم برا ..خليلي ياهم برا) ..في إشارة إلى أنه يأمرهم بعدم إدخال باص الجيش .
بقينا نهتف و ننظر إلى الأبنية التي تضم منازل الأثرياء و المسؤولين الذي كانوا يراقبوننا من على الشرفات و النوافذ ، نشير إليهم و نهتف الله أكبر ، في مشهد تحفيزي لكي ينضموا إلينا ، سار الموكب في طلعة الإسكان التي تحوي جامع الزهراء … كان من يقود الركب قرر التوقف هناك و بدؤوا يعلنون بأنهم سيصلون على الشهداء هناك ، غير أن جامع الزهراء كان مغلقاً ….(لا أعرف لماذا قالوا ذلك على الرغم من أنهم أعلنوا مسبقاً أن الصلاة على الشهداء ستكون في جامع المزة الكبير) ..توقفنا طويلاً في طلعة الإسكان نهتف ، و الشباب قاموا بعمل دبكات احتفالاً بعرس الشهداء.. بعدها قرأنا الفاتحة بشكل جماعي على أرواح الشهداء، تابعنا سيرنا باتجاه جامع المزة الكبير، و رأينا وفوداً تنتظر هناك …
اصطففنا خارج الجامع للصلاة على الشهداء، حيث أن الجامع لا يتسع لعشرات آلاف من المشيعين، عند انتهائنا من الصلاة على الشهداء … بدأ الثلج يتساقط من السماء … و كأنه يحتفل بصعود أرواح الشهداء إلى الجنة ، كان منظراً مهيباً ، خاشعاً ، و رومانسياً أيضاً ، و كأننا في عرس حقيقي حيث بدأ الثلج بلونه الأبيض يغطي كل شيء، تلونت هتافاتنا و تكبيراتنا بالأبيض …و واصل المشيعون حمل النعوش إلى المقبرة ، في هذه الأثناء بقيت النساء و جزء من الرجال واقفين في حشود كبيرة قرب الجامع في المنطقة بين الجامع و بنايات الأربعة عشر ، يهتفون و يكبرون و يحتفلون بالشهداء الذين شاركتنا السماء احتفالنا بهم ، كان أجمل منظر لهطول الثلج أراه في حياتي ، و كان عدد كبير من الشباب قد تسلقوا الأبنية يصورون ما يحدث وسط مراقبة من عناصر الأمن دون تدخل من الأمن ، بناء على الاتفاق المبرم بينهم.
وصل الشهداء إلى المقبرة ، أثناء الدفن أو بعده ، لا أعرف بالضبط لأنني بقيت مع من يهتفون قرب بنايات الأربعة عشر… رفع المتظاهرون حولي علم الاستقلال … و صفروا حماساً و أخذوا يصرخون ،بقيت الأمر كذلك حوالي الخمس دقائق ، بعدها هتف شاب من حولنا ( الله محيي الجيش الحر) و أخذ الناس حوله يهتفون خلفه ، حينها ابتعدت عنهم و أخذت جانباً من الطريق ، لأنني لست مع المقاومة المسلحة ، لم يمضِ دقيقة على هذا الهتاف ، إلا و سمعنا سيلاً من الرصاص يتثانر حولنا و يستهدفنا ، فزع الناس و هربوا و بدؤوا يتدافعون ، كان بيننا أطفال صغار و بنات صغيرات ، الذعر ملأ المكان و كأن يوم الساعة قام ، الرصاص حولنا و الجميع هبّ يبحث عن ملجأ ، و حيث أنني كنت في جانب الطريق قرب الأبنية تدافع الناس باتجاهنا و حدث تدافع فوقعوا فوقنا .. أصبحنا كومة من الأجساد المرصوصة فوق بعضها.. كانت بجانبي تحت الركام فتاة يافعة دون العشرين ..أعتقد أن رجلها قد عطبت جرّاء ذلك و جاء أحد الشباب جزاهم الله خيراً ، و الذين بدل أن يهربوا وقفوا تحت الرصاص و سحبوها من تحت الركام ثم سحبوني بعدها ، ، اكتشفت أن حذائي قد تمزق ، أخذ الغاز المسيل للدموع يخترق حلقي و أنفي ، أخرجت علب الكولا من حقيبتي و أخذت أقذفها على الرجال أمامي و هرعت إلى محل وجدت مجموعة من النساء اختبؤوا فيه ، وجدت أن بعض الفتيات قد تأثرن بالغاز و أغمي عليهن ، كان قد بقي معي علبة كولا ، أخرجتها و استعملناها ، طلبت منا صاحبة المحل الهدوء و أغلقت غلق المحل ، غير أن الأمن وصلوا إلينا ورفعوا الغلق ، أخذنا نرجوهم أن يتركونا و شأننا ، و صاحت إحداهن ( مشان الله اتركونا و الله نحنا كلنا نسوان) ، فتركنا الجندي و شأننا و أغلق الغلق مرة أخرى …عندما هدأت الأوضاع ،أتت إلينا نساء من الخارج (يبدو أنهن صديقات صاحبة المحل) حكين لنا أنهن قد أسعفن مصاباً مضرجاً بدمائه …
قال لي من كان معي بعد أن التقيته ( وكان قد اختبأ في مكان آخر ، بأنهم و هم يقفون في ساحة التربة قرب الدفن أخذوا يهتفون (بشار الأسد كلب الأمة العربية ) فأحسوا بعدها بالرصاص يتساقط حولهم …. و علمنا أثناء خروجنا من مخبئنا أن شابا من بيت الخطيب قد استشهد و تم إصابة الكثيرين غيره.
