أتحفنا الرئيس الوريث بخطاب جديد، هو نسخة عن سابقيه، نستطيع تلخيصه بكلمتين : “مؤامرة…وخلصت…”. السيد بشار خطب في دار اﻷوبرا التي تبعد عن قصره أقل من نصف كيلومتر .الرجل لم يجرؤ على المغامرة بالتوجه ٳلى مدرج جامعة دمشق الذي يبعد كيلومترين عن ذات القصر.
رغم وجود 16 سفينة حربية روسية مدججة بالسلاح والرجال قرب الشواطئ السورية، ورغم وجود “الحرس الثوري الإيراني” و زعران “حسن نصر الله” وأكثر من سبعين ألفاً من جنود الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في دمشق وضواحيها، لم يجرؤ الرئيس الوريث على التوجه ٳلى “قصر المؤتمرات” على طريق المطار خوفاً من أن تكون مفارز الجيش الحر وعائلات الشهداء في انتظاره هناك، بدل شبيحة الحرس الجمهوري وعائلاتهم التي هللت له في “اوبرا اﻷسد”.
طبيعي أن تسمى اوبرا دمشق “اوبرا اﻷسد” ففي سوريا اﻷسد كل شيء للأسد، من الاوبرا إلى الشعب والبحيرات والمكتبات والساحات… فقط المزابل والمطاهر العمومية لا تحمل هذا اللقب الجليل..
في غياب اﻷنيق “جهاد مقدسي” الذي “نجا بريشه” اضطر اﻷسد الوريث للنزول ٳلى المعمعة وأداء الدور المنوط به وهو دور الناطق السامي باسم العصابة الحاكمة. الأسد الصغير توجه بخطابه حصراً ٳلى جنوده وخاصة من “الطائفة الكريمة” وعائلاتهم التي حضرت مباشرة من “مساكن الحرس” و”مزة 86″ مع بعض “عينات” من عائلات “عش الورور” من الذين غامروا بعبور مدينة دمشق طمعاً برؤية “ربهم” بشار والتبرك به.
في مقابل خواء الخطاب من جهة المضمون، جاء الشكل معبراً عن طبيعة نظام العصابة اﻷسدي وطريقته في التفكير والعمل. الرئيس الوريث يخطب في “شعبه المختار” من أفراد وعائلات جيشه الطائفي و الحضور يهتف ” لبشار والجيش الجرار” واﻷكثر تعبيراً هو هدير “شبيحة للأبد لاجل عيونك يا أسد…”. لنتصور للحظة شعب قطر وهو يهتف “حرامية للأبد لاجل عيونك يا حمد…”!! ألا يذكرنا هذا الشعار “بصيحة حرب” الكاميكاز اليابانيين وهم يهاجمون السفن الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية : “بانزاي” وهي تعني “حياة مديدة للامبراطور”.
هل يعتبر زبانية الأسد “بشار” نداً للإله الحي، إمبراطور اليابان الراحل “هيروهيتو” ؟ صحيح أن جنود إمبراطورية “الشمس المشرقة” كانت لهم تصرفات لا يخجل منها جلاوزة الأسد، لكن أيا من الكاميكاز لم يخطر بباله أن يفاخر بكونه “شبيحاً” في خدمة إلهه الحي.
