منذ بداية أحداث الانتفاضة السورية وأنا منكب على الإنترنت دون انقطاع لممارسة النشاطات الاندساسية المختلفة، والكلام مع أصحابي داخل سوريا عن الأحداث التي يواجهونها يومياً في حراكهم الشعبي. بالإضافة إلى متابعة القنالات التلفزيونية المختلفة وقراءة المقالات ومتابعة ما ينشر عن الانتفاضة السورية، والتي لم تنتقل حتى اليوم إلى مربع الثورة، على الرغم من كثرة المتحمسين الذين يصفونها بهذه الكلمة. أقاربي وأصحابي يخرجون للتظاهر مع علمهم أنهم معرضون إما للقتل أو الاعتقال فالتعذيب، وهم يعلمون جيداً حجم وأشكال التعذيب في المعتقلات السورية. وصفهم المناضل عزمي بشارة بأن الواحد منهم يعادل عشرة آلاف من المتظاهرين في مكان آخر، أحرار سوريا الذين أيقنوا أن الحرية أصبحت على الأبواب، وبرغم إدراكهم لخطورة أعمالهم تراهم مصرين على تثبيت أنفسهم في الشارع واستعادته من الإقطاعيين الجدد والبرجوازيين المستحدثين المستفيدين من سياسات الرمرمة للاقتصاد السوري.
أسمع وأقرأ قصصاً عن مغامرات للشباب السوريين في المظاهرات تجعلني أتمنى أن أكون معهم في تلك المغامرات التي يخوضونها، يخبرني أحدهم كيف أمسكه عناصر الأمن ثم استطاع الإفلات منهم، وآخر كيف التجأ إلى أحد المنازل أثناء مداهمة الشبيحة للمظاهرة ليخرج بعد نصف ساعة شاكراً السيدة التي أنقذته معرضة نفسها للخطر. يخبرني آخرون كيف اعتقل أصدقاؤهم أثناء المظاهرات أو من العمل أو المنزل، أو كيف زاروهم في بيوتهم بعد خروجهم من الاعتقال. قصص تثير الرعب في بعض الأحيان، والحماسة في أحيان أخرى، إلا أنها دائماً تثير الدهشة والإعجاب.
ما يراه المراقبون من بطولات في شوارع سوريا لم يدهشهم وحدهم، لقد أدهش السوريين أنفسهم، فهم يندفعون إلى الشوارع دون تنظيم أو قيادة، يواجهون الأخطار المختلفة، ويتفوقون على أجهزة الدولة القمعية والإعلامية بجرأتهم وكاميرات موبايلاتهم. لاحظنا في الأسبوعين الماضيين تحسناً كبيراً في نوعية وكمية الفيدوهات المعروضة كما رأينا جرائم أبشع وأعنف ارتكبها النظام بحق المدنيين. هو تصعيد من الجانبين، زيادة غير معقولة في العنف من قبل النظام، وإصرار أكبر من قبل المتظاهرين على التمكن من الشارع وتحدي التعتيم الإعلامي. بالإضافة إلى ما يظهر على أعمالهم من تنظيم فيما بينهم فقد بدأ الشباب بالتعرف على بعضهم أثناء المظاهرات أو بواسطة طرق أخرى، وبدأوا بتجميع أنفسهم بالرغم من صعوبة التواصل، حتى أن تصرفاتهم خلال المظاهرات تغيرت، فبعد أن كانوا يهربون من قوات الأمن كانوا في الأسبوع الماضي إذا علق أحدهم يحاصرون قوات الأمن حتى يتمكنوا من تخليصه. ربما هذا ما أرعب قوات الأمن فزادوا من استعمال العنف في مدينة دمشق.
المفارقة في تعامل النظام مع المتظاهرين، هي أن رئيسه يقول أن التظاهر حق مشروع، وإعلامه يقول أنه لا يوجد متظاهرون، وأجهزته الأمنية تقتل المتظاهرين الذين ادعو عدم وجودهم مع سبق الإقرار بحقهم في التظاهر. تنوعت أساليب القمع الأمني من الضرب المبرح والسحل في الطرقات وإطلاق الرصاص على المتظاهرين إلى الاعتقال و التعذيب في السجون ومداهمة المنازل وسرقة ممتلكاتها وتخريب ما لا يمكن سرقته والإذلال الذي بلغ حد الاغتصاب للنساء بالإضافة إلى قطع الاتصالات والكهرباء والماء والغذاء عن العديد من المدن. كما تنوعت أساليب القمع الإعلامي من تخوين ومهاجمة الشخصيات التي أعلنت وقوفها مع الاحتجاجات إلى إنشاء أنظمة ردع رقمي مهمتها التشويش على منتديات الحوار المعارضة، بالإضافة إلى الشبيحة الإعلاميين وعلماء السلطان وبعض المتثاقفين الذين يصفون المتظاهرين بما يمليه عليهم النظام وبما يوافق مع جماهيرهم. علماء السلطان كالبوطي الذي قال عن المتظاهرين أن وجوههم لم تعرف السجود وأنهم يريدون امتطاء المساجد، بل وتمادى إلى وصفهم بالحثالة الذين يجب على الآخرين الابتعاد عنهم كأنهم مصابين بالجرب، والمتثاقفون كبسام القاضي وفراس سواح (الذي خيب آمال الكثيرين) يصفونهم بالهمجية والتخلف وحمل السلاح، أما شبيحة الإعلام فتارة يقللون من أهمية التظاهرات وتارة يقولون هم مسلحون وتارة هم حثالة وتارة سلفيون وتارة مندسين وتارة أجندات خارجية وتارة عملاء للغرب والكثير من المغالطات المقصودة بهدف وضع المتفرج في حالة ذهول وعدم إدراك لما يجري في ظل الهلع الذي ينتاب الكثيرين اليوم، وبعد ذلك ترى بعض المستفيدين من النظام أو الذين يظنون أنهم يستفيدون منه كالليبراليين الذين يرون أن النظام هو ضامن العلمانية ولولاه لتحولت البلد إلى إمارة سعودية أو يقنعون أنفسهم بحتمية الحرب الأهلية إذا زال النظام يحتقرون المتظاهرين بل يقولون أنهم فقراء جاهلون لا يعرفون معنى الحرية (وهذا لقناعتهم أن أولئك لم يذوقوا طعمها يوماً) ويعيبون عليهم الخروج للتظاهر بالشحاحيط، كما يعيب عليهم البعض عدم تنظيمهم وعدم وجود استراتيجيات لديهم أو خططاً اقتصاديةً وأن المعارضة السورية متفرقة بين منفي ومسجون ومغيب عن المجتمع لما قضاه من سنين في سجون الاستبداد.