هل يحس بعضكم كما أحس الآن أننا قد فوتنا فرصة كبيرة قد تساهم في تسريع الانتصار ؟
حين يكون عهد بيننا و بين المشركين فمن الذي يُلام ؟؟ هل هو الذي يخلف الوعد أم الذي يرد عليه ؟؟
أنا لا أبرر رصاص الأمن ، و إنما أقول أن الذنب مشترك بين الطرفين،
حين يقول الله ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وإن دم الإنسان أعظم عند الله من هدم الكعبة ، فمن باب أولى أن نمتنع عن الشتم إذا كان يؤدي إلى إراقة دم إنسان…ناهيك عن أنه ليس من أخلاقنا
لقد كنا هناك نعلن بكل وضوح أمام السفارات و أمام المستشارية الإيرانية ، و أمام منازل المسؤولين أن الله أكبر .. و أننا لن نركع إلا لله ، كانت وحدها خطوة كبيرة عظيمة ، كنا عشرات الألوف ، و لكن أيضاً لو أنها تمت دون قتل و دون دماء ، لكانت ساهمت في تشجيع الناس و تحميسهم و توسيع رقعة المظاهرات في دمشق ..
لو أننا التزمنا بعهدنا ( الذي لا يتضمن أي إخلال بمبادئ الحرية و عدم الركوع لغير الله) لما كان أريق دم الشهيدين في ذلك اليوم.
الشهداء ليسوا أرقاماً …لا نريد أن نزيد عدد القتلى فقط لنشفي غلنا و نسب الطاغية ، شتم الطاغية ليس هدفنا ….
و المدهش أننا أثناء اختبائنا أخذت الفتيات حولي يدعين على بشار ، فقلت لهن ، انشغلوا بأسفكم و ادعوا لأنفسكم بالنجاة ، و لإخوانكم في الخارج بأن يعمي الله عنهم عيون الظالمين الذين يحومون حولنا يبحثون عن فرائس يتصيدوهم ….وبأن يحميهم من الرصاص الذي يتساقط حولهم.
أحسست حينها ( ولا أدري إن كنت محقة) .. أن هناك أشياء كثيرة ينبغي تصحيحها في سلوكنا ، و أننا كثوار نساهم في قتل الأبرياء بشكل أو بآخر نتيجة أخطاء نرتكبها …
على الرغم من أن من نظموا التشييع كانوا بمنتهى التنظيم و الروعة ، و يعملون بشكل مدروس و مرتب ، و لكن يبقى هناك بعض الخلل ، كما هو حال أي عمل بشري …غير أن هذا الخلل أحياناً يكون قاتلاً …بسبب جهل بعضهم أو عدم التزامهم بالمسار المتفق عليه ..لا أدري إن كانت رؤيتي صحيحة ، و لكن هذا الذي رأيته و تلك الأفكار التي دارت في ذهني .. أردت مشاركتكم بها
5 تعليقات
جزاك الله خيرا لقد ابدعت بالوصف ونقل الصورة وبالتحليل ايضا ,عادة في التجمعات البشرية الكبيرة يصعب الضبط والتحكم وهذا سبب حذر التجمعات عادة في الاوقات الحساسة واي كانت لانه حتى المنظمون يصعب عليهم السيطرة عندما تنفلت المشاعر خصيصا فب مثل تلك المناسبات اذا التوتر سيد الموقف اصلا ولا يحتاج الانسان للكثير لينفجر ,ثم لا بد من وجود بعض الانفعاليين او الغوغاء وارجو المعذرة لكن هذا وارد ومحتمل فليس كل الناس بنفس السوية من الوعي والقدرة على الانضباط ,ثم اوفقك الراي تماما انه لو اكملنا تظاهرتنا كما هي عليه دون اراقة الدماء بل دون جرح اي انسان لكان افضل واجدى وابلغ تاثيرا ,الشتم لا يفيد ولا يغير بالنتيجة وليس مقبول اخلاقيا رغم كل ما يحصل ,ان عافوا اخلاقهم حافظ على خلقك ,واخيرا باستثناء اننا خسرنا ارواحا ما كان من المفروض ان تزهق او تهدر هذه الدماء الزكية لاهلنا وابنائنا الحدث بمجمله يكاد يكون عنوان مرحلة جديدة تبشر بالخير لكل الوطن وثورته في طريق الخلاص والحلم الحلم بدولة مدنية ديمقراطية تحفظ حق الجميع وكرامة الجميع . وفقك الله وحماك .