لكن، ماذا لو كانت صيحة الحرب هذه هي في صلب عقيدة شبيحة الأسد ؟ ألا يفسر هذا سلوك زبانية النظام ووحشيتهم اللامتناهية ضد “شعبهم” السوري ؟ ألا تجوز المقارنة بين سلفيي القاعدة و”مجاهديها” من قاطعي رؤوس “الكفرة” و المنافقين وبين قتلة الأطفال من شبيحة الأسد على مبدأ “أن الطفل الذي لا يعبد أهله الأسد اليوم لا يستحق أن يكبر….” ؟ ماالذي يجعل الطيار الأسدي يقصف مخبزاً يتردد عليه المواطنون اﻷبرياء غير اعتبار هؤلاء من “الكفار من أهل السنة” ؟ أليس من الممكن اعتبار حرب “شبيحة الأسد” ضد السوريين الذين “لا يعبدون الأسد” حرباً صليبية في سبيل “ربهم” بشار؟
أثناء الحملة الصليبية الرابعة التي بدأت عام 1202، برع الصليبيون في ممارسة “الممانعة” بمفهومها اﻷسدي فكانوا يقاتلون ٳخوتهم “الاورثوذوكس” و” الكاثوليكيون الهراطقة” في أوروبا ولم تطأ أقدامهم “اﻷراضي المقدسة” التي كانوا يريدون “تحريرها”. بلغة اليوم اﻷسدية، كان الصليبيون وقتها يواجهون “المندسين” والعصابات المسلحة والسلفيين التكفيريين…
في الثاني والعشرين من تموز 1209 اجتاحت قطعان الصليبيين مدينة “بيزية” في الجنوب الفرنسي بقيادة الفيكونت “ارنو اموري”. في هذه المدينة الكاثوليكية كانت توجد طائفة مسيحية إصلاحية صغيرة ومسالمة هي “الكاثار” اعتبرها الفاتيكان “مهرطقة”. بعد سقوط المدينة بيد الصليبيين سأل الجنود قائدهم “كيف يميزون بين الكاثوليكي الصالح والمهرطق من الأسرى ؟”. جاء رد الفيكونت “اموري” صاعقاً : “اقتلوهم جميعاً والرب سيتعرف على أتباعه المخلصين حين يصلون إلى السماء…”. بالفعل، أشعل الجنود النار بالمحتمين داخل الكنيسة وقتلوهم شر قتلة.
ما الفرق بين ممارسات “شبيحة الأسد” الذين يقتلون السوريين الآمنين عشوائياً على الأفران وفي بيوتهم وبين الصليبيين الجزارين ؟
حين يهتف الشبيحة “لبشار” والجيش الطائفي ولا نسمع هتافاً واحدا يصدح باسم “سوريا” ولا حتى العروبة أو البعث، وحين يعذب زبانية الأسد ضحاياهم قائلين “ربكم بشار” فماذا يبقى من نظام البعث العروبي “العلماني” القائم في دمشق ؟
“شعب” الرئيس اختار “التشبيح” سياسة ولقباً وممارسة وما عاد يهمه التستر وراء تسميات لم تعد تنطلي على أحد مثل العروبة والمقاومة والممانعة. ما رأي حلفاء الأسد في هذا “التطور الطبيعي” لنظام العصابة الطائفي في دمشق ؟
هل سنسمع قريباً هتافات مماثلة في الضاحية الجنوبية : “شبيحة للأبد لاجل عيونك يا حسن…” ؟ وربما في طهران : “شبيحة للأبد لاجل عيونك يا نجاد…” بالفارسية هذه المرة.
نظام العصابة لم يبق لديه حتى ورقة توت تستر عورته الطائفية التي لم تعد تخفى على أحد. هل بقي أدنى شك في حقيقة الطبيعة المافيوية لنظام الأسد وفي استناد هذا النظام إلى تراث طائفي بغيض، يسبغ الألوهية على الأسد المؤسس. هذه “الألوهية” انتقلت بالوراثة من الإله الأب إلى الرب الابن “بشار” والنظام ينوي توريث الألوهية، ومعها سوريا وشعبها و الطائفة و”الشبيحة” إلى “حافظ ابن بشار ابن حافظ الأسد” وسوف يتم تفصيل الدستور المقبل على مقاس الحفيد الوريث.
هذا ما قاله في الماضي “بشار الأسد” لمراسل صحيفة ألمانية حين دخل “حافظ” الصغير إلى مكتب أبيه أثناء مقابلة صحفية. “بشار الأسد” قدم ابنه البكر “حافظ” إلى الصحفي الزائر قائلاً : “أدعوك للتعرف على رئيس سوريا المقبل….”. هذا ما ينتظر السوريين إن فشلت ثورتهم لا سمح الله.
نظام العصابة الأسدي أبشع بكثير من أن يكون دكتاتورية طائفية أو حتى عصابة مافيا، إنه نظام عائد إلى قرون سحيقة من الماضي البائد. نظام الشبيحة الأسدي لا يقل ظلامية عن “القاعدة” بل قد يفوقها.
أحمد الشامي فرنسا ahmadshami29@yahoo.com
http://www.elaphblog.com/shamblog