إن بعض المهاجمين للمتظاهرين المنتفضين يصفون الأمر على حقيقته من حيث لا يعلمون، فما يجري اليوم هو فعلاً حراك الشعب الذي عاش لعقود كمواطن من الدرجة الثانية لا يحق له ما يحق لعناصر الأمن وأصحاب الوسائط، إنها انتفاضة الطبقات المسحوقة من عمال وفلاحين وعاطلين عن العمل ومعدمين ممن لا يمتلكون إلا ثمن الشحاطة التي تعينهم على الخروج للتظاهر، إنه غضب المقهورين الذين سلبت منهم حريتهم وكرامتهم في سجون القمع وغرف التعذيب. هم غير منظمين لأن النظام كان قائماً على تفريقهم لعقود ولأنهم أفراد عاديون من الشعب لم يسبق لهم الخوض في السياسة، ليس لديهم إلا رؤية واحدة؛ حرية المجتمع وزوال الاستبداد، لا يريدون إلا الكرامة لهم ولأترابهم وأولادهم من بعدهم. لم تكتمل انتفاضة الشعب السوري ولم تتحول إلى ثورة بعد، يعتقد بعض الجاهلين بحقيقة الثورة المصرية وطبيعة المجتمع السوري ووحشية النظام أن السوريين يمشون الهوينة في ثورتهم، لكن في هذا مغالطة كبيرة، السوريون بتقدمون بسرعة لم يتوقعها أحد، بسرعة أدهشت كل المراقبين وأثارت إعجاب العارفين.
بالرغم من كل الألم الذي ينتابنا عند مشاهدة ما يجري على أراضي سوريا الجريحة، إلا أننا نشعر بالاعتزاز بالبطولات والملاحم التي يأبى الشعب السوري إلا أن يسطر بها صفحات التاريخ، قصص تعيد ذكريات أحداث ثورة الاستقلال عن المحتل الفرنسي ومن أتي قبله. إنها إطلالة ثورة عظيمة يستحقها شعب عظيم بحجم الشعب السوري.
وصلة قصيرة http://wp.me/p1zAl3-3A
5 تعليقات
بس تخلص هالثورة
إلي مطلب واحد هو أنو أتعرف عليك وأعرف كم عمرك مع أنو حاسس أنو عمرك تقريباً 28 – 32
لحتى الآن عرفت أنك دكتور ويمكن من ريف حمص وأنك مغترب لسبب ما وبتحشش .. أكتر من هيك ما قدرت أعرف
بعد الثورة انشالله منتعرف على بعض مع Puplic وحشاشجي يلي بكندا
لأ هلق تأكدت أنك شامي من دمشق أو ريفها .. وأنك دكتور أكيد لأنو هي المراحل الفموية والشرجية بمنهاج الطب بعتقد بالسنة الرابعة أو الخامسة إذا مو غلطان .. مع أنو موجودة بعلم النفس الجنائي بكلية التربية بس أكيد أنت دكتور صح ؟؟
Hitman شكراً لاهتمامك بمدونتنا.
هذا النص يرسم صورة رائعة لشعبنا الذي خرج على يدافع عن نفسه من ظلم الأخ لأخيه.
أهلنا و أبناء بلدنا يسوموننا سوء العذاب، يخونون الأحرار. يعتدون على شرف الحرائر و يغتالون براءة اليوم و سواعد المستقبل و عقوله.
إن شاء الله سنتغلب على هذا الظلم الذي أنهكنا. و ستكون كلمة الأحرار حينها “اذهبوا فأنتم الطلقاء.” لمن لم يتدنس حتى النخاع بدماء الاحرار و شرفهم. و سنبني بلدنا كلنا معاً. و لن نسمح لاستبداد آخر أن يتحكم بنا برغبة الانتقام أو بعقليات صدأة. لن نتخلص من قاتل لنصبح نحن القتلة. سينهض الجميع ببلدنا الحبيب و وطنا العربي الأكبر.
عزيزي هتمان، نحن في المدونة مجموعة من الشباب والشابات السوريين لبعضنا تدوينة واحدة وللبعض الآخر مجموعة من التدوينات، أنظر صفحة “مين نحنا؟” حتى تتعرف علينا بالمقدار الذي نستطيع الإفصاح عنه