اسمه زياد…عمره عشرون عاماً، حاولت عائلته تسفيره ككل شباب جيله الذين يدفعون الملايين لأجل فيزا… بحثاً عن حياة أكثر كرامة وبحثاً عن استقرار… لكن حظه العاثر جعل طموحه بالسفر يفشل.
التحق بالخدمة العسكرية، حظه العاثر مجدداً قاده إلى حلب، مجنداً لا يعرف من فنون القتال إلا النظام المنظم الذي تعلمه في المدرسة الإعدادية، للدقة أكثر ربما ليس حظه العاثر بل استلابه ورفاقه من قبل سلطة سرقت الوطن منذ أربعين عاماً وسرقت كذلك مجنديه وجعلتهم أسرى لديها تلقي بهم إلى التهلكة متى شاءت، بدمهم تكتب انتصاراتها المزيفة، وبدمهم أيضاً تتاجر…
قبل أسابيع قليلة استطاع زياد الاتصال بوالده ليقول له: أنا ورفاقي الستة محاصرون، تركنا الضابط ونحن نأكل الخبز اليابس، “اعميل أي شي وتعى خدني من هون، أنا خايف كتير ومو عارف شو اعمل”
زياد ورفاقه ليسوا شبيحة، وعائلاتهم بالتأكيد ليسوا كذلك… بل كأغلب السوريين رضعوا الخوف منذ الولادة، الخوف خبزهم اليومي، نعم زمن الخوف لكثير من السوريين لم يمض بعد على عكس ما تنادي به جماهير الثورة.
قتل زياد منذ أيام قليلة، قتل بيد شاب سوري آخر، ربما لو صادفا بعضهما في وقت غير هذا الوقت لكانا صديقين، لكنه قتل ودفن كذلك بأيدي الجيش الحر، الذين اتصلوا بالعائلة لاخبارهم بأن ابنهم قد “مات” وتم دفنه لأن “النظام” ترك الجثث مرمية.
فيما بعد تم استخراج ستة جثامين من تحت التراب نقلوا الى المشفى الوطني في حلب وفيما بعد الى دمشق، ومنها الى قريته جسداً مشوهاً داخل صندوق.
في تشييعه حضر بعض رؤساء الفرق الحزبية، قالوا لعائلته أن ابنهم مات لأنه حمى وطنه من ارهابيين وعصابات مسلحة..لكنه في الحقيقة مات جائعاً خائفاً وحيداً ومشتاقا لأب وأم وعائلة وأصدقاء يتقلبون بين شاشتين، شاشة (وطنية) تنقل لهم بطولات عن جيش هزم “العصابة” وشاشة (مغرضة) تنقل انتصارات على “شبيحة”.
وللمفارقة لم تظهر صوره لا على هذه ولا تلك..فهو ككثيرين سبقوه وسيلحقون به لا يتكلم أحد عنهم حين موتهم، هؤلاء الجنود الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة، هم مأساة بحجم وطن.
بات واضحاً أن النظام غير قادر على حماية أحد، يلقي بجنود صغار وسط بركة الدم، يقتلهم ويقذفهم بصناديق خشبية ليترك الحسرة والحقد والخوف تنهش قلوب عائلاتهم
محظوظون أولئك الذين اكتشفوا ما يجري، فتركوا بنادقهم انشقاقاً أو هرباً أو أياً كان..بائسون جداً من استمروا يرددون ذات الشعارات عن مؤامرة كونية، والأكثر قهراً أولئك الذين على الحياد ممن يمنعهم خوفهم من التحرك خطوة إلى الأمام.
ويبقى السؤال مسؤولية من استعادة الجنود الصغار من استلاب آل الأسد لهم وهم الأسرى في ثكناته، والبعيدون كل البعد عن معرفة ما يجري خارج الأسوار؟ دم هؤلاء إن سفك مسؤولية من؟
هل العائلة؟ إذا كانت كثير من العائلات تخشى حتى التحدث على الهاتف “المراقب” ليقولوا لأبنائهم اتركوا كل شيء، وعودوا إلينا..إنها ليست معركتنا
أم مسؤولية الجيش الحر الذي بات كل عسكري هدفاً مشروعاً لضرباته؟
أم مسؤولية الإعلام الذي أضحت مفرداته “شبيح”و “جيش أسدي” أو”عصابات مسلحة” و”ارهابي”
الموت والفوضى يغلفان كل شيء في سوريا.. وحده الأسد يشرب من دم الجميع حتى الثمالة ولا يرتوي…
يا أخوتي.. يا أفراد الجيش الحر، حين توجهون بنادقكم، اعلموا أن لكم إخوة على الضفة الأخرى، فلا تطلقوا نيرانكم عشوائية، بل أطلقوا قبلها صفارات الانذار، وارفعوا أصواتكم ونادوا للحرية وامنحوا الامان لمن يبحث عن الأمان، لعلكم تنقذون سورياً كل ذنبه أنه يؤدي الخدمة الإلزامية.
أما أنت يا أبا زياد.. فلتكن دموعك وقلبك المكسور صرخة لمن حولك لعلهم يستيقظون.. وقل لهم أن هذه ليست معركتنا !!
تنسيقية ثوار الغوطة و الحمراء و الدبلان – حمص