جزاك الله خيرا لقد ابدعت بالوصف ونقل الصورة وبالتحليل ايضا ,عادة في التجمعات البشرية الكبيرة يصعب الضبط والتحكم وهذا سبب حذر التجمعات عادة في الاوقات الحساسة واي كانت لانه حتى المنظمون يصعب عليهم السيطرة عندما تنفلت المشاعر خصيصا فب مثل تلك المناسبات اذا التوتر سيد الموقف اصلا ولا يحتاج الانسان للكثير لينفجر ,ثم لا بد من وجود بعض الانفعاليين او الغوغاء وارجو المعذرة لكن هذا وارد ومحتمل فليس كل الناس بنفس السوية من الوعي والقدرة على الانضباط ,ثم اوفقك الراي تماما انه لو اكملنا تظاهرتنا كما هي عليه دون اراقة الدماء بل دون جرح اي انسان لكان افضل واجدى وابلغ تاثيرا ,الشتم لا يفيد ولا يغير بالنتيجة وليس مقبول اخلاقيا رغم كل ما يحصل ,ان عافوا اخلاقهم حافظ على خلقك ,واخيرا باستثناء اننا خسرنا ارواحا ما كان من المفروض ان تزهق او تهدر هذه الدماء الزكية لاهلنا وابنائنا الحدث بمجمله يكاد يكون عنوان مرحلة جديدة تبشر بالخير لكل الوطن وثورته في طريق الخلاص والحلم الحلم بدولة مدنية ديمقراطية تحفظ حق الجميع وكرامة الجميع . وفقك الله وحماك
هذا حال أمننا للأسف، فما فائدة الوعود معه؟!
قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
“كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)”
والتفسير: كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ,
وهم لا يعاهدونكم إلا في حال عجزهم عن التغلب عليكم .
ولو ظهروا عليكم وغلبوكم لفعلوا بكم الأفاعيل في غير مراعاة لعهد قائم بينهم وبينكم ,
وفي غير ذمة يرعونها لكم ;
أو في غير تحرج ولا تذمم من فعل يأتونه معكم !
فهم لا يرعون عهدا , ولا يقفون كذلك عند حد في التنكيل بكم ;
الأخت العزيزة …
أنا كنت في التشييع وكنت من الناس الذين انتظروا موكب الشهداء في الشيخ سعد وشاركت في الصلاة و في الهتاف حتى وصولنا إلى المقبرة ، وقفت هناك مع الجموع هتفنا وكبرنا وحيينا الشهداء ثم قررت و زوجي الانسحاب وكان ذلك قبل رفع العلم (شاهدناه من بعيد) أثناء ابتعادنا شاهدنا القتلة قوات الأمن أو الجيش أو الشبيحة ( لاأعرف من هم بصراحة) وهم يتراكضون من خلف البنايات الـ 14 ومن طلعة الاسكان وكان قسم منهم متمركز وفي وضعية الاستعداد للاطلاق (كل هذا قبل أن يرفع العلم وقبل ترديد أي هتاف مما ذكرت) لكني لم أتخيل أنهم سيطلقون رصاصاً حياً على الناس الذين تفصلهم عنهم عدة أمتار فقط … وبعد لحظات بدأ اطلاق النار وقد بدؤوا مباشرة بالرصاص دون أي تنبيه ولو حتى الغازات المسيلة للدموع وبدأت الناس تركض والله كان الرصاص يحاوطنا من كل اتجاه وكان مطلقي النار يركضون في كل اتجاه يصرخون على الناس موجهين بنادقهم إليهم .
المهم في الموضوع أنهم كانوا يستعدون لاطلاق النار دون انتظار لرفع علم أو اطلاق هتاف . أظن أن منظر الأعداد الكبيرة أخافهم ، وعلى الأغلب أنهم لم يتوقعوا هذه الأعداد عندما سمحوا بالتشييع ، وكان لابد لهم أن يضعوا نهاية لذلك كي يخيفوا الناس ويردعوهم عن الخروج بهذه الأعداد في قلب العاصمة.
كلمة واحدة …لو كانوا فعلا مهتمين لأرواح ودماء أبناء شعبهم …ماأطلقوا النار في اليوم الذي سبق وكانوا السبب في خروج الناس …إنهم يقتلوننا دون أي سبب ليحافظوا على جحر الفأر الذي صوروه لهم عرينا ….لاداعي للمزاودات