مراجعة أحمد أبازيد | goodreads
إنّه يومٌ حزينٌ هو ذاك الذي تنتهي فيه من هذا الكتاب !
لا أبو طالب يحدّثك بحكمه و حكاياته مع اتحاد الكتّاب الذي لم يفهم جبليّته و عفويّته بعد , و لا الإمام شامل ينقلك ببطولاته و حزمه بين المعارك , و لا سليمان ستالسكي , و لا محمود , و لا حمزة والد رسول يكتب قصيدة بعد الفراغ من الحصاد , ولا قصص الجبليّين التي تشبه امتزاج البحر بالجبال تلفتك إلى حكمةٍ لم تعلّمكها المدارس .
هذا كتاب يغصّ بالحكايات … إنّه يؤهّلك لتكون جدّاً
هذا كتابٌ مليء بالحكمة … إنّه يؤهّلك لئلّا تكون صامتاً في المجالس
هذا كتابٌ مليء بالشعر … إنّه يؤهّلك لتكون وردةً يوماً ما … أو سيفاً
هذا كتابٌ مليء بمحبّة الأرض … بفلسفة الوطن … إنّه يؤهّلك لتذوق نكهة التراب أعمق
إنّه رسول حمزاتوف يكتب عن بلده , بل يكتب به , بل يكتبه
إنّه رسول ابن حمزة من قرية تساداسا , يأخذك معه في حلمٍ طويل اسمه داغستان , حلم تمتزج فيه الأرض بالشعر بالمحبّة بالذاكرة , إنّه خمرٌ صافية عنّقها العشق , خمرٌ لونها ليس أحمر … لونها داغستان .. بالأحرى لونها الوطن
إنّه كتاب يخرج عن التعاريف , فهو ليس روايةً أبداً , و لا يشبه كذلك السير الذاتيّة , و ليس كتاب توثيق للذاكرة الشعبيّة , و ليس من السياسة في شيء , و ليس ديوان شعر , إنّه موعد غراميّ رقيق و مفتوح مع الوطن … و للحبّ بوحٌ كثير و ألوان كثيرة و دروب كثيرة تشقّ الجبال و تسيل مع الماء و تغفو في الحقول قبل أن يلتقطها النسر و يرفعها نحو السماء !
”
يمكن لألسنة الناس أن تكون مختلفة , على أن تكون قلوبهم واحدة !
”
كتب رسول ابن حمزة من قرية تساداسا , هذا الكتاب , بلغته الآفاريّة , التي لا يتكلّم بها سوى ثلاثمئة ألف إنسان , لكنّه انتشر في كلّ أرض و على كلّ الألسنة … لقد كانت القلوب واحدةً … لأنّ القلب الذي كتب هذا الكتاب نبض بما يبعث الدم في قلوبٍ كثيرة
”
السلاح الذي تحتاجه مرة واحدة عليك أن تحمله العمر كله.
والأبيات التي سترددها العمر كله تكتب مرة واحدة
”
و قد كتبها مرّة واحدة … ولكنّها كالسلاح عليك أن تحملها طويلاً لتواجه البشاعة … لتقتنع أنّ الجمال فطريّ فيك و في العالم
”
كان والدي يقول :
إذا ظهر البحر قبيحاً لإنسان , فمعنى ذلك أنّ الإنسان نفسه قبيح .
”
هل تشرب الجمال … يحدث هذا لو توفّرت لك أنثى تسيل مع الرغبات … ولكن أن تشربه من كتاب و تبتسم من نشوته فهذا ما حدث معي هنا مع رسول حمزاتوف
إنّها الأرض يا صديقي , إنّه الحبّ المشترك , و االشجى يعرف الشجى , هل نحبّ بلادنا أكثر بعيداً عنها ؟! , ربما نقول ذلك أحياناً , ربما يظهر ذلك علينا بعيداً لأنّ هذا الحبّ أضحى غريباً عن النسيج الغريب و يظهر سريعاً كعطر نسائيّ في شارع رجال … ولكنّك هناك في الأرض لا تحتاج قوله إنّك تمارسه بدءاً من استيقاظ عينك مع الشروق و مع تنفّسك غبار الشوارع إلى مراقبتك خصور الفتيات التي تتقن أرشيفة النبض في قلبك إلى الهتاف إلى الثورة إلى الشهادة …
إنّه الوطن .. يا صديقي … و ما أوسعه
يروي رسول ابن حمزة من قرية تساداسا قصّة الفنّان الغريب في باريس المفارق لأهله منذ أعوام طويلة , كيف حدّثه عن حنينه لداغستان , و كيف بحث رسول عن أهله في الجبال ليخبرهم أنّ ابنهم ليس عاقّا فليغفروا له , تسأله أمّه : بأيّ لغةٍ تكلّمتما , يجيب رسول عبر مترجم كلّمته بالروسيّة و كان يتحدّث بالفرنسيّة , تشيح الأمّ بوجهها مخفية الدموع لتقول :
لا ليس ابني يا رسول فابني لا ينسى اللغة التي علّمته أمّه !
إنّها اللغة … إنّها رداءنا الخفيّ و رئتنا الخفيّة التي نتنفّس بها العالم و دونها نشعر بالاختناق , إنّها اللغة التي تظلّلنا قبل السماء و تسقينا الكون و فهمه حرفاً حرفاً , إنّها اللغة التي يكرّر رسول ابن حمزة من قرية تساداسا عشقه و ارتباطه بها , إنّها أمّه التي ولدته , و اللغة الروسيّة التي أطلعته على العالم هي أمّه أيضاً لكنّها بالرضاعة , منذا يعقّ أمّه اللغة ؟! , من يبصق على أمّه يبصق على جميع الأمّهات كما يقول , إنّها الأمّ الوطن , الأمّ اللغة , و هي ذاتها لا شيء آخر الأمّ الأمّ , و الحبّ واحد يتبدّى بوجوهٍ كثيرة .
منذا يحاول أن يفرّق بين أقانيم العشق و يدخل التصنيفات عليها , خُلق العشقُ هكذا عطراً جمع رحيق زهورٍ الحقل …
أسلوب الكتاب بحدّ ذاته عبقريّ و ماكر و خفيف الظلّ , ستبلغ نصف الكتاب و أنت ما زلت تقرأ ضمن العناوين التي تتحدّث كيف سيؤلّف هذا الكتاب الذي تقرؤه !
شيءٌ يشبه الدور المنطقيّ , لكنّه دور شعريّ أو جماليّ هنا
في قلبي الكثير لأقوله عن هذا الكتاب الذي اهداني شعوراً من المتعة و الجمال تمرّ بيديّ كتبٌ كثيرة حتى أصل إليه
اقرؤوه … فلن تندموا
تعليق واحد
ملّا صدفة. لقد انتهيت لتوي (منذ أسبوعين) من قراءة هذا الكتاب. وما زالت عوالمه لا تفارقني. كتاب رائع.