مازن أحمد الجنيد
————————-
الجميع بات مستغرباً للموقف الروسي إتجاه مايجري من مذابح ومجازر لشعبنا السوري على يد حكامه وتلك الطغمة الفاسدة الحاقدة على شعبها رغم حكمها له لأكثر من أربعة عقود .
والكل يتسائل عن هذا الإصرار الروسي على دعم رأس النظام القاتل في سوريا ,مع العلم أنه مرفوض أخلاقياً وسياسياً , وبالرغم من كافة الضغوط من المجتمع الدولي والقوى الكبرى إقتصادياً وعسكرياً ولكن الموقف الروسي لم يتزعزع قيد أُنملة , مع العلم أن الجمهور المتابع لتلك السياسة الروسية راهنوا جميعاً على تراجع الموقف الروسي كما حصل مؤخراً في مساندتها للقذافي ووقوفها معه لفترة قصيرة نوعاً ما ومن ثم تم تراجعها عن هذا الموقف في المحافل الدولية عندها تمت الموافقة الروسية على إنهاء حكم القذافي الذي دام إثنان وأربعون عاماً , مع الأخذ بالإعتبار أن حليفها الليبي غني جداً وهو المعقل الوحيد لها في شمال أفريقيا كلها ومع ذلك باعته لحلف شمال الأطلسي بثمن بخس لن يعوضها عن ليبيا كدولة مستوردة للعتاد بعشرات المليارات سنوياً وهذا ما لاتستطيع تعويضها إياه سوريا مطلقاً .
وقبل ذلك باع الروس أيضاً العراق وصدام حسين يرحمه الله في تجربة سابقة سيندمون عليها طوال عمرهم وإلى أبد الآبدين فيما بعد .
وهنا يأتي السؤال ترى ماهو السر الذي جعل الروس يصرون كل هذا الإصرار على دعم الأسد القاتل لشعبه رغم مرور أكثر من سنة على هذه الثورة المباركة ؟
لا بل تعدى هذا الإصرار على دعم الأسد بالعتاد الذي يعرف الروس أنفسهم أن النظام السوري بات مفلساً ولن يستطيع دفع ثمنه بل دعموه حتى بالقوات الخاصة على الأرض وهذا ماحير العالم بأسره !
فهل هناك أطماع إستراتيجية للروس في سوريا أهم من العراق وليبيا الغنيتين معاً ؟
نعم هناك أسباب إستراتيجية عسكرية وإقتصادية لروسية تجعل من سوريا حليفاً أهم من تلك الدولتين معاً وتلك الأسباب هي كما يلي :
أولاً- موقع سوريا الإستراتيجي و الجيوسياسي على البحر المتوسط يجعل منها قاعدة للتدخل الروسي السريع في حوض البحر المتوسط بإتجاه سواحل دول أوربا من الشمال وأفريقيا على الساحل الجنوبي لهذا الحوض , وهذا يجعل من سوريا نقطة هامة جداً في الإستراتيجية العسكرية الروسية مستقبلاً .
ثانياً- موقع سوريا في تلك المنطقة يعتبر نقطة إلتقاء بين الشمال والجنوب والشرق الأقصى وأوربا إقتصادياً ومحاولات دولة قطر لبناء علاقات خاصة جداً رأيناها قبل قيام ثورتنا المباركة بحيث رأينا زيارات كثيرة وصلت لدرجة الإستغراب حتى من الشارع السوري الذي لم يعي قسم كبير منه مغزاها أو أسبابها , حيث حاولت قطر وبشكل كبير إستمالة نظام سوريا لإنشاء خط أنابيب للغاز عبر سوريا إلى أوربا , وهذا ما لا ولن ترضاه روسيا مهما كلفها من ثمن , لأنها المُوَرِد الأعظم للغاز إلى دول الإتحاد الأوربي عبر خط أنابيبها العملاق إلى كافة دول الإتحاد الأوربي وبواسطة هذا الغاز روسيا تستطيع التحكم بسياساتها إتجاه تلك الدول وتركيعها عند اللزوم كما رأينا في العام الماضي عندما قطعت روسيا غازها عن أوربا لتأخرها في دفع ثمنه وأسباب سياسية أخرى وإختارت فصل الشتاء القارس والثلوج حينها وروسيا تعرف ما يعنيه ذلك القطع للغاز الروسي في هذا التوقيت بالذات عن أوربا .
وأيضا روسيا تعرف تماماً أنه في مثل تلك الظروف لا تستطيع أوربا تعويض النقص في غاز روسيا من مصادر أخرى عبر شحنه بواسطة ناقلات الغاز القطرية وغيرها سيأخذ زمناً طويلاً يمتد لأشهر أحياناً .
أما في حال وجود أنابيب جاهزة تمرعبر سوريا فلن يكون للأوربيون هَمٌ عندما تقطع روسيا غازها وفي أي وقت تشاء , وهذه تعتبر النقطة الجوهرية إقتصادياً وسياسياً وخطاً أحمر للدب الروسي لايمكن تجاوزه مطلقاً وعلى الأخص من دولة صغيرة بحجم قطر .
لذا فإن روسيا لن توافق على إزاحة آل الأسد من سدة الحكم في سوريا إلا بشرط أن تظمن تماماً أن مآل حكم سوريا إلى حليف جديد لها أمام الضغوط الأوروأمريكية لتفكيك هذا الحلف الروسي السوري والذي يضمن لأمريكا تفوقها وإمتداد ذراعها في تلك المنطقة الملتهبة من العالم .
لذا يجب على مجلس سوريا الإنتقالي والمحسوب على أوروبا وأمريكا بعموم أعضاءه تقديم تلك الضمانات لروسيا , وهو لايستطيع ذلك مطلقاً لأنه أيضاً خط أحمر بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي بمجمل مكوناته .
وما بين هذا الصراع بين تلك الأقطاب هناك مئة قتيل هذا بالوقت الحاضر فقط وحتى كتابة هذا المقال يقتلون في الشارع السوري بدم بارد أمام مرأى ومسمع العالم أجمع ونرى مهلة تلوا الأخرى تعطى لنظام بات مرفوض حتى من قبل الروس أنفسهم ضمناً لأنه بات يعري الروس أخلاقياً أمام الشعوب في العالم أجمع ولكن هناك إقتصاد روسي أهم وإستراتيجيات أكبر من حجم وكمية الدم الذي يراق يومياً وأكبر من سوريا أيضاً .
وليس لنا غير الله فهو نعم الناصر والنصير .
تعليق واحد
تنبيه: روسيا والصراع على إمدادات الغاز عبر سوريا « مختارات من أحداث الثورة السورية